■ عودة الإخوان إلى التحرير بمنصة الثلاث ورقات ومشاركة الثوار لهم فى الجمعة الأخيرة كارثة ■ الإخوان.. غشوا وتآمروا وكذبوا لإفقاد الثورة قدرتها على التحريض والتغيير ووضعوا فوق رءوسهم عمامة عثمانية وسعوا إلى تأميم الثوار بعيدا عن قواعد الخير والشر.. تعودت أن أسجل انطباعاتى ككاتب يناقش بجهازه العصبى كل ما يعيشه ويواجهه.. وجهازى العصبى كان مستمتعاً ومنتشياً بلحظات الصدق النادرة التى جاءت بها ثورة يناير. لقد وضعتنا الثورة فى حالة سياسية رومانسية.. استثنائية.. ومنحتنا لحظات من القشعريرة الوطنية لا تحدث فى حياة الشعوب إلا نادرا.. ففجرت كل ينابيعنا الجوانية.. وأضاءت كل الشموع المطفأة فى النفوس المصرية.. ومسحت كل الغبار المتراكم منذ عصور العناد والفساد على وجوهنا.. وثيابنا.. وضمائرنا.. وشبكيات عيوننا. تمنيت لحظة انتصار الثورة على النظام -الذى كان- أن أرقص مثل زوربا اليونانى فى ميدان التحرير.. وأن أقبل جبين كل شاب أعاد إلينا رجولتنا المعتقلة فى سجون حبيب العادلى.. ولكن.. الانتهازية السياسية الإخوانية خطفت الفرح من يدى.. وصادرت جميع أقلامى.. سرقت الحدث الطازج.. ووضعته فى الثلاجة ليصبح سمكا مجمدا. لم يكن لدينا الوقت الكافى لتلوين السماء بألوان قوس قزح.. لتسجيل انفعالاتنا.. لرسم خطوات مستقبلنا.. فقد سقطت الستارة علينا.. قبل أن نصل إلى خشبة المسرح. لقد أصيب الإخوان بحالة جنون بالسلطة أفقدتهم رشدهم.. فنسوا رفاق الميدان.. وحرضوا على سحلهم.. واستمتعوا بحبسهم.. وصاغوا بأيديهم وثائق الفوضى (الدستورية) التى نعانى منها.. دون أن يدركوا أنهم سيقعون فى الحفرة التى حفروها بأيديهم.. وسيعانون من المواد القانونية التى لحسوا أصابع الجنرالات كى يستفتونا عليها.. وأغروا الناس بالجنة والزيت والسكر والكستور كى يقروها. كنت أتمنى أن يبقى الإخوان بنفس الوجه الذى تعاملوا به فى التحرير.. الوجه الطيب.. المقاتل.. الشهم.. المتعفف عن أكل اللحم الحرام للبشر.. غير المغتصب لحقوق غيره.. المحافظ على البريق الذى سيطر على عيون المصريين.. ولم يكن بمثل هذا العمق والاتساع منذ أيام عمرو بن العاص. لكن.. الطبع يغلب التطبع.. والذئب لن يكون حملا.. والمتآمر سيظل متلونا ولو قامت القيامة.. وصاحب الوجوه المتنوعة لن يستقر على ملامح ثابتة إلا بالعنف.. اللغة الوحيدة التى يفهمها.. ويستوعبها.. ويحترمها.. وهو ما حدث للإخوان مع الجنرالات.. فى معارك تنتقل الآن من الحرب الباردة إلى الحرب الساخنة. إن الإخوان والعسكريين لا يختلفان.. كل منهما يربى عضلاته.. ويدخرها للمواجهة.. وكل منهما يؤمن بالقوة المطلقة فى تحقيق ما يريد.. وكل منهما تعود على السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر من أعلى إلى أسفل دون جدل أو صخب أو نقاش أو اعتراض.. لذلك.. فالتعايش بينهما مستحيل.. والصدام أكيد.. ولن يحكم أحدهما إلا إذا وضع الآخر فى السجن.. هذا درس التاريخ الذى لم يخب منذ زمن فاروق إلى زمن عبد الناصر.. ومن حكومة «العسكرى الأسود» إلى حكومات أمن الدولة.. ومن أيام حسن البنا إلى أيام محمد بديع. وعندما توقعنا النفور السياسى بين القوتين (وهما من نفس العينة ولو اختلف المظهر) اتهمتنا بالوقيعة.. وبأننا أسرى ماضٍ لا نريد أن نبرحه.. وأن التاريخ الذى سكنا فيه لا يكرر نفسه.. لكن.. قبل أن تنتهى كلماتهما انتهت عشرتهما.. وبعد أن كان الجنرالات «فتية آمنوا بربهم» أصبحوا «كفار مكة».. وبعد أن كانوا «أهل صدق» أصبحوا «أهل نفاق».. وأطلت الفنتة الحمراء برأسها من فوق رءوس الجميع فى انتظار الضحايا. ونسى الإخوان وهم يكيلون التهم للجنرالات أنهم فى الحقيقة ينظرون فى المرآة.. فقد كذبوا.. وغشوا.. وتآمروا.. وفعلوا كل ما فى وسعهم لإفقاد الثورة قدرتها على التحريض والتجديد والتغيير.. ووضعوا فوق رأسها عمامة عثمانية.. وسعوا إلى تأميم الثوار ليصبحوا موظفين مربوطين على الدرجة العاشرة فى مصلحة حكومية. ومن جانبهم منحهم الثوار بتفرقهم وتبعثرهم فرصة عمرهم.. ونسى أصحاب الميدان الحقيقيون أن يكنسوا المشعوذين والدجالين والمنافقين والمضللين والمتحدثين دون تفويض باسم المؤمنين. وربما شفعت رومانسية الثوار لهم.. لكن.. ليس إلى حد أن يلدغوا من نفس الجحر مرتين.. أو أن يمنحوهم خاتم الميدان مرة أخرى بعد أن هاجروه.. وباعوه.. واشتروا بآيات الثورة ثمنا قليلا. كنت أتمنى ألا يشارك الثوار الإخوان فى مليونية الجمعة الأخيرة.. فالإخوان استغلوها فى إظهار «العين الحمراء» للجنرالات.. فى صراع على السلطة بين الطرفين لم يعد خافيا على أحد.. كنت اتمنى أن يقول الثوار للإخوان: اذهبوا أنتم وقاتلوا الجنرالات.. فحربكم معهم لا ناقة لنا فيها ولا جمل.. وسنكون أسرى المنتصر فى النهاية.. فليس أسوأ من الدولة العسكرية.. سوى الدولة الدينية. إن الصفقات لم تتوقف بين الطرفين منذ غربت شمس مبارك.. لكنها.. كانت نوعا من تسمين الخصم كى يكون لحمه شهيا.. أو نوعا من مد الحبل على غاربه كى يشنق به الطرف الآخر نفسه.. الفرق الوحيد أن أحدهما يريد ذبح الآخر على الشريعة.. والثانى يدخر كتيبة إعدام جاهزة فى السجن الحربى. وسيقاتل الإخوان من أجل حبس الجنرالات فى ثكناتهم.. فى حالة من حالات الاستقلال الوهمى على طريقة المجلس الأعلى للقضاء.. أو اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. أو مؤسسة البترول.. وفى الوقت نفسه سيفرضون عليهم أسلمة الجيش والأمن والمخابرات.. وهو ما ترفضه هذه الجهات.. بل وترفض تكويش فصيل واحد على السلطة ولو كان يقدم نفسه للناس على أنه المتحدث الرسمى باسم الله. ولسنا فى حاجة لإعادة الشريط من أوله.. فقبلات وأحضان شهر العسل كانت على رءوس الأشهاد.. ومظاهر الطلاق لم تعد خافية على أحد.. ولكن.. علينا التوقف عند الفصول الأخيرة فى دراما الكاب واللحية. لقد خرجت أنياب وأظافر الطرفين بعد أن قرر الإخوان سحب الثقة من حكومة الجنزورى.. ولم يكن ذلك حسب الإعلان الدستورى الذى تحمسوا للاستفتاء عليه من حقهم رغم أغلبيتهم الكاسحة تحت قبة البرلمان.. وفى الوقت الذى قيل فيه للجنزورى «ولا يهمك سيبهم يخبطوا راسهم فى الحائط ولا تذهب إليهم فى مجلس الشعب» وافق الجنرالات على دفع الثمن بالعفو عن خيرت الشاطر..لتعود إليه شركاته وأمواله.. وليسترد كيانه.. وليخرج صوته المحبوس.. وليصبح نجما تليفزيونيا.. ولو كان من الصعب الفرجة عليه قبل النوم خوفا من الكوابيس. وتصور الجنرالات أن ما دفعوه سيرضى الرجل القوى فى الجماعة.. وأنه لن يفكر فى وجبة أخرى يلتهمها قبل أن يهضم الوجبة السمينة التى قدموها إليه.. هوم ديلفرى.. ولكن.. طموح الرجل المكبوت المرحوم المقهور كان بلا حدود وهو ما دفعه للترشح لرئاسة الجمهورية.. «خبط لزق».. فاضيئت كل اللمبات الحمراء أمام المؤسسة العسكرية.. ودقت كل الأجراس فى مكاتبها.. فكان لابد من تحجيمه وتكبيله وإخراجه من السباق ببراعة وحنكة.. فجرى الإيحاء إلى عمر سليمان عبر وسطاء مقربين من المجلس الأعلى دون أن يكونوا أعضاء فيه كى يترشح.. وجرى ما جرى.. خرج سليمان ليعيد الجنى للقمقم الذى خرج منه.. وفى الوقت نفسه هوجم سليمان إلى حد التهديد بالقتل.. والعودة للكفاح المسلح. هاجت الدنيا وقامت القيامة وانشقت الأمة حتى خرج الرجلان بقرار لا يقبل الطعن من السباق.. واستراحت كل القوى الغاضبة.. وخرج الجنرالات منتصرين.. وقد أصابوا عصفورين بحجر واحد.. سليمان الذى لا يرتاحون إليه.. والشاطر الذى لا يطمئنون لمصر معه. وتكشف أوراق القضاء العسكرى خفايا القصة السرية للعفو عن خيرت الشاطر التى لم يظهر لها ورق قبل الآن. كان محامى خيرت الشاطر عبدالمنعم عبدالمقصود قد قدم خطابا لإدارة المحاكم العسكرية يطلب فيه توضيح الأمر بالنسبة لموكله ليستفيد بالرد فى التظلم الذى رفعه إلى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بعد رفضها ترشحه.. وجاء الرد لنجد أنفسنا أمام أهم ورقة فى الملف. الورقة خطاب بتوقيع العميد نادر أحمد زغلول رئيس الدائرة السادسة فى إدارة المحاكم العسكرية إلى عبدالمنعم عبد المقصود بصفته وكيلا لمحمد خيرت الشاطر.. وقيد الخطاب: بحوث 1/ 2012 بتاريخ 15 / 4 / 2012 ونصه: تحية طيبة وبعد إيماء إلى الطلب المقدم منكم والمرفق به صورة من قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بشأن طلب الترشح المقدم من السيد/ محمد خيرت سعد عبداللطيف الشاطر لمنصب رئيس الجمهورية.. والذى انتهت فيه إلى عدم قبول أوراق الترشح تأسيسا على إخفائه على المحكمة الحكم الصادر فى الجناية رقم 2 / 2007 ج ع إدارة المدعى العام العسكرى، إذ لو كان قد أشار إليه من قريب أو بعيد ما كان قد صدر لصالحه حكم رد الاعتبار فى الجناية رقم 8 / 1995 لعدم توافر المدة اللازمة للحكم برد الاعتبار. نخطركم بأن الحكم الصادر فى القضية رقم 2 / 2007 جنايات عسكرية إدارة المدعى العام العسكرى وكذا القرار الصادر فيها من السيد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن العفو عن المذكور من جميع العقوبات المحكوم بها وإسقاط كل العقوبات التبعية والآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم كانت مرفقة وتحت نظر ومحل اعتبار هيئة المحكمة عند إصدار الحكم برد الاعتبار فى القضية رقم 8 / 1995 جنايات إدارة المدعى العام العسكرى. «وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.. التوقيع عميد / نادر أحمد زغلول رئيس الدائرة السادسة عليا» وكان اللواء نبيل حامد مساعد رئيس هيئة القضاء العسكرى قد وقع نيابة عن رئيس هيئة القضاء العسكرى اللواء عادل محمود المراسى موجها إلى المستشار حاتم بجاتو أمين عام اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من المكتب يشير إلى الخطاب السابق باعتباره مرفقا.. والخطاب الأخير صادر من المكتب الفنى لهيئة القضاء العسكرى ويحمل قيدا رقم 293 / 5 / 2 بتاريخ 15 / 4 / 2012.. لكن.. لجنة الانتخابات الرئاسية لم تأخذ بما جاء من القضاء العسكرى واعتبرت أن خيرت الشاطر لم يرد اعتباره كاملا. ومن باب القلق على مصير خيرت الشاطر رشح الإخوان محمد مرسى.. فأصبح للجماعة مرشح رسمى.. وآخر «استبن».. وثالث منشق هو عبدالمنعم أبوالفتوح.. ورابع مناور.. متقلب.. هو سليم العوا.. ويصعب علينا أن نصدق أن الجماعة لن تراهن فى النهاية على الجواد الرابح ولو كان أبو الفتوح.. فهى تدعمه سرا.. وتموله فى الخفاء.. ولم تتخلص من شبابها الذى قدم علنا توكيلاته ل أبوالفتوح.. فهناك إصرار على خوض معركة الرئاسة إلى نهايتها.. وهم يعلمون جيدا أن الفرق ليس جوهريا بين الشاطر وأبوالفتوح. إن اللعبة لم تنته بعد بين الإسلاميين والعسكريين.. لا يزال فى جراب كل منهما الكثير من الحيل.. أرانب.. وفئران.. وشرائط ملونة.. وقفز فى حلقة النار.. وتنشين.. ولعب بالخناجر.. ولكن.. على جسد الثورة المصلوبة فى ميدان التحرير.. فلا تزال هى اللقمة الخشنة التى تقف فى الزور.