منذ عشر سنوات ذهبت إلى المغرب فى زيارتى الأولى، هناك حدث تغيير فى مواعيد الطائرات تسبب فى مشكلة لدى فى عدد أيام إقامتى فى التأشيرة، كنت فى مهرجان «سلا لأفلام المرأة»، وكل ما كنت أريده مد التأشيرة ل48 ساعة فقط، ذهبت إلى السفارة المصرية بالرباط حاملا صورة ذهنية جيدة، متصورا أن العاملين بالسفارة سيستقبلوننى بالأحضان، وعلى باب السفارة وجدت كائناً يتحدث معى على الهاتف الداخلى، شرحت له مشكلتى البسيطة، فقال لى الموظف «حضرتك ممكن تروح الأمن العام المغربى وهناك هايتخذوا اللازم»، قلت له «لكننى أحتاج إلى خطاب من السفارة حتى يتم حل المشكلة»، لكنه رفض إعطائى الخطاب، ولما طلبت مقابلته رفض...! بعدها بسنوات قليلة، ذهبت مرة أخرى إلى المغرب فى مهرجان الرباط لسينما المؤلف، ومعى وفد كبير من النجوم والنجمات، وجدت فى غرفتى بالفندق دعوة لحفل عشاء فى منزل السفير المصرى بالمغرب، ذهبت إلى الحفل من باب الفضول، هناك وجدت السفير يدخن السيجار الكوبى الفاخر، ويجلس فى منزل أكثر فخامة من منزل وزير الخارجية المصرى، بالتأكيد هذا الاهتمام بنا لأن الوفد به نجوم ونجمات من العيار الثقيل، حكيت لأحد موظفى السفارة ماحدث، فضحك قائلا «هو ليه حضرتك ماقولتش إنك صحفى فى جريدة الفجر» قلت له «أعتقد أن الجالية المصرية فى المغرب لا تتخطى العشرات، وطلباتهم قليلة جدا، ربما تجد مواطناً واحداً فقط فى اليوم لديه طلب يريده، فلماذا لا تقابلونهم؟»، تجهم قليلا ثم ظل يسرد لى وجهة نظره حول المصريين فى الخارج، وكيف هم يسببون لهم المشاكل والفضائح، طريقة حديثه عن أبناء وطنه الذى من المفترض أن يعمل خادما لديهم عنصرية، وكأنه يتعامل مع شعب من العبيد، ليس لهم أى حقوق، ومفهومه عن واجبه الوظيفى يتلخص فى حفلات العشاء والسهرات الرسمية، والحكى الفاضى عن هؤلاء العبيد، أقصد المصريين. وفى العام الماضى احتفلت إدارة مهرجان «كان» السينمائى بفرنسا بالسينما المصرية كضيف شرف هذه الدورة، جاء الكثير من المصريين فرحين بما حدث، كان عددهم بالعشرات، وفى إطار الزخم الثورى وحبهم لوطنهم، رفعوا أعلام مصر أمام السجادة الحمراء، فجأة انقضت عليهم الشرطة الفرنسية وقبضت عليهم معتقدين أنهم يجرون مظاهرة دون إذن من السلطات، بحث هؤلاء المحبون عن سفارة تدافع عنهم فلم يجدوها، فقد اكتشف بعضهم أن السفارة نفسها هى من أبلغت عنهم، والسبب أن بعض هؤلاء يعارضون سياسة الحاكم بأمره «السفير» هناك، طلبت من أحد مسئولى وزارة الثقافة الكبار أن يتدخل أو يكتب بيانا ينتقد فيه ماحدث، فى البداية قال لى إنه يحتاج أن يسمع منهم بنفسه، ولما اتصل به أحدهم وسمع ماحدث، عاد مسئول الثقافة ليعيد كلاما عن فضائح المصريين، وأخطائهم فى التعاطى مع الحدث. بالمناسبة هؤلاء كانوا شبابا متحمسا وناجحين فى عملهم ويشرفون مصر، وإصبع رجل أصغرهم برقبة السفير ووزير الثقافة نفسه، وانتهت الحكاية بإفراج الشرطة الفرنسية عنهم بعد الاحتجاز ثلاث ساعات مصحوبا باعتذار من الشرطة لسوء التفاهم. ما أريد أن أقوله إن المشكلة ليست فيمن ألقى على السفارة السعودية الحجارة أو من سب الملك وغيره، الأزمة الحقيقية فى هذا الكائن سميك الجلد وثقيل الظل المسمى السفير المصرى فى السعودية، كيف هو مسئول عن جالية فيها الملايين ولا يوجد لديه مستشار قانونى؟ كيف يدين مواطنا مصريا متهما فى قضية قبل أن يدينه السعوديون أنفسهم، هل تتخيل أن السفير المصرى فى السعودية أدان أحمد الجيزاوى فى الوقت الذى قال فيه السفير السعودى بالقاهرة أنه برىء حتى تثبت إدانته؟ هذا الكائن سميك الجلد وغيره من السفراء المصريين فى الخارج يتصورون أننا عبيد، خلقنا من أجل أن يسمنوا وتكبر كروشهم، فالسفير القوى هو من يحل الأزمة قبل أن تبدأ، مثله مثل السفير المصرى فى لبنان، وبدلا من أن يرى مشكلة المصريين هناك، استدعى لهم الشرطة، فالمشكلة ببساطة أن لبنان تشرع قانونا لعمل نظام «الكفيل» المهين للعمالة الأجنبية، والحل بسيط أيضا لو كان هذا السفير يفكر، فالعمالة اللبنانية فى مصر تعد بالآلاف ومن السهل تطبيق المعاملة بالمثل، وهم من سيتضررون لأن عمالتهم لدينا أكثر من عمالتنا لديهم، هذا سيبرد قلب الجالية المصرية فى لبنان، وسيؤدى هذا الضغط إلى استبعاد المصريين من تطبيق هذا القانون. وبمناسبة الحديث عن أزمة السعودية، أشكر الباحث الاقتصادى الدكتور عبد الخالق فاروق، الذى اصدر دراسة مهمة من مركز النيل للدراسات حول اقتصاديات الحج والعمرة، هذا الرجل «برد» قلبى، ففى الوقت الذى تتحدث فيه الصحف المصرية عن خسائرنا من الغضب السعودى، هو تحدث عن خسائر السعودية من كرامة المصريين، والتى تبلغ 3 مليارات دولار يدفعها مليون ونصف المليون مواطن مصرى فى الحج والعمرة.