أجاب مفتي الديار السابق،الدكتور "علي جمعة"، عن سؤال حول حكم الترجي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وآل البيت والكعبة والمصحف، كقول الإنسان مثلًا: "والنبي تعمل كذا"، "وسيدنا الحسين وغلاوته عندك"، والمقصود الترجي وليس القسم، وهل يُعَدُّ ذلك شركًا!، إذ يُفاجأ الإنسان إذا قال ذلك بمن يقول له: هذا حرام، هذا شرك، قل لا إله إلا الله !. فقال "جمعة": جاء الإسلام وأهل الجاهلية يحلفون بآلهتهم على جهة العبادة والتعظيم لها، مضاهاة لله -تعالى- عما يشركون كما قال -تعالى- واصفًا لحالهم: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ". فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك حماية لجناب التوحيد، لقوله: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ"، رواه الترمذي وحسّنه، أي: قال قولًا شابه به المشركين لأنه خرج بذلك من الملة -والعياذ بالله-، فإن العلماء متفقون على أن الحالف بغير الله لا يكون كافرًا حتى يُعَظِّم ما يحلف به كتعظيم الله -تعالى-، وكُفْرُه حينئذٍ من جهة هذا التعظيم لا من جهة الحلف نفسه. كما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بأهل الجاهلية في حلفهم بآبائهم افتخارًا بهم وتقديسًا لهم وتقديمًا لأنسابهم على أخوة الإسلام جاعلين ولاءهم وعداءهم على ذلك، فقال: "أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ"، متفق عليه. أما الحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي والإسلام والكعبة فلا مشابهة فيه لحلف المشركين بوجه من الوجوه، وإنما مَنَعَه مَنْ مَنَعَه مِنَ العلماء أخذًا بظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله، وأجازه من أجازه كالإمام أحمد في إجازته الحلف بالنبي، وتعليله ذلك بأنه -صلى الله عليه وسلم- أحد ركني الشهادة التي لا تتم إلا به، لأنه لا وجه فيه للمضاهاة بالله -تعالى-، بل تعظيمه بتعظيم الله له. أما عن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائز لا حرج فيه، فقد ورد في كلام النبي وكلام الصحابة الكرام، ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا! فَقَالَ: أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهْ؛ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ ..." إلخ. وبناءً على ذلك فإن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي أو آل البيت أو غير ذلك كما جاء بالسؤال مما لا يُقصد به حقيقة الحلف، هو أمر مشروع لا حرج على فاعله، لوروده في كلام النبي وكلام الصحابة وجريان عادة الناس عليه بما لا يخالف الشرع الشريف، وليس هو حرامًا ولا شركًا، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم، قال -تعالى-: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ"، ولا يجوز للعاقل أن يتهم إخوانه بالكفر والشرك فيدخل بذلك في وعيد قوله النبي: "إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا"، رواه مسلم، والله -سبحانه- أعلم.