"أنت أخوانى.. وأنت إنقلابى" هكذا كان يُوصف الإعلاميين بعد ثورة 30 يونيو التى أطاحت بجماعة الإخوان من سدة الحكم، هذه الاتهامات أكاد أجزم بأنها انتهت إلى غير رجعة وحل محلها اتهامات أسوأ منها بكثير، فأصبح الإعلاميين حاليًا يصنفون بمدى الإثارة والجرأة التى تقدم عبر برامجهم المختلفة على القنوات الفضائية وأمام أعين المشاهدين. الإعلام يمر حاليًا بأسوأ حالاته على الإطلاق، كما وصفه "السيسي" فى أخر خطاباته، فى ظل عدم وجود رؤية واضحة بعد إلغاء وتجميد نشاط وزارة الإعلام، وغياب نقابة الصحفيين، وعدم وجود نقابة للإعلاميين، والبحث عن ميثاق شرف إعلامى يحترم فكر المشاهد، وكثرة القنوات الفضائية، وكثرة الإعلاميين عبر الفضائيات، وأصبح الجميع بلا استثناء يسترسل ويرتجل على الهواء بكل ما يدور فى مؤخرة رأسه، للدرجة التى جعلت من إعلامي شهير يخرج على الملأ ليعلن أن بمقدرته أن يملئ أكثر من 3 ساعات "هوا" بمفرده بشكل متواصل، وعرض أحمد موسى لفيديو لعبة على أنه قصف روسى لقوات داعش، بخلاف تصفية الحسابات بين تامر أمين وسعد الصغير والإبراشي مع السبكى على الهواء، وكأن الأمر تحول لتسلية وضحك على الشعب بمواضيع فاضية عن الفضائح والجنس والجن والشعوذة والتشهير بالناس لجذب أكبر نسبة مشاهدة.
أزمة ريهام سعيد مع فتاة "المول"، وأكرم حسنى مع "ماسبيرو"، ومرتضى منصور مع لميس الحديدي، وخالد أبو بكر مع "السيسي"، لم تكن بعيدة كل البعد عن أزمة باسم يوسف مع الشعب المصرى عندما هاجم القوات المسلحة المصرية وسخر من "جهاز الكفتة" – كما كان يطلق عليه، فجميعهم تحرشوا بالشعب المصرى فكريًا وأصابوهم بنوع من الإحباط والقهر، وكما تم إيقاف برنامج باسم يوسف أتمنى أن يتم إيقاف اى برنامج يسيء لمشاهديه، مهما كانت شهرته.
"السيسي" قالها للإعلاميين صريحة: "المرة الجايه هشتكيكم للشعب"، وأراهن بأن السيسي لو فعلها فلن نجد وقتها أى مذيع من الإعلاميين المعروفين على الشاشة مرة أخرى، كما فعلها الشعب مع ريهام سعيد، ومن قبلها باسم يوسف.
هجومنا على سلبيات الإعلام الخاص لا يجعلنا نتغاضى عن سلبيات الإعلام الحكومى ومبني "ماسبيرو" الذى مازال فى أزمة حقيقة بعدما هاجر منه أهم كوادره إلى القنوات الفضائية الخاصة التى احترمت فكرهم وحولتهم من مجرد موظفين داخل المبني ينتظرون العلاوة الشهرية والمكافآت العينية فى المناسبات وال50 جنيه لحمة العيد وإجازة الجمعة والسبت، إلى مبدعين ومفكرين، وهنا أشيد بسخرية "أبو حفيظة" من "ماسبيرو" والعاملين به علها وعسى أن تكون جاءت فى الوقت المناسب ليعود هذا المبني الضخم إلى ريادته فى قيادة الإعلام العربي مرة أخرى، وأن يبحث السيد عصام الأمير، القائم بأعمال وزير الإعلام ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون، عن حلول جدية للخروج من أزمة تحويل المبدعين فى "ماسبيرو" لموظفين دولة، وأن يراعي الله فى اختيار المذيعين اللى بيظهرولنا على الشاشة ومحتوى هذه البرامج، خاصة أن القنوات الإقليمية "القاهرة – الصعيد – الدلتا – الإسكندرية" بقوا شبه بعض ولا يوجد جديد لديهم.
ولا أطالب هنا بتوحيد الخطاب الإعلامى، وأن أجد ما يذاع فى القناة الرابعة على التلفزيون المصرى يذاع على شاشة الأوربت المشفرة، وكأن شخصًا يملي علينا أفكاره، ولا أطالب أن يسير الإعلام فى صفوف المؤيدين للرئيس السيسي وحكومته، بل أطالب باحترام فكر وعقل المشاهد أولًا، وأن يكون هناك إعلام معارض هدفه هو إصلاح الأمور وتوجيه رؤية الرئيس للحلول السليمة والضغط عليه إذا أخطأ أو انحرفت حكومته عن المسار السليم، وليس إحباط الشعب وتشويه سمعته، الخلاصة عاوزين "إعلام ميبعش الوهم للمصريين ويحترمهم ويناقش مشاكلهم بكل صراحة" على رأى المثل الشعبي: " يا بخت من بكاني وبكي عليا ولا ضحكني وضحك الناس عليا".
وسط هذا التخبط، أشيد أخيرًا بقرار غرفة صناعة الإعلام التى اجتمعت فى وقت طارئ وقررت عدد من القرارات الهامة على رأسها منع ظهور مرتضى منصور إعلاميًا عقب هجومه على لميس الحديدي، والوقوف بجوار "ماسبيرو" فى أزمته الأخيرة مع "أبو حفيظة"، ودعم قرار قنوات "النهار" فى وقف ريهام سعيد وتحويلها للتحقيق بسبب تشهيرها بفتاة "المول"، أملا فى أن يصبح الإعلام ما بعد 30 / 6 إعلام هادف وبناء فى عصر الفضائيات المفتوحة لا يقوم على الجنس والتشهير بأعراض الناس والجن والعفاريت.