يحفل معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام بالعديد من الروايات، لكن لهذه الرواية خصوصية، فهي تتناول آفة في مجتمعنا قد لا يعرف عنها الكثير، وهي رواية الكاتب الصحفي محمود الغول "العبيد"، والتي تتناول العنصرية التي يعانيها "السود" في إحدى القرى المصرية، من خلال قصة حب بين شاب أسود وابنة شيخ العرب. ويتميز الغول في روايته بالقدرة على السرد وتناول أدق التفاصيل، بشكل ممتع لا يدعو للملل، حيث ينقل الغول القاري إلى فضاء رحب ومختلف، يمثل مجتمع حقيقي وحي، لكن معظمنا يجهله.. مجتمع مليء بالإثارة والتشويق، أو ما يمكن أن نطلق عليه الواقعية السحرية، حيث يتفوق الواقع على الخيال.
والرواية تدور حول بلال الذي يقع في غرام حسناء ابنة شيخ العرب، التي تغرم بها هي الأخرى، لكن المجتمع لا يقبل ذلك، ويحاول بلال جاهدا أن يزيل الفوارق بينه وبين حبيبته، إلا أن العرف والتقاليد تحول دون ذلك، لكن البطل يظل للنهاية متمسكا بأمله إلى أن تنتهي الرواية بمفاجأة له شخصيا ولكل أهل القرية. وتتميز الرواية بتعدد الأصوات داخلها، إذ اسند الجزء الأول منها إلى "فاطمة"، شقيقة بلال، والتي تحكي بدايات القصة، وتركز على الجانب التوثيقي والاريخي، لهذا المكان الساحر، وتصفه بدقة عالية ليشعر القاريء وكأنه يرى الأشياء والأشخاص أمام عينيه، أما الجزء الثاني فيرويه بلال نفسه، ويتناول فيه حياة الجبل والمطاريد، وتجارة المخدرات والسلاح، وكذا الإرهاب والتطرف في فترة الثمنينات والتسعينات، ومع ذلك يمكن للقاريء أن يلمس صوت الكاتب نفسه وأفكاره التي عبر عنها في غير موضع من الرواية. وجاءت لغة السرد عند الغول غرائبية كحكاياته عن مجتع ربما لم يعرف عنه المتلقى كثيرًا، ذاك أن أجواء الرواية تؤكد واقعية مؤلفها السحرية وغرامه بالحكى وجلسات ساعة الغروب. وتأتى شخصيات الرواية لتكمل واقعية السرد، فلا تستطيع الفكاك من أسر الحكاية ولا من دقة التفاصيل الموغلة فى الوصف. وطيلة أحداث رواية العبيد، يحاول بلال البحث عن إجابات لأسئلة تتعلق بالحرية والعبودية والحب والخير.
والمثير أن الكاتب مغرم بالسرد والحكايات الجانبية الغرائبية، فهو ينسج الأحداث بتفاصيلها، ويكشف جوانب الشخصية وسماتها الخارجية، فمثلا حين يتحدث عن إحدى الشخصيات الثانوية يقول: "يوما، ذهب عبد القادر، بن سعيد الحلاق، يسبح في جمع من أهله، إلى بيت خالي محمود يطلب يد ابنته بدرية، فلما عرف شقيق والدتي سبب الزيارة طرد نجل الحلاق وصحبه، مستنكر اقدام مزين على الاقتران بفتاة تنتمى لطبقة اعلى من تلك الطبقة التي انسلخ هو عنها! ". ومن أجواء الرواية أيضا: " علا النحيب، والصراخ، والعويل. نسوة يلطمن، ورجال بوجوه شمعية يتحدثون عن الغسل والكفن والجنازة، ويبرئون ذمة أهله من دمه، فقد استنفدوا كل الطرق الممكنة لإنقاذه من الموت: ذهبوا به للمشايخ وقساوسة كنيسة المركز، وعالجوه باللبخات والوصفات، ولما فاض بهم الكيل سقوه زجاجة كاكولا كاملة، ورغم ذلك خرج السر الإلهي قبل ان يتجشأ!".