تضع حركتا فتح وحماس على طاولة مفاوضات المصالحة في القاهرة جميع الملفات التي أثارت الخلافات خلال الأشهر القليلة الماضية، وتعرقل المضي في اتفاق المصالحة، وبالتالي المضي في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي تدرك الحركتان أن أهم بنوده الخاصة بإعادة إعمار القطاع مرتبطة بشكل وثيق بالتوافق بشأن عمل الحكومة الفلسطينية في غزة. ويتصدر عمل حكومة التوافق في غزة، وتمكينها من السيطرة على القطاع بشكل فعلي، أولويات الحوار الذي انطلق، أمس، في مصر، باعتبار ذلك مدخلا لحل باقي المشكلات.
وقال أمين مقبول، القيادي في فتح وأمين سر المجلس الثوري للحركة، إن الملف الأساسي سيكون تمكين حكومة الوفاق، برئاسة رامي الحمد الله، من أخذ دورها وبسط سلطتها في قطاع غزة.
وأضاف ل«الشرق الأوسط» أن «الملف الآخر سيكون تنفيذ اتفاقيات القاهرة بكل بنودها بما فيها الشق الأمني وكل الملفات الأخرى»، التي مهدت للتهدئة في غزة بعد الحرب الإسرائيلية التي استمرت 50 يوما.
ويرى مقبول أن بسط الحكومة سيطرتها على القطاع سينهي مشكلات أخرى مرتبطة بتطبيق القانون وحماية المواطنين والمواد التموينية والإغاثات التي تصل غزة.
وكانت حركة فتح اتهمت حماس بتشكيل حكومة ظل في غزة لا تأتمر بأوامر حكومة التوافق، وتسيطر على كل كبيرة وصغيرة في غزة، وهو الأمر الذي هددت معه فتح بالتراجع عن اتفاق المصالحة، خصوصا أن حماس أخذت على عاتقها كذلك اعتقال وإعدام مواطنين في غزة وتنفيذ أوامر قضائية من دون العودة إلى الحكومة.
وتوترت العلاقات بعد ذلك، بسبب اعتداء عناصر من حماس على آخرين من فتح وإطلاق الرصاص عليهم أثناء الحرب. وزاد التوتر بعد أن صرفت الحكومة الفلسطينية رواتب موظفي السلطة من دون أن تصرف رواتب موظفي حكومة حماس السابقة. وستكون هذه الملفات من ضمن القضايا التي سيجري نقاشها.
وقالت مصادر في فتح ل«الشرق الأوسط» إن «كثيرا من القضايا يمكن حلها بتمكين حكومة التوافق من فرض سيطرتها على غزة، ما سيلغي ازدواجية القرارات والقوانين».
لكن المصادر استبعدت تسوية سريعة لمسألة موظفي حماس، وقالت إن السلطة لا تستطيع الآن الدفع لهم لأسباب مختلفة، «سياسية وإدارية ومالية». ورجحت أن يكون الحل من خلال طرف ثالث، مثل قطر، يدفع رواتب موظفي حماس.
وعقب مقبول على قضية الرواتب، قائلا: «هذا سيعود إلى اتفاق القاهرة. حماس قرأته بشكل خاطئ كما يبدو، الاتفاق لا ينص على أن تدفع السلطة رواتب موظفي حماس، ولكن على تشكيل لجان إدارية وقانونية لفحص الأمر وهذه اللجان لم تنه عملها بعد».
وبشكل أقل ستبحث المصالحة كذلك التوافق الوطني الأشمل الذي له علاقة بقرار الحرب والسلم، وكيفية إعادة إعمار غزة. ومن غير المعروف إلى أي حد ستتجاوب حماس مع طلبات تسليم غزة لحكومة التوافق.
وثمة اعتقاد في حماس أن السلطة تريد الضغط على الحركة الإسلامية لتقديم تنازلات في ملفات محددة مقابل إعادة إعمار القطاع.
وقال المسؤول في حماس صلاح البردويل، أمس: «حماس لديها تخوفات بسبب وقائع تشير إلى وجود ابتزاز ومحاولات للضغط، لكن لن تستسلم لضغوطات سياسية في حال لم يخرج اللقاء بنتائج إيجابية».
غير أنه لا خيار أمام الطرفين سوى الاتفاق في نهاية المطاف من أجل التأسيس لاتفاق سياسي مع إسرائيل حول غزة، إذ يفترض أن تنطلق بعد ساعات من لقاءات المصالحة بين فتح وحماس لقاءات أخرى حول وقف النار.
وكانت وزارة الخارجية المصرية قالت في وقت سابق إن جولة استكشافية من المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ستستأنف اليوم (الثلاثاء).
وتربط السلطة ومصر وإسرائيل والولايات المتحدةوالأممالمتحدة بين سيطرة حكومة التوافق على غزة والبدء في عملية الإعمار الضخمة. وقال مقبول: «حكومة التوافق هي التي ستشرف وتنفذ إعادة الإعمار، ومن دون تمكينها من بسط سيطرتها تبدو القضية غير ممكنة».
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أمس ب«ضرورة وضع حد لتدمير قطاع غزة بشكل دائم»، محذرا من أن «المتبرعين لن يهبوا دائما لإعادة إعمار مكان يجري استهدافه باستمرار».
ويعمل مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى الشرق الأوسط روبرت سيري هذه الأيام على وضع خطة سيتعين فيها نحو 500 مراقب دولي في قطاع غزة لضمان تنفيذ عملية إعادة إعمار القطاع وفقا للمتطلبات الدولية.
وأكد دبلوماسيون أوروبيون ومسؤولون إسرائيليون لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أمس، أن سيري ينوي الاستعانة بعدد من المراقبين الدوليين فورا على أن ينضم إليهم آخرون كلما اتسعت عملية إعادة الإعمار.
وتقوم خطة سيري على نشر المراقبين داخل غزة، في الأحياء التي سيعاد إعمارها وفي مواقع البناء الكبرى، إضافة إلى المواقع التي ستخزن فيها مواد البناء كالإسمنت والأسفلت والحديد والأنابيب الفولاذية والعتاد الثقيل كالبلدوزرات والجرافات، لضمان أن لا تستخدم لأهداف أخرى، في إشارة ضمنية إلى استخدامها لبناء الأنفاق.
وتريد الأممالمتحدة وإسرائيل ضمانات كيلا تصل أغراض ومعدات إعادة إعمار غزة لأيدي حركة حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر.
وكانت إسرائيل أصرت في لقاءات القاهرة السابقة على تشديد الرقابة على المواد التي تعدها مزدوجة الاستعمال (الاسمنت مثلا، يستخدم لبناء البيوت وبناء الإنفاق).
وقال مسؤول إسرائيلي إن حماس باتت تفهم أنه من دون دخول المراقبين لن تسمح إسرائيل بإعادة إعمار القطاع. وبحسب هآرتس فإن نشر المراقبين الدوليين كان جزءا من تفاهمات توصل إليها سيري خلال محادثات أجراها مع منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، يوآف مردخاي، ومع رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمدالله، فيما يتعلق بإعمار غزة.