فى اللحظة التى يداهمنا فيها الغياب .. لن نجد فرصة نبكى فيها تحت قباب لن نقرأ الكتاب لن نمسك إلا بالسراب . فى اللحظة التى سينقطع فيها المطر لن يكون فى آخر الليل قمر سنظل على سهر سندخل العالم الاخر بلا جواز سفر . فى اللحظة التى سيغمرنا فيها الاحساس بالشتات لن يكون لدينا لسان أو شفاة أو مفردات .. سنخاف من النطق بالكلمات . إنها لحظة بالف دهر .. عبورها فاصل بين النعيم والقهر .. دواؤها أن نذكر الله الذى لا يدكه البشر ولو ابتلعوا الزمن باليوم والشهر . وذكر الله أولى علامات الصوفية والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وحب آل البيت رضوان اللع عليهم لكن إذا كانت هذه العبادة واضحة على هذا النحو فلماذا تتعدد طرقها وتتنوع مدارسها وتختلف راياتها ؟ بصيغة أخرى : ما معنى كل شيخ وله طريقة ؟ معناه أن كل شيخ وله طريقة خاصة به لتوصيل العلم الى مريديه وليس كل شيخ له دين فالدين واحد غن منأجمل تعبيرات الصوفية تعبير مريد ويعنى الشخص الذى اتبع شيخه بارادته وحريته لم يتبعه قسرا أو قهرا أو ارغاما بل اتبعه حبا وحماسا فالشيخ لا يأمره بمعصية ولا يحرضه على خطيئة ولا يلقى به فى رذلية ربما كانت هذه الطاعة أو هذه القناعة سببا فى قلة ثقافة المنتمين للصوفية من المريدين أحياناً.. لسبب غريب ومنطقى هو أن المريد يثق فى شيخه فلا يساله عن مصدر ما يقول لنه يعلم أ، شيخه لابد أنه مطلع على كتاب الله وسنة رسوله لكن السؤال لا يضر بل على العكس يفيد فالسؤال مفتاح العلم . وللصوفية مشارب ومسالك يتناسب كل منها مع عصره وزمانه وكيانه . فى عصر الامام الشافعى مثلا لو سالت مسلما عن المذهب الشافعى والمذهب الحنبلى بالقول : إن المذهب الحنبلى اشد صعوبة وذلك لأن الإمام احمد بن حنبل تلميذ الامام الشافعى كان عالما وكان يتقبل من أستاذه وشيخه ما لا يستطيع غيره أن يتقبله كان يرى شدته عاديا سهلا بسيطا . ففى ذلك الزمن كان المريدون عارفين بأحكام الشريعة لم تكن صعبة عليهم ومن ثم كان الواحد منهم يتقبل من شيخة كل ما يقول مهما كان شاقا دون ضجر .. لكن فى أزمنة أخرى جهل فيها الناس هذه الاحكام فلم يتحمل المريدون ما يعتبر شدة فكان التخفيف من شيوخهم حتى يتعملوا وربما كانت هناك قسوة أحيانا .. لكنها قسوة الأب على ابنه لو عرف الابن سرها وسببها لتأكد أنها ليست قسوة وإنما رحمة إن معرفة سبب الألم يجعل من السهل علينا تفسيره . ولو كانت كلمات مثل الشيخ والمريد ثقيلة على الأذن فى هذا العصر – إذا لم تكن مستساغة هذه الأيام – فليس هناك ما يمنع ان تكون التسمية هى الأستاذ والتلميذ السطى والصبى الب والابن المعلم وطالب العلم لا نريد أن تأكلنا وتستهلكنا الكلمات ما يمهنا أن يعرف كل شخص واجباته وحقوقة إن واجب المعلم أن يعلم تلميذه بما أمر به الله ورسوله فغن حافظ على ذلك وجب على التلميذ طاعته . غن علاقة التلميذ والمعلم فى صورتها المثالية نجدها فى كتاب الله فى قصة العبد الصالح سيدنا الخضر وسيدنا موسى عليه السلام فلو وضعنا سيدنا موسى فى موضع التلميذ ووضعنا سيدنا الخضر فى موضع المعلم سنجد سياقا إنسانيا راقيا وجميلا لهذه العلاقة إنها علاقة تقوم على المكاشفة من أول خطوة لقد طلب سيدنا موسى ( التلميذ ) من سيدنا الخضر ( المعلم ) الصحبة وحدد غايته فى قوله " هل اتبعك على أن تعلمنى مما علمت رشدا " هذه هى غاية التلميذ فكان أن صارحه الخضر بصعوبة ما يطلب فى قوله " إنك لن تستطيع معى صبرا " وليس هذا طعنا فى قدارات التلميذ الذاتية ولكن هو لعدم الالمام بطبيعة العلاقة . قال له الخضر " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " الأستاذ يفسر صعوبة المهمة وحرف " لن " هنا دلالة على توقع ما سحدث مستقيبلا ثم إن الخضر التمس لموسى العذر فى قوله " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " لكن التلميذ عرض على الأستاذ استعداده الكامل للفهم والاستيعاب وقال : " ستجدنى غن شاء الله صابرا ولا اعصى لك أمرا " وقبل الخضر أن يتبعه : ويتبعه ليس معناها أن يعبده ولكن هدفها أن يعلمه مما يعلم أو الدق أن تقول مما علمه الله . لقد توقع الخضر من موسى الإنكار بسبب عدم العلم وهذا طبيعى فالإنكار يإتى دائما من عدم الإلمام وبقية القصة انهما انطلقا حتى غذا ركبا ( كلاهما ) فى السفينة خرقها ( الخضر بمفرده ) فاعترض موسى ( التلميذ ) كما توقع الاستاذ اعتبر موسى خرق السفينة جريمة شروع فى قتل جماعى لركاب السفينة وتخريب ملكية خاصة : وقال " اخرقتها لتغرق أهلها " عنئذ ذكر الستاذ بشروط المصاحبة قائلا : " ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا" لقد أخل موسى بهذه الشروط ثم انتبه الى ذلك فسارع الى اعتذار رقيق نسبة الى النسيان نسيان بنود الاتفاق والنسيان ليس ذنبا قال له " لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من أمرى عسرا " يعنى على مهلك على . قبل الاستاذ الاعتذار وانطلقا من جديد حتى إذا لقيا ( كلاهما ) غلاما فقتله ( الخضر بمفرده ) عنذ ئذ لم يتصور التلميذأ، طاعته لأستاذه يمكن أن تصل الى هذا الحد حد القتل لقد كانت المرة الأولى شروعا فى قتل عند مع سبق الاصرار اما هذه المرة فهى قتل جريمة كاملة واضحة وتكلم التلميذ على قدر إلمامه ووجه كلامه للأستاذ قائلا " أقتلت نفسا زكية بغير نفس " ؟ إنالقتيل طفل برىء لم يبلغ الحلم ولا يحاسب على ذنب فكيف يكون الموت مصيرة ؟.. عندئذ ذكره الستاذ بما كان بينهما من اتفاق قائلا : " ألم أقل لك أنك لن تسطيع معى صبرا " وعاد التلميذ الى وعيه لكنه لم يكتف بالاعتذار هذه المرة وانما وضح شرطا لنهاية الصحبة التى طلبها بنفسه إذا تكرر منه رفض أو أعتراض قال موسى " إن سألتك عن شىء بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذار " وقبل الأستاذ أو الشيخ الاعتذار على الشروط الذى وضعه التلميذ أو المريد ..وكان الشيخ ليس هو الذى يضع الشروط الذى وضعه التلميذ أو المريد ..وكان الشيخ ليس هو الذى يضع الشروط وإنما يضع الشروط وانما الذى يضعها هو المريد . انطلقا مرة اخرى حتى إذا أتيا قرية استطعها اهلمها ( طلبوا طعاما من أهلمها ) فأبوا أن يضيفوها ورغم ذلك وجدا جدار ( وجد كلاهما الجدار ) يوشك ان يقع متهدما فاقامه ( المثنى هنا أصبح مفردا ويعود على الخضر وحده ) فاعترض التلميذ فاقامه ( المثنى هنا اصبح مفرادا ويعود على الخضر وحده ) فاعترض التمليذ من جديد لقد ظن أن الاعتراض هذه المرة لن يضر فهو ليس اعتراضا على خطأ وغنما على صواب ليس على شىء سلبى وهو خرق سفينة وقتل طفل وإنما على شىء ايجابى هو بناء جدار كان على وشك أن يقع فى قرية لم تطعمهما لم يخطر ببال المريد أن الاتفاق يشمل اى اعتراض مهما كان وقال للشيخ الذى أقام الجدار : " لو شئت لا تخذت عليه أجرا " قال الشيخ " هذا فراق بينى وبينك سسأنبئك ( ساشرح لك) بتاويل ( تفسير ) ما لم تستطيع عليه صبرا " وراح يفسر له ما لم يستوعبه أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون فى البحر فاراد أن يعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( كان يأخذ السفن السليمة ولا يأخذ السفن المعطوبة ) فكأن عطب السفينة قد أنقذها من المصادرة الملكية وهو عمل خير باد فى صورة سيئة لم يفهم التلميذ ما وراءه أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فغذا ما كبر فسوف يرهقهما ويجبرهما على الكفر وعندما يموت الآن فإنة سيموت دون ذنوب مما يتيح له دخول الجنة كما أن موته الآن يتيح للابوين إنجاب غيره .. " فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما " . وأما الجدار فكان لغلامين يتمين فى المدينة ( لاحظ أن القرآن استخدم فى البداية كلمة القرية دلالة على توقع الكرم وعندما ظهر بخل أهلها أسماها المدينة ) كان تحت الجدار كنز لليتمين خاصة أن أباهما كان صالحا فأراد الله أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا .. القصة تبين أن المريد بكامل ارادته هو الذى طلبة الصحبة صحبة الشيخ لكن الشيخ لفت نظره الى صعوبة ذلك وعدم القدرة عليه على ان المريد وعده بالصبر وعندما أخطا إذن المريد ظل محتفظا بارادته كاملة فى صحبة الشيخ يكون السؤال ماذا لو سلم موسى عن قتل الغلام أيكون مخطائا لسكوته على جريمة قتل ؟ ثم ماذا لو سلم له بإقامة الجدار ولم يتدخل لو لم يسأل موسى لكان قد واصل الصحبة ولكان قد تكشف له كل شىء خفى عنه دون اعتذار او مفارقة رححم الله موسى لو صبر على الخضر لعلمنا الف حكاية . والمسافة بين الشيخ والمريد هى مسافة علم الفروق بينهما هى فروق علم واعتراض المريد على الشيخ هو اعتراض من لا يدرى على من يدرى وليس من يدرى مثل من لا يدرى ليس الذى لم يدر يشبه من درى . " وما أدراك ما الحاقة " أو " وما ادراك ما يوم الدين " غننا نقول للكريم : ما اكرمك أسلوب استحسان وشهادة من الله بأن النبى هو الاكثر دراية بليلة القدر وبيوم الدين وبالحاقة ما أدراك هنا تعنى أنك الكثر قدرة على الدراية غن التسرع فى التفسير بداية التهلكة . والدراية أو العلم درجات غن مساكين السفينة التى خرقها الخضر هم أهل " علم يقين " فقد شهدوا خرقها .. اما سيدنا موسى الذى عرف من خرقها فعلمه هو " عين اليقين " ويبقى سيدنا الخضر الذىعرف الحكمة من وراء خرقها علمة هو " حق اليقين " فليس الناس يتربعون عند الدرجة نفسها من العلم لذلك سمى العلم رفعة يقول سبحانه وتعالى " نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم " ولا حول ولا قوة الا بالله .