أصدرت منذ قليل محكمة جنايات القاهرة في جلستها المنعقدة برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، قراراً بتأجيل محاكمة الرئيس الأسبق محمد مرسي و 10 متهمين آخرين من كوادر وأعضاء جماعة الإخوان، إلى جلسة الخميس المقبل، وذلك في قضية اتهامهم بالتخابر وتسريب وثائق ومستندات صادرة عن أجهزة الدولة السيادية وموجهة إلى مؤسسة الرئاسة، وتتعلق بالأمن القومي والقوات المسلحة المصرية، وإفشائها إلى دولة قطر. وجاء قرار التأجيل لسماع شهادة اللواء محمد عمر وهبه رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق، وحددت المحكمة جلسة 30 أغسطس الجاري لسماع شهادة مصطفى طلعت هاشم مدير مكتب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وتحديد جلسة أول سبتمبر المقبل لسماع شهادة اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية السابق.
وقامت المحكمة بتعديل مواقيت جلسة سماع شهادة اللواء محمد أحمد زكي قائد الحرس الجمهوري لتصبح 8 سبتمبر المقبل، وجلسة 10 سبتمبر المقبل لسماع شهادة الفريق محمود حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة، على ضوء صفته الوظيفية السابقة كرئيس لجهاز المخابرات الحربية سابقا.
وتسلمت المحكمة في مستهل الجلسة كتابا "خطابا" من هيئة الأمن القومي، والذي يتضمن عدم إمكانية سؤال الشاهدين اللواء محمد رأفت شحاته رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، واللواء أسامة أسعد وكيل الجهاز، إعمالا لمواد القانون رقم 100 لسنة 1971 الذي ينظم عمل المخابرات العامة والقوانين المعدلة له، والذي يمنع مثول أعضاء الجهاز أمام المحاكم للإدلاء بشهاداتهم شفاهة.
وقدم ممثل النيابة العامة نص الخطاب الصادر من هيئة الأمن القومي، والموضح به بيانا بتحديد درجات السرية التي تمس أمن وسلامة الدولة وجهاز المخابرات العامة، وعدم تداول المعلومات الخاصة بالجهاز إلا بموافقة الجهة المصدرة لها، وآلية تسليمها السرية التداول كونها تمس المصالح الحيوية للدولة والمخابرات العامة.
وتسلمت المحكمة أيضا من ممثل النيابة العامة في مستهل الجلسة، مذكرة رسمية مذيلة بتوقيع اللواء عصام أحمد غريب المدعي العام العسكري، تفيد بانشغال اللواء أركان حرب محمد أحمد زكي قائد الحرس الجمهوري، والفريق محمود حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة (والمطلوب سماع شهادته على ضوء صفته الوظيفية السابقة كرئيس لإدارة المخابرات الحربية) على نحو يحول دون حضورهما في الجلستين السابق تحديدهما من المحكمة للاستماع إلى شهادتيهما، وطلب تحديد جلسات أخرى لمثولهما للإدلاء بأقوالهما بعد الخامس من سبتمبر المقبل.
واستمعت المحكمة إلى أقوال اللواء أحمد حلمي العزب مساعد وزير الداخلية السابق لقطاع مصلحة الأمن العام، حيث قامت المحكمة بتوجيه 25 سؤالا إليه تتعلق بطبيعة عمله قبل إحالته للتقاعد والوظائف التي تقلدها واختصاصات عمله إبان رئاسته لمصلحة الأمن، والتقارير التي كانت تصدر من المصلحة وطبيعتها ودرجة سرية ما تحتويه من معلومات وكيفية إرسالها إلى رئاسة الجمهورية وآليات تداولها.
وقامت المحكمة بعرض أحد التقارير الأمنية على اللواء العزب، والمكون من 11 صفحة ومدون عليه "سري للغاية" وصادر بتوقيعه، والذي ضبط بحوزة المتهم محمد عادل كيلاني ضمن مستندات ووثائق أخرى صادرة من جهات أمنية وسيادية أثناء القبض عليه.. حيث أكد الشاهد أن هذا التقرير المعروض عليه من قبل المحكمة، صدر عنه وبتوقيعه في 27 مايو 2013 ، وأنه كان متضمنا معلومات حول الوضع الأمني في شمال سيناء ونشاط الجماعات الإرهابية بها، وبعض المقترحات الأمنية.
وقال اللواء العزب إن التقرير جاء بعد اجتماع عقد بمقر هيئة عمليات القوات المسلحة، وأنه أعد بمعرفته وقام بتسليمه شخصيا إلى وزير الداخلية في ذلك الوقت (اللواء محمد إبراهيم) لتسليمه إلى مؤسسة الرئاسة، مشيرا إلى أن التقرير تضمن معلومات غاية في السرية وتتعلق بصميم الأمن القومي للبلاد، حيث احتوى على معلومات تتعلق برصد ومتابعة أنشطة الجماعات الإرهابية وأسباب انتشارها واقتراح حلول لمواجهتها والتصدي لها، وأن من بين تلك الحلول التي تضمنها التقرير وضع ارتكازات أمنية في العديد من المناطق الحدودية بالتعاون بين قطاع الأمن المركزي وضباط البحث الجنائي، لضبط العناصر المطلوبة قضائيا من أعضاء الجماعات الإرهابية وتقديمها للعدالة.
وأضاف أن ما يعزز سرية وخطورة التقرير، أنه تضمن مقترحات بتدخل القوات المسلحة لدعم القوات الأمنية من جهاز الشرطة في تعزيز النقاط والارتكازات الأمنية، حيث أوضح التقرير إن العناصر الإرهابية أصبحت لديها قدرات تفوق قدرات جهاز الشرطة، خاصة في ضوء الضربة التي تلقاها جهاز الشرطة في 28 يناير 2011 إبان الثورة، ومن ثم أصبح تدخل القوات المسلحة بأسلحتها وعتادها لمعاونة الشرطة على أداء مهمتها أمرا ضروريا، وهو ما يشكل سرا عسكريا يجعل التقرير في أعلى مراتب السرية.
وأشار إلى أنه في المعتاد كان يقوم بنفسه بتسليم هذه التقارير بتلك الدرجة من السرية، بشكل شخصي إلى وزير الداخلية، والذي يقوم بفتح المظروف السري والاطلاع على التقرير لإبداء أية ملاحظات أو تعديلات عليه، ثم يوضع التقرير في مظروف سري مؤمن، ويقوم الوزير بالاتصال بأحمد عبد العاطي باعتبار أنه كان يشغل منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، ليبلغه بأن تقريرا هاما سوف يصل إليه بمعرفة مندوب من الحرس الخاص بالوزير، وأن الوزير كان يعاود الاتصال بعبد العاطي للاطمئنان بأن التقرير قد تم تسليمه.
وأضاف أنه فيما يتعلق بالتقرير المعروض، فإن الوزير (محمد إبراهيم) أخطره بموافقة رئيس الجمهورية في ذلك الوقت (محمد مرسي) على التوصيات والمقترحات الواردة به، بوضع العديد من الارتكازات والكمائن الأمنية في الأماكن المقترحة، وأنه تم بالفعل وضعها على نحو ما تم الاتفاق عليه مع هيئة عمليات القوات المسلحة.
وأكد الشاهد أن المجرى الاعتيادي للأمور، أن مثل هذا التقرير، يتم حفظه بطريقة سرية تحول دون الاطلاع على ما ورد به من معلومات من أي مسئول آخر سوى رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أنه لا يعرف المتهم محمد عادل كيلاني الذي ضبط هذا التقرير بحوزته، وما إذا كان أحد أفراد مؤسسة الرئاسة من عدمه.
وأعرب الشاهد عن دهشته البالغة من خروج مثل هذا التقرير من مكتب رئيس الجمهورية (الأسبق) في ضوء ما يتضمنه من معلومات بالغة السرية والحساسية وتتعلق بالأمن القومي المصري، مؤكدا أن فترة حكم محمد مرسي كانت النظرة إلى جهاز الشرطة لا تخلو من الريبة والشك، وأنه بالرغم من ذلك فإن جهاز الشرطة كان حريصا أشد الحرص على أن يقدم أمام صانع القرار بمؤسسة الرئاسة الصورة الكاملة والحقيقية للأوضاع في الشارع المصري ومقترحات الحلول للأزمات ومعالجتها، غير أن النظام السياسي في ذلك الوقت تغاضى والتفت تماما عن "كلمة العقل والمنطق، ولم يكن ينتبه سوى لكلمة معاونيه وجماعته وبعض العناصر التي أخرجتهم من السجون"، على حد قول الشاهد. وقال الشاهد إن خروج التقرير المعروض عليه من المحكمة، من مكتب رئيس الجمهورية، يقطع تماما بتسريب ذلك التقرير إما من رئيس الجمهورية الأسبق محمد مرسي أو مدير مكتبه أحمد عبد العاطي، كونهما وحدهما الشخصين المسيطرين على مثل هذا التقرير.
وكان المستشار الشهيد هشام بركات النائب العام قد وافق على إحالة المتهمين إلى المحاكمة، في شهر سبتمبر 2014، وذلك في ختام التحقيقات التي باشرتها نيابة أمن الدولة العليا بالقضية، حيث جاء بأمر الإحالة "قرار الاتهام" أن محمد مرسي وعددا من المتهمين قاموا باختلاس التقارير الصادرة عن جهازي المخابرات العامة والحربية، والقوات المسلحة، وقطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية، وهيئة الرقابة الإدارية - والتي من بينها مستندات غاية في السرية تضمنت بيانات حول القوات المسلحة وأماكن تمركزها والسياسات العامة للدولة - بغية تسليمها إلى جهاز المخابرات القطري وقناة الجزيرة الفضائية القطرية، بقصد الإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي وبمصالحها القومية.
والمتهمون في القضية هم كل من: محمد محمد مرسي عيسى العياط (محبوس - رئيس الجمهورية الأسبق) - أحمد محمد محمد عبد العاطي (محبوس - مدير مكتب رئيس الجمهورية الأسبق – صيدلي) - أمين عبد الحميد أمين الصيرفي (محبوس - سكرتير سابق برئاسة الجمهورية) - أحمد علي عبده عفيفي (محبوس - منتج أفلام وثائقية) - خالد حمدي عبد الوهاب أحمد رضوان (محبوس - مدير إنتاج بقناة مصر 25 ) - محمد عادل حامد كيلاني (محبوس - مضيف جوي بشركة مصر للطيران للخطوط الجوية) - أحمد إسماعيل ثابت إسماعيل (محبوس - معيد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا) - كريمة أمين عبد الحميد أمين الصيرفي (طالبة) - أسماء محمد الخطيب (هاربة - مراسلة بشبكة رصد الإعلامية) - علاء عمر محمد سبلان (هارب – أردني الجنسية - معد برامج بقناة الجزيرة القطرية) - إبراهيم محمد هلال (هارب - رئيس قطاع الأخبار بقناة الجزيرة القطرية).
وأشارت التحقيقات التي أشرف عليها المستشار تامر فرجاني المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا، إلى أن مرسي استغل منصبه كرئيس للدولة، وقام بتعيين بعض كوادر جماعة الإخوان في وظائف بالغة الحساسية بمؤسسة الرئاسة، منهم أحمد عبد العاطي مدير مكتبه، وأمين الصيرفي سكرتيره الخاص.. وبعد زيادة حدة الانتقادات ضد مرسي وتصاعد الغضب الشعبي ضد جماعة الإخوان، أصدر التنظيم الدولي للجماعة تعليماته للرئيس (الأسبق) بتسريب ما يطلع عليه بحكم منصبه من وثائق هامة، إلى جهاز المخابرات القطري، ومسئولي قناة الجزيرة، ومن بينها تقارير شديدة الخطورة عن القوات المسلحة المصرية وأماكن تمركزها وطبيعة تسليحها، والسياسات الداخلية والخارجية للبلاد، ووثائق واردة إليه من الجهات السيادية (المخابرات العامة والحربية وجهاز الأمن الوطني وهيئة الرقابة الإدارية) وأسرار الدفاع، احتفظ بها كل من المتهمين محمد مرسي وأحمد عبد العاطي بخزينة مكتبه بالرئاسة، بصفتهما الوظيفية، ثم سلماها إلى المتهم أمين الصيرفي.
وأظهرت التحقيقات أن الصيرفي استغل عدم إمكان تفتيشه من أمن الرئاسة بحكم وظيفته، وقام بنقل تلك الوثائق والمستندات من مؤسسة الرئاسة وسلمها إلى نجلته كريمة الصيرفي التي احتفظت بها بمسكنها الخاص، ثم سلمتها بناء على طلبه إلى المتهمين أحمد علي وعلاء سبلان، عن طريق المتهمة أسماء الخطيب، وقاموا بنسخها وتخزينها على وسائط ألكترونية بمساعدة المتهمين خالد حمدي وأحمد إسماعيل، ثم سافر المتهم سبلان إلى قطر، والتقى بالمتهم إبراهيم هلال رئيس قطاع الأخبار بقناة الجزيرة، والشيخ حمد بن جاسم (رئيس الوزراء وزير خارجية قطر السابق - رئيس مجلس إدارة شبكة قنوات الجزيرة) في حضور ضابط بجهاز المخابرات القطرية بفندق شيراتون الدوحة، وتم الاتفاق على تسليمهم الوثائق نظير مبلغ مليون دولار، تسلم (سبلان) جزءا منه عبر إحدى شركات تحويل الأموال بعد أن تم تسليم الوثائق بالفعل عن طريق المتهم محمد عادل كيلاني بمطار الدوحة.
وتبين من التحقيقات أن 7 من المتهمين (من العاملين بقناتي الجزيرة و مصر 25 وشبكة رصد) قد ارتكبوا جريمة التخابر بصورة مباشرة وصريحة، باتفاقهم مع ضابط جهاز المخابرات القطري على العمل لصالح دولة قطر، وإمداد المخابرات القطرية بالوثائق السرية الصادرة عن الجهات السيادية المسلمة إلى مؤسسة الرئاسة، والتي تم اختلاسها بمعرفة الرئيس الأسبق ومدير مكتبه، وتم تهريبها بمعرفة سكرتيره الخاص ومتهمين آخرين.
وأكدت التحقيقات واعترافات عدد من المتهمين المحبوسين احتياطيا، أن المتهمين أمين الصيرفي ونجلته كريمة الصيرفي، هما من بادرا بالتواصل مع بقية المتهمين لتسريب تلك المستندات والوثائق إلى قطر بغية إذاعة محتوياتها على قناة الجزيرة، وأن عددا كبيرا من تلك الوثائق لم تكن تسلم سوى لمحمد مرسي شخصيا بصفته رئيسا للجمهورية آنذاك، والذي كان يتولى حفظها بنفسه داخل خزينة شخصية بمكتبه أو التخلص منها بطرق محددة بمعرفته.
وأسندت النيابة إلى محمد مرسي وبقية المتهمين ارتكاب جرائم الحصول على سر من أسرار الدفاع، واختلاس الوثائق والمستندات الصادرة من الجهات السيادية للبلاد والمتعلقة بأمن الدولة وإخفائها وإفشائها إلى دولة أجنبية والتخابر معها، بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي وبمصالحها القومية.
كما نسبت النيابة إلى المتهمين طلب أموال ممن يعلمون لمصلحة دولة أجنبية، بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة البلاد، والاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب الجرائم السابقة، وتولي قيادة والانضمام لجماعة إرهابية تأسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على حريات المواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، بهدف تغيير نظام الحكم بالقوة والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر.