تتباين التغطية الصحفية إيجابًا وسلبًا فى تناولها لمهرجان القاهرة، ربما يعتقد القارئ أنه بصدد مهرجانين يحملان نفس الاسم ويديرهما نفس المسؤول. كثيرا ما لعبت الصحافة المكتوبة دورا محوريا فى توجيه دفة المهرجان، وذلك قبل أن تدخل بقوة الفضائيات وتُصبح من خلال سرعة الانتشار ودائرة الاتساع وسرعة التواصل هى صاحبة الكلمة الأعلى. هناك من يرفع شعار سُمعة مصر تجاه كل من ينتقد تنظيم المهرجان أو يشير إلى تسلل أفلام دون المستوى أو لا تنطبق عليها المواصفات الدولية للاشتراك فى التسابق، أو يسأل عن ارتباط المهرجان بالتقشف بينما ميزانيته المعلنة 16 مليون جنيه فى الوقت الذى يُفتتح مساء اليوم مهرجان السينما الأوروبية دون أن تحصل رئيسة المهرجان المخرجة ماريان خورى على أى دعم من الدولة. دائما هناك شد وجذب، والأمر لا يقتصر على هذه الدورة ولكن طوال تاريخ المهرجان هناك من يلعب هذا الدور. دعونا نلقى نظرة سريعة على المهرجان منذ ولادته عام 76. بدأ المهرجان دوليًّا ورسميًّا ومعترَفًا به من الاتحاد الدولى للمنتجين، وانطلق تحت قيادة جمعية «كتاب ونقاد السينما» التى كان يرأسها كمال الملاخ ورئيسها الشرفى يوسف السباعى. هذا الجيل لا يعرف كمال الملاخ الذى كانت «الأهرام» مرتبطة باسمه، هيكل صفحة أولى والملاخ الأخيرة، والباب الشهير «من غير عنوان». كان الملاخ كاتبًا صحفيًّا وفنانًا شاملا له بصمة وأسلوب، كانوا يقولون إن «الأهرام» تُقرأ من الصفحة الأخيرة. فى عز قوة كمال الملاخ وفى الدورة الثالثة للمهرجان عام 78 حدث تزوير فى أوراق رسمية للجنة التحكيم فى الترجمة من العربية إلى الفرنسية والإنجليزية وحصل فيلم «قاهر الظلام» على جائزة القصة، التى كتبها كمال الملاخ، وتناولت الصحافة هذا الخبر بالمانشيت العريض وسقطت الشرعية عن المهرجان بسبب أقلام الصحفيين المصريين، فهل كانت الصحافة هى السبب أم أن الخطأ الذى ارتكبته إدراة المهرجان هو المسؤول؟! كانت الدولة مدركة أهمية المهرجان سياسيًّا، حيث كانت إسرائيل تريد أن تُصبح هى صاحبة المهرجان الرسمى فى الشرق الأوسط، ولهذا سارعت بإقامته وافتتح الدورة الأولى للمهرجان رئيس الوزراء فى عهد أنور السادات ممدوح سالم ورغم ذلك لم يمنع أحد الصحافة من كشف الفساد. أمسكت الدولة المهرجان بقوة فى عام 84 وفى دورة وحيدة رأسَها على الورق المخرج كمال الشيخ بينما كان سعد الدين وهبة هو الرئيس الفعلى وشغل موقع مدير المهرجان ثم تولى الرئاسة فى العام التالى 85 وأعاد الصفة الرسمية 86 ولكن بلا مسابقة، وبعدها بأعوام عادت المسابقة الدولية.. استغرق الأمر نحو بضع سنوات حتى عاد الاعتراف مرة أخرى بالمهرجان 92، فهل أخطأت الصحافة؟ العلاقة بين المهرجان والصحافة دائما بين الشد والجذب حتى سعد الدين وهبة الذى كان يجيد التعامل مع الصحفيين تعرض لهجوم حاد فى نهاية الثمانينيات بينما كان معروفا وقتها بقانون 103، وأتذكر جيدا أن عددا من النجوم بينهم عادل إمام ويسرا وشريهان والمخرجان يوسف شاهين وتوفيق صالح وغيرهم ارتدوا القمصان الصفراء ووجدوا فى بهو فندق «سميراميس» ليلة افتتاح المهرجان معترضين ومنددين بكبت الحريات وانضم عدد من الضيوف الأجانب إلى الفنانين والمثقفين المصريين حيث كانت هناك معركة ضارية ضد سعد وهبة، فهل أخطأت الصحافة عندما وقفت وقتها ضد سعد وهبة؟ واستمر الرجل رئيسا حتى رحيله فى 97، وكان دائما عندما نسأله عن دور وزارة الثقافة فى دعم المهرجان يقول لنا «تمنحنا الكثير من الدعوات» ويضيف «الدعوات الصالحات». وحسين فهمى أكمل بعد وهبة وكانت لحسين بصمة خاصة وانتقل بالافتتاح إلى الأوبرا وكان يتحمل الانتقاد بابتسامة وربما نكتة مع أول معركة وهى الإسموكن والببيونة، عندما أشار فى الدعوة إلى ضرورة ارتدائهما ولكن انتصرت الصحافة للكرافت ضد الببيونة. وعندما يرأس ناقد سينمائى وصحفى مخضرم مثل سمير فريد المهرجان فإن أول ما ننتظره هو أن يتقبل الانتقادات ولكننا رأيناه فى المؤتمرات الصحفية يسخر من البعض وفى أخرى يتوعد الزملاء بالملاحقة القضائية كأن شرط الرضا والقبول هو الهتاف للمهرجان وغض الطرف عن تجاوزاته!