أثار إعلان قطر وقف وساطتها لإطلاق سراح العسكريين اللبنانيين الأسرى لدى تنظيمي "النصرة" و"داعش" بالتزامن مع إعدام أحدهم قلقا إضافيا لدى اللبنانيين، لا سيما أهالي العسكريين الذين ينفذون منذ أشهر اعتصاما مفتوحا في وسط العاصمة بالقرب من السراي الحكومي.
وانطلقت "هيئة العلماء المسلمين"، التي تضم عددا من مشايخ السنة في لبنان في ظل "الأجواء المتأزمة" الى طرح "مبادرة الضرورة"، عبر استعدادها للعب دور الوسيط الذي كانت لعبته بداية الأزمة في أغسطس/آب الماضي، مشترطة تكليفا رسميا وقبولا حكوميا بمبدأ "المقايضة".
من جهته، قلل مصدر مطلع، فضل عدم الكشف عن اسمه، من تأثير وقف الوساطة القطرية على عملية إطلاق سراح العسكريين لأنها "لم تكن أساسية"، ورأى أحد المحللين السياسيين أن ذلك قد يتيح "فرصة إيجابية" لتخوض الحكومة اللبنانية تفاوضا مباشرا وتنهي الملف المفتوح منذ المعارك التي خاضها الجيش اللبناني في أوائل أغسطس/آب الماضي في بلدة عرسال اللبنانية الحدودية ومحيطها مع تنظيمي "النصرة" و"داعش" وأدت الى أسر عشرات العسكريين ما زالت "النصرة" تحتفظ ب 16 منهم بينما أعدمت اثنين منهم، و"داعش" 7 بعدما أعدمت اثنين كذلك.
وقال الشيخ عدنان أمامة، عضو هيئة العلماء المسلمين ورئيسها السابق، إنه "ما من شك أن الأجواء متأزمة والأفق غير مفتوح لذلك قمنا بمبادرة الضرورة ذلك أن هناك خطرا محدقا بأرواح العسكريين وخطر فتنة في البلاد".
وأضاف أمامة، لوكالة الأناضول، "طرحنا مبادرة سريعة لتنفيس الاحتقان الذي أدى إلى مقتل (العسكري الأسير) علي البزال وربما يؤدي الى قتل آخرين".
وقالت النصرة، في وقت متأخر من ليل أمس في بيان على حسابه بموقع التدوينات القصيرة "تويتر"، "تنفيذ حكم القتل بحق أحد أسرى الحرب لدينا (علي البزال) هو أقل ما نرد به على الجيش اللبناني الذي مضى بأعماله القذرة والدنيئة على خطى النصيرية وحزب اللات ( حزب الله) باعتقاله النساء والأطفال".
وكانت الهيئة شاركت في أول وفد للتفاوض حول إطلاق سراح العسكريين الأسرى خلال المعارك وحين كانوا ما زالوا في بلدة عرسال اللبنانية الحدودية في عهدة الشيخ مصطفى الحجيري (ابو طاقية) في منزله بالبلدة، وقد أصيب رئيسها سالم الرافعي وقتها بعد تعرضه لرصاص مجهول المصدر.
ونجحت الهيئة في الأيام الأولى في إخراج عدد من العسكريين، قبل أن تتوقف وتتولى الحكومة عبر قطر التي أرسلت موفدا سوريا يحمل الجنسية القطرية من دون التوصل الى حل القضية.
وشدد أمامة على أننا في الهيئة نقبل عودتنا لقيادة التفاوض كقابل شرطين، هما أن "تفوضنا الحكومة بشكل رسمي وواضح وأن تعلن قبولها مبدأ المقايضة بشكل واضح وصريح".
وكانت النصرة اشترطت إطلاق سراح 10 سجناء إسلاميين في لبنان، أو 7 و30 سورية معتقلة في سجون النظام، أو5 و50 سورية معتقلة في سجون النظام مقابل كل أسير، لكن الحكومة اللبنانية ما زالت تختلف حول القبول بمبدأ المقايضة مع سجناء إسلاميين متشددين.
وأوضح أن وفد من الهيئة زار مفتي الجمهورية اللبنانية اليوم الشيخ عبد اللطيف دريان و"اطلعناه على المبادرة وأخذنا مباركته وطلب منا الذهاب الى رئيس الحكومة (تمام سلام) وتحميله مسؤولية إنجاح المفاوضات".
وأضاف أمامة أنه "غدا (الثلاثاء) ستكون لنا جولة مع مسؤولين أمنيين وسياسيين أبرزهم مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم (الذي يتولى حاليا التفاوض) و(مدير عام قوى الأمن الداخلي) اللواء ابراهيم بصبوص ووزيري الداخلية نهاد المشنوق والعدل أشرف ريفي"، مردفا انه "من الممكن ان نلتقي سلام قبل سفره الى فرنسا" بعد غد الأربعاء.
من جانبه، شدد مصدر مطلع على التفاوض، لوكالة "الاناضول"، على أنه "منذ البداية لم تكن الوساطة القطرية قناة أساسية في عملية التفاوض لاطلاق سراح الأسرى بل قناة جانبية"، معتبرا أنه نتيجة لذلك فإن "توقف هذه الوساطة لن يكون له تأثير كبير".
ولفت الى أن "الوساطة قادتها أولا هيئة علماء المسلمين ومن ثم الشيخ مصطفى الحجيري في بعض المحطات".
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، "لا أدري إن كان عباس ابراهيم لديه قنوات أخرى عمل عليها".
وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي شارل جبور أنه "لا شك بل ومن الواضح أن قطر لم ترم بكل ثقلها خلال الوساطة وكانت وساطتها شكلية ولم تكن عميقة ربما لأنها لا تريد أن تترك انطباعا أمام التحالف الدولي (ضد داعش) أنها على علاقات وثيقة مع تنظيمات إرهابية يحاربها هذا التحالف"، حسب قوله.
وقال جبور ل "الأناضول" إن قطر "لم تعمل جديا على هذا الملف"، معتبرا أن "انسحابها قد يكون فرصة جيدة وإيجابية للحكومة اللبنانية لتستغلها وأن تبادر بنفسها الى إمساك زمام المبادرة".
ودعا الحكومة الى خوض "مفاوضات مباشرة ومعلنة للوصول الى المقايضة وإقفال ملف العسكريين بشكل كامل".