قد يكون أصعب تغيير هو تغيير الذات، ويعود ذلك لسببين رئيسين هما الإرادة والإدراك. كثرٌ هم الأشخاص الذين يعانون شوائب في شخصياتهم لا يرونها أو لا يدركون وجودها أصلاً، والأكثر هم الأشخاص الذين يدركون هذه الشوائب ولا يملكون إرادة كافية لتغييرها. بالتالي، متى أدرك الشخص سيئاته، ومتى تسلّح بالإرادة الكافية للتغيير أصبح هذا التغيير ممكناً، فتسلحي بها... التفكير بأن الآخرين على خطأ سلوك يرافقنا منذ الطفولة، فكم من مرّة نقمتِ على أهلك، وأساتذك، وعلى الحكّام، أو بصورة أوضح، كم مرّةً وضعتِ رموز السلطة في دائرة «الإدانة»! من هنا، يبدأ التغيير... فالتخلّص من هذه الفكرة ومن اعتبار نفسك دائماً على حقّ هو الخطوة الأولى على طريق التحسين. تكمن الخطوة الأولى في اتخاذ القرار بالتغيير، فمن دون قرار حاسم، يبقى كل شيء مستحيلاً! ربما تحتاجين إلى وقت طويل أحياناً قبل أن تدركي بأنك لا تفعلين عين الصواب، عندما ترين الآخرين دائماً على خطأ، ظنّاً منك أنك وحدك المحقّة، لكن القليل من التواضع ضروري في هذه المرحلة. في النهاية أنت إنسانة والإنسان ليس معصوماً عن الخطأ! لذا من الأفضل التواضع قبل أن تجدي نفسك في حالة أشبه بالحزن والعزلة، فلو كان أصدقاؤكِ في منتهى الطيبة ولا يخطر ببالهم التعليق على سلوكك، إلا أنّهم سيفضلون تفادي اللقاءات معك لانزعاجهم من تصرفك على أنك «تعلمين كل شيء» وأنك «دائماً على حق». قد تتوصّلين إلى هذا القرار بعد انتقادك أنتِ بذاتك أي موقف أو رأي صادر عن الآخر يجعلك تدركين أنك كنتِ أنتِ على خطأ أيضاً وكان انتقاد الآخرين لك في محلّه. قد تكون القناعة الزائدة والثقة المفرطة بالنفس مُدمّرة! تذكّري أنه يستحيل على المرء معرفة كلّ شيء! وتأكّدي أنك لن تتطوّري إذا بقيتِ مقتنعةً بأن الآخرين على خطأ وأنتِ وحدك على حقّ. في حالات النقمة في المرحلة الأولى، حددي الحالات الأكثر شيوعاً التي تنقمين فيها على الآخرين، واطرحي على نفسك الأسئلة التالية: - هل من مواضيع معينة لا تقبلين الجدل فيها؟ من الطبيعي أن يكون لكلّ منا موضوع حساس نظنّ أن رأينا بشأنه هو الرأي الصائب. فهنا، يسهل عليك تحديد هذه المواضيع وإعادة النظر فيها. - هل هذا هو سلوكك الطبيعي؟ في السيارة، تنتقدين أسلوب الآخرين في القيادة: لا يجيدون القيادة! وفي مكان العمل، تجدين أنّ زملاءك يفتقرون إلى الخبرة والمهارة المطلوبة أو أنّ رب عملك ليس في المستوى المطلوب. في المنزل، تلومين زوجك على تساهله الزائد مع الأولاد... وقد تصلين إلى درجة انتقاد أصدقائك لمجرّد أنهم لا يتصرّفون مثلك! إذا كنتِ ربّة العمل ترغبين في أن يتصرّف الآخرون كجنود مطيعين! هذا أمر طبيعي! ففي الأحوال كافة، أنتِ الرئيسة! لكن تخيّلي نفسك مكانهم، أكنتِ تقبلين الخضوع لمن يرأسك؟ لا شكّ في أنه من حقّك الشرعي فرض سلطتك ووهرتك في الوسط المهني حين تتولين بعض المسؤوليات. ومن الطبيعي أن تختاري منهجاً معيّناً لتطبيقه على مرؤوسيك كونك تجدينه أكثر فاعليةً، ولا شيء يمنعك من إحداث تغييرات لازمة وتفعيلها. فإذا كنت من اللواتي يعتبرن دائماً الآخرين على خطأ، فلا يعني ذلك أنك لا تملكين مهاراتٍ حقيقيةٍ. كذلك الأمر في تربية الأولاد، إذ من الطبيعي أن تفرضي عليهم قواعدك وقوانينك الخاصة، لكن لا يعني ذلك أنّه ينبغي أن يتصرّف الجميع مثلك تماماً! الملاحظ عند المديرين الذين يكونون أساساً على قناعة تامة بأنهم على حقّ، أنهم حين يتعرّضون لمقاومة أو معارضة، ينتهي بهم الأمر بأن يغيّروا حكمهم بشكل شبه نظامي. فبما أن الآخر على خطأ، إذا قاوم قد يبدو متمرّداً، قليل الذكاء، أو أياً يكن. لكن الواقع هو «أنني لا أنقم عليه إن لم يفهم أنني أقوم بذلك للمصلحة العامة، بل لمصلحته». سوء الفهم في الوسط المهني، ثمة أشخاص (من دون أن يكونوا بالضرورة أرباب عمل) ينقمون على الآخر إذا وجّهَ إليهم نقداً أو تعليقاً لم يعجبهم، فيحللونه كما يشاؤون. ربما يحسّون بأنهم منبوذون من الآخر ما يولّد في أنفسهم شعوراً بالضغينة والحزن في آن. من هنا ينشأ سوء الفهم: واحد ناقم على الآخر الذي لا يفهم رد الفعل هذا. تختلف نسبة الحساسية من شخص إلى آخر، لذا، قد تلاحظين أنّ ثمة أشخاصاً حسّاسون فوق اللزوم، لكن عليهم الوقوف عند هذه النقطة وبذل قصارى جهدهم لوضع حدّ لهذه الحساسية المفرطة، من دون أن يعني ذلك إعادة النظر في نواحي شخصيتهم. فإذا كنتِ من هؤلاء الأشخاص، عليك البدء بتحليل الذات. ألا يُحتمل أن تكون نقمتك على الآخر نابعةً من حساسية زائدة تشوّش لك الرؤية فينتابك إحساس بأن الآخر يقلّل من قيمتك؟ لكن اعلمي أن الإصغاء إلى الآخر أمر ضروري، إنما الأهم أن تميزي بين النقد المتعلّق بعمل أو تصرّف محدّد وبين النقد الموجّه لك شخصياً. فانتبهي وتذكّري أن النقمة على الآخرين تقودك أحياناً، إلى انعزال حقيقي قد يتحوّل إلى يأس وحزن مُبطَّن. اتكال على الذات يؤدي الوعي دوراً في تطوير الذات والارتقاء بها. فمتى تعرّفتِ إلى ذاتك وصارَت لديك إرادة لتغيير بعض نواحي سلوكك، قد ترتسم أمامك سبل مختلفة. كثيرات هن اللواتي يفضّلن التفكير في المسألة على انفراد، أو ربما مع أشخاص مقرّبين جداً، لتحليل ما ليس على ما يرام في شخصيتهن. لا شكّ في أنها مهمة صعبة بل محرجة جداً لأنك تكونين فيها الحكم والمحكوم عليه في آن. لكن على أي حال، عندما تدّعين بأنك تعرفين كل شيء وبأن الآخرين لا يعرفون شيئاً، من الطبيعي أن تخوضي تجربة اكتشاف الذات بمفردك. يسهل عليك الأمر إذا استطعتِ تحديد المواضيع التي تكونين حسّاسةً إزاءها، وهنا، عليك العودة إلى جذور رفضك التام لأي رأي آخر. لربما لديك معرفة عميقة في هذا المجال لدرجة أنك لا تحتملين أيّ تشكيك في معلوماتك من قِبَل الآخر، أو لربما هو موضوع يعنيك شخصياً فيكون رد فعلك عاطفياً وليس عقلانياً. أمّا إذا أدركتِ أن هذا هو سلوكك الطبيعي، مهما كان الموضوع، فمن الواضح أنك دخلتِ متاهةً يصعب الخروج منها! هل سألتِ نفسك مرّةً من أين يأتي ذاك الهوس في أن ينظر إلينا الآخرون على أننا الأوائل؟ ولماذا نرفض آراء الآخرين؟ لأنّ الرغبة في التفوّق خير دليل على روح المنافسة. اعلمي أنك متى تسلّحتِ بإرادة قوية لتكوني أفضل من غيرك، يمكنك التفوقّ على ذاتك أيضاً! أمّا في حالة «سوء الفهم» التي سبق أن تطرّقنا إليها، فالسؤال الذي يطرح ذاته هو: لماذا هذه الحساسية عند سماع أي تعليق أو ملاحظة؟ أتراها بسبب بناء ذاتي هشّ قابل للانهيار في أي وقت؟ بالفعل، إنهما حالتان متباينتان تماماً: الطموح والثقة بالنفس من جهة، والحساسية الزائدة وقلة الثقة بالنفس من جهة أخرى، لكن تجمعهما نقطة مشتركة واحدة وهي الاعتقاد بأن الآخر على خطأ. أحياناً، تكون النقمة على الآخرين مجرّد صعوبة دمج أو تقبّل اختلاف ما، لكن في الأحوال كافة، يبقى تقدير الذات المحور الرئيس الذي ينبغي التركيز عليه. قدّري ذاتك، نعم! إنما باعتدال ومن دون مبالغة، فخير الأمور أوسطها.