■ اختلقت «هيومان رايتس ووتش» أرقام الضحايا ففقدت سمعتها ومصداقيتها! ■ رفضت الحكومة المصرية دخول أمينها كين روث فقرر الانتقام منها بنشر تغريدات كاذبة
■ المنظمة استسلمت لأجهزة المخابرات التى تحركها فوضعت نفسها فى خدمة توجه سياسى محدد أثبت فسادها
لا تعرف قصيدة أو حقيقة ميعادا لولادتها.. قد تخرج إلى النور فور النطق بها.. وقد تفرض نفسها علينا بعد أن تجف الشفاة التى عجزت عن كشفها.
الزهرة تحتاج شهورا فى مختبر الطبيعة لتختار لونها وعطرها ونشر الشوك الذى يحميها على ساقها.. وقطرة العسل تحتاج جهداً من الشغالات وأنوثة من الملكة وصراعاً من الذكور كى تصبح قطرة صافية.. وبيت الشعر قد يجبر كل شياطين الوحى قبل أن نسمعه من صاحبه.. والحقيقة قد تحتاج إلى سنوات للكشف عنها.. والتأكد من صدقها بعيداً عن ماسحى الجوخ وشهادات الزور.
ربما لهذا السبب تأخرت فى الكتابة عن تقرير «هيومان رايتس ووتش» عن فض أحداث رابعة العدوية.. فقد احتجت وقتاً مناسباً كى أصل إلى الحقيقة بعيداً عن الصخب والتشنج وقنابل الدخان التى غطينا بها فشلنا فى الرد عليه تاركين العالم يستمتع بغيبوبته.
وأخطر ما حدث ونحن نرد على التقرير أننا كنا نكلم أنفسنا ولا نكلم العالم.. غنينا فى الحمام فلم يطرب لصوتنا أحد.. نظرنا إلى صورتنا فى المرآة فلم يشد بطلعتنا البهية أحد.
وعندما تلقى التقرير أولى طعناته لم تكن بسكين منا وإنما بشهادة مضادة من مراسل مجلة نيوزويك السابق فى القاهرة ماجد عاطف.
نشرت شهادة المراسل الجرىء متفرقة على طول التقرير.. دون أن يعترض إلا على ما نسب إليه فى صفحتى (26 و27).. فى هذه الصفحة يشهد ماجد عاطف حسب ما عرفنا مباشرة منه أن ضابط شرطة قتل بإطلاق الرصاص على رأسه فيما يشبه الإعدام.. ولكن.. التقرير بعد أن نشر تلك الواقعة شككت المنظمة فى شهادته فادعت أنها التقت به مرتين.. وفى كل مرة حدد موعداً مختلفاً للجريمة.. على أنه كذبها قائلا: «إننى لم التق بالمنظمة سوى مرة واحدة لم أحدد فيها الموعد بدقة وعندما عدت إلى أوراقى وراجعت ما فيها أرسلت لها رسالة إلكترونية (إيميل) بالموعد الدقيق لكنها تجاهلت ذلك وأوحت بأننى مرتبك كى تحرق شهادته الدامغة».
لقد كانت هذه الواقعة بمثابة تحول خطير فى تاريخ المنظمة الأكثر ثقة فى متابعة قضايا حقوق الإنسان.. فبعدما كانت تهز عروشاً وتهدد أنظمة وتسقط حكومات وتختصر العالم بأكمله ديمقراطيا وحضاريا وإنسانيا أصبحت فى حجم السمسمة.. وبعد أن كانت تمشى على رأس المظاهرات فى أربع أنحاء الدنيا هربت من الحقيقة واتخذت مقهى «فوكيه» فى باريس مقراً لها فى حالة من التسكع السياسى لم تعشه من قبل.
وقبل أن تبرأ المنظمة من الطعنة الأولى وجدت فى صدرها طعنة ثانية.. أشد.. جاءت من مايكل روبين.. وهو صحفى أمريكى متخصص فى شئون الشرق الأوسط.. أبرز كتبه «الرقص مع الشيطان» و«إيران من الداخل».. وينشر مقالاته فى مطبوعات أمريكية شهيرة مثل «مورنج بوست» و«ناشيونال ريفيو» و«نيويورك ديلى نيوز» و«يو اس نيوز» و«يو اس توداى» و«ناشيونال سكيورتى بوليسى».. كما يعلق على ما يحدث فى منطقتنا على شاشات «فوكس نيوز» و«سى إن إن».
فى يوم الخميس الماضى نشر مقالاً فى مجلة «كومنترى» بعنوان «هل تختلق هيومان رايتس ووتش أرقامها».. تشعر بعد قراءته أن تقارير تلك المنظمة أصبحت مثل «الجنس الثالث» الذى لا يعرف كيف يحدد موقفه من الحياة ؟.. ولا يعرف أن يفرق بين شفاة امرأة وبين إشارة المرور الحمراء.. وبين أحضانها وأحضان سيارة مسرعة.
قبل عدة أيام وفى نفس المكان وصف توجهات المنظمة بأنها مثيرة للجدل بدلاً من أن تكون مثيرة للبحث العلمى والتحقق من صدق تقاريرها وأرقامها.
واستطرد فى المقال الأخير: «إن القضية تتعلق بالملابسات التى أحاطت بحالات الوفاة التى وقعت فى ميدان رابعة العدوية فى أغسطس 2013 حينما قامت قوات الشرطة بفض اعتصام أنصار جماعة الإخوان المسلمين والرئيس السابق محمد مرسى وهو أول رئيس منتخب ديمقراطياً قبل الإطاحة به قبل شهر من تاريخ ذلك الحادث».
«ولا نخطئ حين نقول: مات المئات من المتظاهرين ولكن وفقاً لبيانات الحكومة المصرية فقد مات العشرات من عناصر الشرطة أيضا».
«منذ بدء التحقيق الذى أجرته هيومان رايتس ووتش حول أحداث فض الاعتصام سعت المنظمة ومديرها التنفيذى كين روث إلى جذب الأضواء إليهما.. وكانت تصريحاته الإعلامية وتغريداته على مواقع تويتر تعكس تمسكه باستنتاجات وقناعات محددة سلفاً حول أحداث فض الاعتصام حتى قبل بدء التحقيق».
«ورغم غضبه (غير المبرر) فقد جاءت أولى تغريداته عقب فض الاعتصام تقول: «الديمقراطية لا تعنى إطلاق الرصاص على المواطنين باسم الأغلبية إنها تتطلب العمل فى إطار تحديد الحقوق».
والمقصود: إن كين روث فقد حياده قبل أن يبدأ مهمته.. ومثل قاضٍ أفصح عن هواه كان يجب أن يتنحى عن هذه القضية.. وإلا اتهم بالرشوة السياسية.. ولصق بنفسه كل ما يشاع عن تلقى منظمته أموالا مشبوهة من أجهزة مخابرات خفية.. توجه وتضلل وتزور تحقيقا لما تشاء.
لقد توقعنا أن يخلع ملابسه بالتقسيط كما تفعل النساء الأكثر ذكاء فى مواخير الليل.. لكنه.. خلعها دفعة واحدة.. فقد كان الإغراء الذى تعرض له لا يقاوم.
يضيف مايكل روبين: «بعد أن رفضت السلطات المصرية دخوله البلاد بعد سنة من أحداث فض الاعصام صرح كين روث: بأنه أتى ليقدم دلائل تثبت أن الشرطة المصرية «قامت بذبح أكثر من 1000 شخص فى ميدان رابعة».. وهذا الرقم يدل على أن منظمته مؤسسة غير جادة.. حيث إنها لم تتأكد من أرقام القتلى بزيارات للمشرحة أو للمقابر أو بمراجعة السجلات الرسمية بل حددتها بشكل تعسفى يتسق مع الحالة المزاجية للمحلل.
«مبدئيا هناك تضارب شديد فى أعداد الضحايا التى أعلنتها المنظمة.. هناك اختلاف واضح فى أرقام الضحايا التى أعلنتها.. فى البداية صرحت بأن هناك 377 قتيلاً.. وبمرور الوقت رفعت الرقم ليصل إلى 817 حسب ما نشرت فى تقريرها.. ثم جاء كين روث ليضخمه بنسبة 25 % خلال تصريحاته ليصل الرقم إلى ألف ضحية.. وحدث ذلك نتيجة استيائه من المعاملة التى لاقاها من السلطات المصرية فى مطار القاهرة.. مما يقلل من مصداقية المنظمة وأبحاثها وتحقيقاتها وتقاريرها».
والمقصود: أن إحساس كين روث بنفسه وشعوره بأنه لم يلق ما يدلل ذاته جعلا منه شخصاً غير محايد.. قرر مواجهة التعسف بتعسف مضاد.. فقرر ضرب الحقيقة فى مقتل.. وشيع جثمانها فى تقريره الذى تحول دون أن يدرى إلى جريمة.. جريمة اغتصاب علنية تجب محاكمته عليها.
إن الحقيقة مثل المياه الجوفية المخزونة فى داخل الإنسان والتى تنتظر الفرصة لتتفجر كالطوفان لتمحو الملح من الأرض فإذا ما كنت الحقيقة نفسها مالحة فإن الأرض ستزداد مرارة.
ويستطرد مايكل روبين: إن «تصريحات روث بأن ما حدث فى رابعة كان أبشع من مذبحة تيانمين فى الصين والتى وقعت عام 1989 تعكس حبه للدعاية ورغبته فى جذب الاهتمام الإعلامى.. وهو ما يدفعه إلى الدخول فى هذه المعارك ليخسرها مرة تلو المرة.. حيث إن المقارنة لا تتطابق مع أرقام منظمته نفسها.. فهو مرة يقول إن أحداث رابعة هى مجزرة تستوجب إجراء تحقيق عادل وهو أمر نتفق عليه إلا أن تغريدته التى أطلقها مع بداية الأحداث لم تحصل على الصدى الإعلامى الذى يرغب فيه فأطلق تغريدة جديدة قال فيها: «هناك 17 منظمة غير حكومية تضغط على مجلس حقوق الإنسان للتحقيق فى مجزرة للمتظاهرين أكبر من مجزرة تيانمين».. فهل كانت رابعة مجزرة أكبر من تيانمين ؟.. حسنا فلنرجع ببساطة إلى التقارير التى أصدرتها منظمة هيومان رايتس ووتش حول تيانمين.. فمع حلول الذكرى 25 لأحداث ميدان تيانمين فإن هيومان رايتس ووتش لم تتمكن من تحديد العدد الفعلى لضحايا تلك المجزرة.. وفى الذكرى العشرين قالت هيومان رايتس ووتش إن هناك «عدداً غير معلوم من الضحايا».. وفى عام 2010 قالت: إن عدد الضحايا تجاوز الألفى قتيل.. ربما أنا ضعيف فى الحساب ولكننى أعتقد أن رقم ألفين أكبر من ألف أو 817 أو 377 وهى أرقام المنظمة المتعارضة عن رابعة».
قبل أن نكمل المقال نتذكر قليلاً ما حدث فى تيانمين.. لقد بدأت تلك الأحداث بمظاهرات شارك فيها طلاب جامعة بكين بجانب مفكرين وأساتذة جامعات تحت تنظيم «حركة أربعة مايو للعلم والديمقراطية» وامتدت المظاهرات إلى إضرابات فى كليات ومصانع ومدارس مختلفة.. ولم تمر سوى عدة أيام حتى أعلنت الأحكام العرفية لكنها لم تكف بعد أن تضامن الشعب مع المحتجين.. فتقرر تنظيف الميدان بالقوة فقاوم سكان بكين القوات العسكرية بأسلحة مضادة انتهت بما يشبه الحرب الأهلية.. وهى واقعة مختلفة تماما عن واقعة رابعة.
يستطرد مايكل روبين: «إن الغرض مما أقول ليس تقليل بشاعة ما حدث فى ميدان رابعة أو تبرئة قوات الأمن الذين ربما استخدموا قوة مفرطة فى التعامل مع نشطاء الإخوان المسلمين والذين ربما أيضا قاموا بإطلاق النار على قوات الشرطة لقتلهم ولإيقاع مزيد من الضحايا الأبرياء لاضطرار قوات الشرطة على الدفاع عن نفسها.. فلا شك أن العمل من أجل حماية حقوق الإنسان هو عمل محورى بالنسبة للمجتمع المدنى ولكن التلاعب بالأرقام بهدف خدمة توجه سياسى محدد يؤكد أن هيومان رايتس وووتش قد فسدت وأصبحت تتسم بالانحياز السياسى وعدم الحرفية».
«فى ضوء المبالغات والتناقضات الواردة فى تقرير هيومان رايتس ووتش يبدو مديرها التنفيذى كين روث خاسرا.. ويصبح من حق الحكومة المصرية أن تتجاهل تقريره.. ودعونا نأمل أن تقوم منظمات أخرى بعملها على نحو أفضل وبدرجة احتراف أكبر وبمصداقية أعلى.. دعونا نأمل أن تتوخى هيومان رايتس ووتش الدقة فى الأرقام التى تعلنها كى تستطيع أن تنقذ سمعتها ومصداقيتها».
انتهى المقال.
لقد ارتبطت ميكانيكا الحرية عند تلك المنظمة بانحيازات سافرة.. فنسيت القراءة والكتابة.. وعادت مرة أخرى إلى مصاف الأمية السياسية.