من الغني عن القول إن لكل دولة مقوماتها التي تشكل هويتها وشكلها ونظامها وأيضا ثقافتها، وهذه المقومات، بغض النظر عن طبيعتها، هى العامل الأبرز الذي بناء عليه يتم تقييم تجربة الأنظمة الحاكمة وقدرتها على إدارة الدولة، فهذه المقومات تفضي عادة إلى تشكيل هوية للدولة، وذلك في التجارب الناجحة، إذ نجد أن العديد من الدول التي اعتمدت هوية مناسبة لمقوماتها وخلفيتها التاريخية حققت نجاحات عديدة وباتت من ضمن الدول المتحضرة، بينما الدول التي تجاهلت مقوماتها ومميزاتها وحاولت فرض هوية خارجية لا تتناسب مع تلك المقومات أصبح مصيرها الفشل والذوبان، وبإسقاط الكلام السابق على مملكة البحرين، نجد أن الحكومة البحرينية بقيادة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، اعتمدت مؤخرًا استراتيجية جديدة من خلال إطلاق هوية سياحية جديدة، بناء على المقومات السابق الحديث عنها أعلاه، وذلك من خلال ما طرح مؤخرًا حول إطلاق هوية جديدة للبحرين من خلال قطاع السياحة بوزارة الثقافة بتسخير كافة الإمكانيات والمقومات والموارد لدعم وتأهيل القطاعين الثقافي والسياحي في مملكة البحرين لما لهما من تأثير مباشر ورئيسي على الصورة العامة لمملكة البحرين والاقتصاد الوطني، وهو ما يعكس تفهمًا عميقًا من قبل السلطة الحاكمة لطبيعة المملكة، التي تتناسب تمامًا مع هويتها الجديدة المحدد لها زمنيا 2014-2018، والتي صدرت مؤخرًا بموافقة مجلس الوزراء، متضمنة هدفًا أساسيًا لجعل البحرين وجهة متميزة وغنية بأصالتها، والسؤال الآن، إلى أي مدى تتوافق هذه الهوية مع مقومات الداخل البحريني؟ وهل من الممكن بالفعل تغيير هوية البحرين السياحية في الوقت الراهن، لاسيما بعد تصريحات الشيخ خالد بن محمود آل خليفة، الوكيل المساعد للسياحة بوزارة الثقافة، والتي أكد خلالها لوكالة أنباء البحرين، قبل عدة أيام، أن إيرادات السياحة بالمملكة بلغت في العام الحالي 200 مليون دينار بحريني، مشيرًا إلى أن هذا يثبت صحة التوجه الجديد للملكة وتحويلها إلى هوية سياحية؟، وللإجابة على السؤال السابق يجب استحضار المقومات الموجودة بالفعل منذ آلاف السنين بمملكة البحرين، إذ تذخر المملكة بعوامل جذب كثيرة جدًا كل منها يمكن على أن يكون عنصر جذب تقوم عليه صناعة سياحة، وأولى هذه العوامل، وربما أهمها، هو الموقع الجغرافي المتميز للبحرين، التي أطلق عليها المؤرخون لؤلؤة الخليج العربي، حيث تقع المملكة في قلب الخليج العربي، وهي نقطة الاتصال بين أقطار عديدة، وكانت منذ فجر التاريخ مهدًا لحضارات عريقة تأثرت بها البحرين وتفاعلت معها، حيث تقع البحرين في موقع يكاد يكون متوسطا بين الجنوب والشمال، حيث أن مدينة المنامة عاصمة البحرين تبعد عن مدخل الخليج( مضيق هرمز جنوبًا) أكثر قليلاً عن بعدها من شط العرب بين إيران والعراق شمال الخليج، فقد أكسب هذا الموقع المتوسط للبحرين أهمية لا نظير لها في منطقة الخليج العربي منذ أقدم العصور، فلا عجب إذا أن يتسابق إليها الفاتحون في قديم الزمان، حيث كانت مركزًا تجاريًا هامًا تتجمع فيه البضائع القادمة من الهند إلى أوربا والعكس، فقد كان النقل يتم عبر البحرين صاحبة ذلك الموقع الجغرافي المميز وسط الخليج، مما أدى إلى دخول البحرين في حلبة الصراع بين القوى المحلية في منطقة الخليج والتنافس بين القوى الاستعمارية، والعامل الثاني الذي يجعل من البحرين أيقونة دول الخليج والمنطقة التي تتوسطها، هو المقومات الطبيعية التي حباها الله بها، حيث يبلغ عدد جزر البحرين 33 جزيرة، وهى تبعد عن الساحل الشرقي للملكة العربية السعودية بحوالي 20 ميلاً، وبحوالي نفس المسافة عن شبه جزيرة قطر، كما أنها تبعد عن ساحل إيران بحوالي 150 ميلاً، وبعض هذه الجزر صغيرة جدًا وغير مأهولة بالسكان، إلا من بعض صيادي السمك الذين يزورونها في مواسم محددة، وهى مقومات جذب سياحي بالدرجة الأولى، وثمة أمرًا مهمًا أيضًا وهو أنه تنتشر بين هذه الجزر ينابيع من المياه العذبة في قاع البحر تقدر بمائتي ينبوع، وفي الساحل بخمسة وعشرين ينبوعًا، وإضافة إلى هذا فإن سواحل البحرين تذخر بالشعاب المرجانية، التي تستهوي السياح من جميع أنحاء العالم، وكثير من سواحلها وبصفة خاصة في نصفها الجنوبي، يكتنفها ويحيط بها عن قرب حاجز مرجاني يصعب اجتيازه إلا للقوارب الصغيرة ذات الغاطس القليل، مشكلة بهذا محمية طبيعية فريدة، وأيضا بفضل تلك الينابيع المتدفقة لبست البحرين حلة خضراء من النخيل والأشجار المتنوعة والأعشاب التي يندِر وجودها في معظم مناطق الخليج، ومن ثم عرفت البحرين حديثًا بلقب "عروس الخليج"، كما لقبت قديمًا باسم "أرض الحياة"، تلك التسمية التي أعطت جزر البحرين قداسة واحترامًا في التاريخ القديم، والعامل الثالث من مقومات الجذب السياحي للملكة، هو ماحققته المملكة في السنوات الأخيرة من تنمية في كافة المجالات إذ من المعروف في قطاع السياحة، أنه لا يعتمد فقط على المقومات الطبيعية، بل إن هذه المقومات يمكن أن تفقد قيمتها طالما لم يرافقها بنية تحتية مؤهلة لاستضافة السائح، وخدمات راقية، فالسائح في النهاية شخص عادي، ربما يمرض وربما يحتاج إلى طبيب وربما يحتاج إلى خدمات شرطة، وأخيرًا عنصر الإقامة، والملاحظ أن جهود الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، قد حققت طفرة هائلة في هذا المجال، لاسيما في عنصر الإقامة الذي يعد الأبرز من مكونات المنتج السياحي، ولعل العامل الأخير، هو أن البحرين لديها سياحة نظيفة، وهو مصطلح ربما من النادر أن تجده سوى في البحرين، ما يضيف قيمة دينية وإسلامية للسياحة في البحرين، ويجعل السائح العربي المسلم يفضلها عما سواها من شواطئ أوروبا بسبب حرص قطاع السياحة على الالتزام بالمعايير والتشريعات السياحية التي تتناسب مع المجتمع البحريني المحافظ، ولعل الدليل على هذا هو اتخاذ إجراء قانوني ضد 4 فنادق لمخالفتها التشريعات السياحية ومنعها من استقدام الفرق الفنية، حيث جاء القرار مسببًا بأن هذه الفنادق غيرت نشاطها لقاعات مراقص تبتعد تماما عن النشاط السياحي ويمارس فيها أنشطة أخرى، والتنقيط بأساليب كثيرة منها النقود، وتجاوز الوقت المصرح به للعمل و ما يرافق ذلك من ازعاج ومظاهر لا تتماشي مع عادات المجتمع البحريني، وتشغيل من يطلق عليهم فنانات من دون ترخيص من قطاع السياحة.