هناك نُذر أزمة مالية عالمية جديدة في العالم على المدى القريب ولكنها ليست هذه المرة مركزها الولاياتالمتحدةالأمريكية بل على عكس التوقعات أنها آتية هذه المرة من الصينوالهند فكلاهما تعانى من المشاكل الاقتصادية. وتُعد الصين ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية والتى استطاعت أن تنمو بمعدلات سريعة وصلت الى متوسط 10% سنويا وتأتى أزمة السوق الصينية فى المقام الأول لأنها دولة مصدرة ويعتمد اقتصادها كليا على الصادرات وهى بدورها تفتقد للخبرة الكبيرة في إدارة الانعكاسات الاقتصادية، بعد أن سجل الربع الثالث من السنة المالية الحالية تباطؤا كبيرا وصل إلى 7.3%، أي أدنى مستوى له منذ أكثر من 5 أعوام، الأمر الذى دعى الصين الى اطلاق إجراءات اقتصادية تحفيزية لمواجهة تلك الظروف الاقتصادية السيئة ، تمثلت في تخفيضات ضريبية ومرونة في السياسات النقدية، مستبعدة في الوقت نفسه خطة نهوض شاملة،
أما الهند التي يمثل عدد سكانها نحو 17 % من تعداد سكان العالم وهى الدولة الثانية عشرة كأكبر اقتصاد في العالم أو رابع أكبر قوة شرائية، فقد تدنى معدل نموها الى نحو 4.8% بعد أن حققت معدلات مرتفعة خلال العشرة أعوام الماضية وصلت الى معدل 9% خلال العامين 2008 ، 2009، آخذين في الاعتبار حالة الاقتصاد التي تنخفض فيها قيمة العملة المحلية "الروبية" في الوقت الذي يواصل التضخم ارتفاعه، وهى ظاهرة اقتصادية خطيرة تؤثر بشكل سلبي على اقتصاد البلاد، فى ظل قيام الحكومة برفع أسعار الطاقة إلى أعلى مستوى شهدته البلاد في الأزمنة الحديثة مع وجود توقعات بأن الحكومة لن يكون أمامها من خيار سوى المضي قدماً في هذا الاتجاه فى محاولة لتقليل العجز في الحساب الجاري الذى هو فى وضع أسوأ كثيرا مما كان عليه، أيضا وهناك توقع بحدوث حالة من التباطؤ في مختلف قطاعات الاقتصاد الهندي، والذى يحتاج وبصفة عاجلة الى ضخ نحو 500 مليار دولار للبنية التحتية خلال ثلاثة أعوام ومع صعوبة تحقق نسب النمو العالية التي تحققت سابقا، بالإضافة للمناخ الاقتصادي العالمي الهش، فإن ما كان له أكبر الأثر على انخفاض نمو الاقتصاد الهندي، هو اتجاه البنك المركزي الهندى لمقاومة التضخم من خلال التركيز على رفع نسبة الفائدة 13 مرة خلال ثمانية عشرة شهراً فقط، علاوة عدم وضوح السياسات وإدخال التعديلات المستمرة عليها قد عطل الاستثمارات في القطاعات الرئيسية للاقتصاد، ولما كانت أمريكا قد خرجت من عنق الزجاجة بعد انتهاء مشروع التيسير الكمي والذى كان بدافع من تعافى اقتصادها ومن الاقتصاد اليابانى حيث تحركت الأسواق جيدا، "والتيسير الكمى ببساطة هو أحد السياسات النقدية الغير تقليدية تستخدمها البنوك المركزية عندما تصبح السياسة النقدية التقليدية غير فعالة حيث يشتري البنك المركزي الأصول المالية لضخ كمية معينة من الأموال بالأسواق لتنشيط الاقتصاد القومي " وأيضا أوروبا فهى فى طريقها للخروج من تلك المشاكل الاقتصادية على الرغم مما تعانيه اقتصاداتها حيث ظهرت ارتفاعات لبعض المؤشرات مما يُعزز من الآمال فى قدرتها على انشال نفسها من حالة الركود الاقتصادى الذى تمر به، إذن فالخوف هذه المرة ليس من جهة الغرب بل من جهة الشرق حيث من المتوقع أن يكون هناك انخفاض أو تباطؤ في الاقتصادين الهنديوالصيني، وهما ما لهما من ثقل فى الميزان الاقتصادى العالمى، ولما كان نمو صادرات الخليج البترولية يميل تجاه الشرق، وخاصة تجاه الصينوالهند، فإنه من المنتظر تراجع الطلب على تلك الصادرات وسوف تكون هناك أزمة بالصادرات النفطية الخليجية إلى الصين، والتى بدورها ستؤثر على أسعار النفط المتراجعة أصلا، ويجب عدم إغفال ارتفاع مخزون النفط الامريكى المتزامن مع تراجع الاقتصاد العالمي الأمر الذى سوف يكون له مردود سلبى على ايرادات دول الخليج بحال استمرار التراجع بأسعار النفط وقد يكون له الأثر المباشر فى تباطؤ تنفيذ خطط الخليج التوسعية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التى أسست دراستها سابقا عند وضعها لخططها على أسعار معينة، ومع ملاحظة أن توقع عودة الأسعار إلى ما فوق حاجز مائة دولار ربما لن يتحقق إلا على المدى البعيد، كذلك فإن تراجع أسعار النفط سيؤثر فى ربحية النفط الصخري في الولاياتالمتحدة نظرا لأن تكلفة الإنتاج مرتفعة بالمقارنة بالبترول الخليجى الذى يتمتع بهامش ربح كبير وسيكون له بلا أدنى شك الأثر السلبى على استكمال خطط التعافى بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد تستفيد الدول المستوردة للنفط إيجابيا بصورة كبيرة من تراجع الأسعار ومنها مصر. وعلى مستوى اقتصاد الأسواق الصاعدة والنامية ومنها دول الخليج وتأتى السعودية بالمقدمة فإنها تواجه تحديات كبيرة نتيجة تحول السياسة النقدية في الدول المتقدمة خاصة في أمريكا إلى منهج التيسير الكمي لحفز الاقتصاد والذى كان له الأثر فى دينامكية العولمة، كذلك الأثار السلبية من جراء تراجع أسعار النفط. وبالنسبة لموقف المصارف الإسلامية فإن إمكانية تأثرها بالأوضاع العالمية القائمة لا يمكن إغفاله على الرغم من كونها تخلصت من الأصول العقارية الموجودة بنسبة كبيرة بمحافظها الاستثمارية كذلك قيامها بإصدار منتجات جديدة أعطتها دفعة قوية مثل الايجار التمليكى والسلم والاستصناع، وهى كلها أدوات قد تساعدها على المنافسة والصمود ليس بالكبير بالسوق العالمية. أما المصارف العربية الموجودة في الدول التي شهدت تغيرات سياسية واقتصادية حادة مثل العراق وسوريا وليبيا ومصر وتونس أدت إلى تفاقم حجم التحديات الاقتصادية والتنموية التي كانت سائدة قبلها على نحو زيادة العجز في الموازنات الحكومية، وزيادة الدين العام، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع حاد في النمو الاقتصادي، إضافة إلى الارتفاع الكبير في معدلات الفقر والبطالة، وانخفاض في مستوى المعيشة والتعليم، مما كان له الأثر الكبير لدفع رؤوس الأموال العربية والأجنبية إلى مزيد من الهجرة الأمر الذى أدى الى ترسيخ البيئة الطاردة للاستثمار في الوطن العربي ، وعلى الرغم من ذلك فقد بدأت تلك المصارف تُظهر تحسنا وقتيا فى كل من مصر وتونس حيث تمكنت بعض فروعها من تحقيق نموا بالمحافظ والأرباح. ومن جانب آخر فإن المصارف العربية يجب أن يكون لها دور كبير في حملة تجفيف منابع الإرهاب على صعيد مكافحة غسيل الأموال وخاصة الحسابات المصرفية والحسابات المرتبطة بها بصرف النظر عن الأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية.