إن البكاء فطرة بشرية خلقها الله -تعالى- في البشر، فقد فسّر القرطبي قول الله -تعالى-: "وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى": أي: قضى أسباب الضحك والبكاء، وقال عطاء بن أبي مسلم: يعني: أفرح وأحزن، لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء. وقال-صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ بدمعِ العينِ ولا بحزنِ القلبِ، ولكن يُعَذِّبُ بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحمُ "، رواه البخاري ومسلم. * بكاء النبي -صلى الله عليه وسلم- عند تلاوة أو سماع القرآن: عَن ابن مَسعودٍ -رضي اللَّه عنه- قالَ : قال لي النبيُّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "اقْرَأْ علَّي القُرآنَ" قلتُ : يا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ!، قالَ: "إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي "فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية: "فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيدًا"، فقال -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- "حَسْبُكَ الآن" فَالْتَفَتَّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ، البخاري ومسلم. يقول بن بطال: كان بكاء النبي لهذه الآية لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن. وعن السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي، فقلت: والله إني أحب قُربك، وأحب ما يسرك، فقام فتطهر، ثم قام يصلي، فبكى بكاء شديدًا حتى بل حِجرهُ ولحيته، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا!، لقد أنزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ"، رواه ابن حبان وغيره، وصححه الشيخ الألباني وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا قول الله -عز وجل- "رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي"، وقال عيسى -عليه السلام- "إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، فرفع يديه وقال -اللهم أمتي أمتي- وبكى فقال الله -عز وجل- يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيك فأتاه جبريل فسأله، فأخبره -صلى الله عليه وسلم- بما قال -وهو أعلم- فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك، رواه مسلم.