لا يسعى الى الحرية الا من تسكنه العبودية .. من لا يقف على الاشارة لا ترشده العبارة من تكلم فى غيره معناه خسر دعواه من تكلم بالدقائق عليه أن يدعمها بالحقائق والا فلن يتجاوز العلائق والعوائق الاعجاب حجاب من لا يؤمن فقد كفر ومن احال المعاصى الى الله فقد فجر . إن كل جملة صوفية وراءها مشاعر واحاسيس سماوية لا نهائية فلماذا تأخذ كلمات الله وكاننا نلتقط شيئا على الارض ونحن فى قطار يسابق الريح ؟ إن ذلك يجعلنا إما نقبل الشىء كله أو نرفضه كله وفى الحالين ننكر أهم قواعد الاسلام الوسيطة . والمثير للدهشة اننا وقد فشلنا فى حل مشاكل الدنيا نصر على أن نناقش مشاكل الآخر إن أكبر دليل على ذلك قضية الشفاعة التى سيطرت على اهتمامات الناس ومناقشات العلماء مؤخرا وقد تعاملنا معها بالطريقة نفسها التى نعامل بها أمورنا السرعة والعجلة وعدم الروية البعض انكرها متسرعا على طريقة " لا تقربوا الصلاة " وهو يقرأ قوله تعالى " يومئذ لا تنفع الشفاعة " دون أن يكمل باقى الآية " الا من أذن له الرحمن ورضى له قولا " فالشفاعة لا تنفع الا باذن الله فهى موجوده ولكن بشروط . غن كلمة شفاعة تعنى فى اللغة الضم ضم واحد الى واحد ضم راى الى راى ضم القوة الى القوة ضم حب الى حب ضم رقم الى رقم ويقال شفعة أى انضم اليه بارادته وشفع له أى جاء اليه بمن ينضم اليه او امر غيره أن يسنادة وتشفيع له اى أمر باحضار من ينضم اليه . ولو تصورنا شخصا رفع قضية فى محكمة لو انضممت اليه فقد شفعته ولو ركلت له محاميا فقد شفعت له ولو كلفت شخصا ليحضر محاميا له فقد تشفعت له وعندما يقول اله تعالى " فما تنفعهم شفاعة الشافعين اذن تنفع غيرهم وهو يعنى ان الشفاعة موجوده ويؤكد وجودها قوله تعالى من ذا الذى يشفع عنده الا باذنه ولا يشفعون الا لمن ارتضى ومن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها اذن هناك شفاعة السيئة هى انضمام للخطأ الدال على الخير كفاعله والدال على الشر كفاعله والخلاصة الشفاعة موجوده لكنها ليست مطلقة ومربوطة باذن من الله القاضى المطلق على كل ما نفعل يقول صلى الله عليه وسلم " انا اول شافع وأول مشفع " وقوله مزيد من التأكيد . إن باب الشفاعة باب واسع له مدخل من اللغة وله مدخل من العرف وله مدخل من الشرع فقد يكون فى الدنيا من يشفع تطوعا دون طلب ولمجرد توافق ارادتين او تجانس قضيتين لكن فى الآخرة لا توجد شفاعة تطوعية والسبب أن الشفاعة فى الدنيا قد تقبل وقد ترفض اما الشفاعة فى الأخر فلا ترفض لانها باذن الله فسابق عمله سبحانه وتعالى يقتضى ذلك فالله يعلم ان عبدا له سينجو من العذاب بشفاعة عبد آخر له فاذا أذن الله لعبد من عباده أن يشفع فهو تكريم له تكريم للعبد للمأذون له وليس املاء لحكم على القاضى سبحانه وتعالى ان ذلك أشبه يقاض فى الدنيا يقول للمحامى يا أستاذ قم واطلب البراءة لموكلك" هذا يدل على أن القاضى يعلم مسبقا أن المتهم سوف يحصل على براءة ولكنه أراد تكريم المحامى إذن فى الدنيا توكل بارادتنا شفعاء عنا وقد تقبل شفاعتهم وقد ترفض أما فى الآخر فالذى يوكل هو الله سبحانه وتعالى ومن ثم ليس منطلقيا ان يوكلهم ليهينهم ويرفض طالبتهم فى الدنيا يقدم القاضى كل الفرص لاجلاء الحقيقة حتى يستربح ضميره ويطمئن الى منطوق حكمه فيسمح للمحامى بالمرافعة عسى أن يجلى أمامه ما هو غائب وغامض لكن ذلك لا ينطبق على الله سبحانه وتعالى فانه بكل شىء عليم . وهنا ياتى سؤال اذا كان الله بكل شىء عليما ويعرف أن المتهم برىء فما الداعى للشفاعة إن هناك قاعدة أصولية ماسية اذا فهمناها ستكون الفيصل فى كل الامور الفقهية والشرعية وهى أن " يعلق الله ما يشاء من ارادته على ارادة من يشاء من عباده ويفعل الله ما يريد " . إن جميع الأنبياء مكتوبون فى اللوح المحفوظ قبل خلق سيدنا آدم فلماذا طلب سيدنا موسى من اله أن يجعل أخاه هارون رسولا هذه شفاعة باذن الله وقد علق الله نبوة هارون على دعوة موسى بارادته المطلقة سبحانه وتعالى وتعلم أن سيدنا يحيى مكتوب فى سجل الانبياء قبل أن يخلق الله الارض ومن عليها فما معنى أن يطلب سيدنا زكريا من الله أن يعطيه ولدا وبمواصفات معينة فهب الله أخر ظهور سيدنا يحيى حتى صار أبوه طاعنا فى السن وامه بالطبع كانت عاقرا لا تلد وكل هذا لا يهم لا كبر سن سيدنا زكريا بدليل أنه عندما طلبه أصلح الله له زوجته العاقر وانجب منها سيدنا يحيى لقد علق الله هنا ارادته بظهور سيدنا يحيى على ارادة عبدة زكريا " يعلق ما يشاء . فى الناحية المقابلة لم تطلب السيدة العذراء مريم رضوان الله عليها ان يكون لها ولد لكن عدم الزواج لم يمنعها من ان تنجب ولدا وفى هذه الحالة لم يعلق الله ظهور سيدنا عيسى على دعوة السيدة العذراء فالله يفعل ما يشاء يعلق ارادته على شىء او لا يعلق فاذا علق الله براءة عبد على دعوة عبد فهذا لا يخرج عن طلاقة القدرة . ولو كانت دعوة الوالدين شفاعة فان دعوة الظالم ضد المظلوم عكس الشفاعة فليست كل دعوة شفاعة لكن لماذا جعل الله الشفاعة وهو على كل شىء قدير انه سبحانه وتعالى يسال عما يفعل اذا اراد أن يكرم عبدا من عباده فانه يكرمه بالاسلوب الذى يراه وليس باسلوب اخر وقد اراد الله سبحانه وتعالى ان يجعل للانبياء منزلة بين أقوامهم فكل قوم يتبعون نبيا انما يتبعونه لاصلاح دنياهم وآخرتهم فلابد أن يكون الامل فى المبعوث من قبل الله حتى يتبعه الناس ولكنهم ليسوا شركاء له انهم لا يشفعون الا من بعد ان ساذن الله لمن يشاء ويرضى وهم لا يسبقون الله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامرة يعلمون " صدق اللع العظيم . فمن ظن ان الشفاعة تغير فى حكم الله او اعتراض عليه فقد أخطا الشفاعة تكون باذن الله وارادته لطلب الرحمة والرافة منه سبحانه الله ياذن ان نطلب ما عنده والتفضيل يكون بامره ولا يختلف عليه عاقلان يقول فى محكم اياته " تلك الرسل فضلنا على بعض " ويقول سبحانه وتعالى " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " وفى موضع آخر يقول سبحانه وتعالى ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطبيات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " إن رفع الدرجات هو شأن الهى نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم " ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات " ولا يزال فى الشفاعة مدد .. ولا حول ولا قوة الا بالله .