تواجه الحكومة المغربية، التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، تحديات متعاظمة تطرحها حركة الاحتجاجات الاجتماعية، التي تطالب بتدابير لمحاربة البطالة، وحفظ المستوى المعيشي لفئات مختلفة. وتوجت حركة الاحتجاجات الفئوية، التي توزعت بين العاصمة الرباط وعدة مدن مغربية، بدخول المنظمات النقابية على الخط، حيث أقدمت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفدرالية الديمقراطية للشغل، وهما من أقوى المركزيات النقابية في المغرب، على تنظيم مسيرة في الدارالبيضاء، رفعت شعار "الكرامة"، استقطبت آلاف المواطنين المطالبين بتحسين مكتسبات الطبقة العاملة. وتضارب الجدل حول هذه المسيرة، بين من اعتبرها وقفة ضرورية لحث الحكومة على الانكباب بجدية على الملف الاجتماعي المعقد، ومن شكك في توقيتها وأبعادها السياسية، المتمثلة في الضغط على حكومة عبد الإله بنكيران، خاصةً وأن النقابتين قريبتان من أحزاب المعارضة اليسارية، وخصوصاً حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ودافع أحمد الزايدي، رئيس الفريق البرلماني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عن قرار تنظيم المسيرة الشعبية في الدارالبيضاء، معتبراً أنها كانت فرصة لتنبيه الحكومة إلى ضرورة الإنصات إلى مطالب الفاعلين النقابيين، ومناقشة القضايا العالقة في الملف الاجتماعي، والالتزامات التي كانت عبرت عنها الحكومة السابقة، انسجاماً مع مبدأ الاستمرارية في المرفق العمومي. وقال الزايدي، في تصريح لCNN بالعربية، إن النقابات أبانت عن مسؤوليتها في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة من جهة أولى، ومراعاة أوضاع البلاد العامة من جهة ثانية، بحيث أتاحت للحكومة القائمة مهلة أربعة أشهر من أجل القيام بالمبادرات الضرورية في إطار الحوار الاجتماعي، وهو الأمر الذي لم يتحقق. وحذر من أن المسيرة قد تتلوها حركات أخرى، في حال مواصلة الحكومة إهمالها للمطالب الاجتماعية النقابية، معتبراً أن الوقت ملائم للجلوس على طاولة الحوار، لنزع فتيل النقاط العالقة بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين، أخذاً بعين الاعتبار الضائقة المالية التي تعاني منها البلاد، كجزء من المحيط الإقليمي، الذي يعاني تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. في المقابل، تتبنى النقابات القريبة من الحكومة، رأياً آخر.. فقد ثمن محمد يتيم، الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذي يهيمن عليه منتسبو حزب "العدالة والتنمية"، التزام الحكومة بتنفيذ الجزء الأكبر من التزاماتها، بمقتضى اتفاق الحوار الاجتماعي، والتزامها بمأسسة الحوار في شراكة مع الهيئات النقابية. غير أن يتيم دعا، خلال اجتماع للأمانة العامة لنقابته، إلى رفع وتيرة ومردودية الحوار الاجتماعي، وتحديد سقف زمني لدوراته، وأجندة واضحة تحدد القضايا المطلبية العالقة بالنسبة للعمال. وشدد يتيم، القيادي في حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، على ضرورة إخراج التشريعات المنظمة لسوق الشغل إلى حيز الوجود، وخصوصاً قانون النقابات، والقانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب، ووقف أشكال التضييق على الحريات النقابية. وبالموازاة مع الجبهة النقابية المفتوحة، تواجه الحكومة إرثاً ثقيلاً يتمثل في بطالة خريجي الجامعات، من الحائزين على الماجستير والدكتوراه، الذين ينظمون اعتصامات شبه يومية في أكبر شوارع العاصمة الرباط، والذين تتواصل معضلتهم برغم تعاقب الحكومات والحلول. وشهدت العلاقة بين الجمعيات الممثلة لهؤلاء الخريجين والحكومة الجديدة توتراً بإصرار رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على رفض التوظيف المباشر للخريجين، وربط التوظيف باجتياز امتحانات ولوج الوظيفة، أو إيجاد مناصب شغل في القطاع الخاص. يُذكر أن الأزمة الاقتصادية في أوروبا بدأت تفرز تداعيات على قطاع السياحة، الذي يعد من أهم مصادر العملة الصعبة بالمغرب، إلى جانب تحويلات المهاجرين المقيمين بأوروبا، الأمر الذي يُضاف إلى موسم فلاحي ضعيف بسبب نقص الأمطار، مما يحد من هوامش المناورة أمام الحكومة، في معالجة انتظارات الطبقات الشعبية، والوفاء بوعودها في تحسين مستواها المعيشي