تشهد مصر حاليا جدلا واسعا حول مدى دقة ما ينشر من بيانات على “مواقع جهادية”، تنسب العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد، مؤخرا، إلى تنظيم “داعش” الذي يتمدد في العراقوسوريا، ويستهدف خلق خلايا موالية له في بلدان عربية أخرى، ممّا تسبّب في تحوّل هذا التنظيم إلى “فوبيا” أصابت قطاعا واسعا من المصريين، على الرغم من نفي المصادر الأمنية وجود عناصر ترتبط به تنظيميا في البلاد. في سياق ما تمّ تناقله، مؤخّرا، من أخبار تفيد بوجود عناصر تنتمي إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلاميا ب”داعش” في مصر، أكدت مصادر أمنية ل”العرب”، أنّ المسألة لا تتجاوز وجود عددا من المتعاطفين مع هذا التنظيم نظريا وفكريا دون أن يكون لهم أيّ تواصل تنظيمي مع قيادات هذه “الدولة” المزعومة، مشددين على أنّ ما يصدر من بيانات منسوبة لما يسمي ب “تنظيم داعش في مصر”، تعلن مسؤوليته عن تنفيذ عمليات إرهابية، يدخل ضمن أساليب الحرب النفسية ومحاولة استنزاف قوات الأمن.
وفي هذا الإطار كان موقع “منبر الإعلام الجهادي”، كان قد نشر، مؤخّرا، بياناً منسوباً إلى التنظيم الأم أعلن فيه مسؤوليته عن حادث “الفرافرة” الذي راح ضحيته 22 شهيداً من جنود القوات المسلحة. كما أصدر تنظيم “داعش”، الذي ضم مصر إلى شعاره، ليصبح “الدولة الإسلامية في العراق والشام ومصر”، بيانا جديدا عبر صفحته الرسمية على توتير، أكّد فيه مسؤوليته عن؛ كمين كان قد نُصب لعناصر من شرطة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح (شمالي مصر) وخلّف استشهاد ضابط وثلاثة جنود، وكمين آخر نصب بمنطقة السنطة بالغربية (في دلتا مصر) أدّى بدوره إلى استشهاد أمين شرطة وإلى إصابة.
هذه الموجة من البيانات، أفزعت قطاعا واسعا من المصريين وكثّفت من تساؤلهم عن مدى صحّة المعلومات المتواترة عن وجود عناصر هذا التنظيم على الأرض المصرية وتنفيذهم لعمليات تستهدف أمن البلاد واستقرارها، غير أنّ المصادر الأمنية ما فتئت تفنّد هذه الأخبار وتصرّ على عدم صحّتها.
وفي هذا السياق، نقل مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق الذي ساهم في حوارات المراجعات الفكرية مع التنظيمات الإرهابية بمصر في تسعينات القرن الماضي داخل السجون، ل “العرب”، نفي كلّ من قائد الجيش المصري الثاني الميداني ورجال الأمن لوجود تنظيم “داعش” في مصر، قائلا: “منذ شهر التقيت قائد الجيش الثاني الميداني وعددا من رجال الأمن، خلال لقاء جمعنا بشيوخ القبائل بسينا، وسألته رفقة بعض القيادات الأمنية عن حقيقة وجود داعش في مصر، فأجابني بأنّ هذا التنظيم ليس له أيّ وجود على وجه الإطلاق في سيناء، وبأن معظم التنظيمات الأخرى الموجودة في البلاد تنتمي إلى فكر القاعدة وليست لها علاقة بداعش. وأيدت القيادات الأمنية التي كانت متواجدة معنا كلامه هذا”.
وفي سياق آخر، أكّد مكرم، الذي سبق له أن تعرض إلى محاولة اغتيال على أيدي الجماعات المتشددة، أنّ ما يحدث في عالم التنظيمات الإرهابية في السنوات الأخيرة أمر مختلف، فتنظيم القاعدة يتفتت ويضعف وينكمش لأسباب عدة، وتحدث به انشقاقات وخلاياه تبدل من انتماءاتها وأفكارها، ومن المتوقع أن يتحول عدد من ال”قاعديين” إلى “داعشيين”، ويعلنون الولاء لتنظيم “الدولة الإسلامية”، خاصة وأن تنظيم “جبهة النصرة”، التي خرج منه “داعش”، وهو يعتنق فكر القاعدة وينتمي إليها بالأساس، كان قد أعلن مبايعته للتنظيم، مؤخرا، وانضم إليه. وبالتالي من الوارد جدا أن يُحوّل تكفيريون ينتمون إلى القاعدة في مصر ولاءهم إلى “داعش” فكريا، لكنّها ستكون حالات فردية معزولة على ما أعتقد”.
هذا التحول الفكري والتنظيميّ الذي تعيشه الحركات الجهاديّة، يعيده مكرم إلى ضعفُ تنظيم “القاعدة” الذي أصبح يصب في صالح “داعش”، ويضيف مفسّرا في حديثه لل”العرب”، “تنظيم الدولة الإسلامية هو الأكثر إجراما، ولذلك فهو يستقطب الشباب الذي يحمل فكرا متطرفا، فمقتل بن لادن، وضعف قبضة الظواهري على تنظيم القاعدة، والفشل التنظيمي، والضربات المتلاحقة التي تلقاها، كلّها عوامل أسهمت في انكماش القاعدة، بينما يبدو داعش الذي يسوّق لفكرة أنّه يملك جيشا جرارا متماسكا، خاصّة بعد أن استولى بحسب التقديرات العراقية على أسلحة يقدر ثمنها ب 2 مليار دولار، ولديه سيطرة على أرض ممتدة من حلب في سوريا إلي الموصل فيالعراق.
وهذا يمثل قاعدة إمداد له، إلى جانب استيلائه على العديد من الثروات والمقدّرات النفطية التي يبيعها في السوق السوداء. هذا طبعا دون غضّ النظر عن الموقف الأميركي الغامض تجاه امتداد هذا التنظيم، مما يثير تساؤلات عدّة حول ارتباط واشنطن بظهوره المفاجئ.
في سياق آخر، قال اللواء صالح المصري مساعد وزير الداخلية ومدير أمن شمال سيناء السابق، ل “العرب” : “لا يوجد في مصر، بما فيها سيناء والمناطق الحدودية تنظيمات حركية تنتمي إلى تنظيم داعش، بعد أن تمكنت قوات الجيش والشرطة من القضاء على العدد الأكبر من التكفيريين، وإن كانت عمليات الجيش ما زالت متواصلة في سيناء للقضاء عليهم بشكل نهائي، فإن ظهور عناصر تنتمي إلى داعش في مصر وارد، لكن ذلك الانتماء لا يعدو ان يتجاوز الإطار الفكري فحسب، وفي حدود ضيقة، نابعة من اعتناق بعض المتطرفين للفكر التكفيري عموما”.
وأضاف مفسّرا أنّ مصر واجهت تلك الجماعات بكل قوة وعلى مدار الثلاث سنوات التالية لثورة 25 يناير 2011، حيث قال: “أنا مثلا عملت في شمال سيناء، واشتبكت قواتنا معهم مرات عديدة، وسقط منهم الكثير، واستشهد من الشرطة والجيش أعزّاء في عمليات إرهابية غادرة”، مشددا على أنّ جماعة الإخوان هي الحاضنة، وحلقة الوصل بين جلّ الجماعات التكفيرية، وهي التي تقدم لهم الدعم لنشر الفوضى في مصر، خاصّة بعد عزل محمد مرسي إبّان ثورة 30 يونيو 2013.
هذا التحول الفكري والتنظيميّ الذي تعيشه الحركات الجهاديّة، يعيده مكرم إلى ضعفُ تنظيم “القاعدة” الذي أصبح يصب في صالح “داعش”
ولدى حديثه عن جماعة الإخوان، أشار المصري إلى أنّها “لن تتوانى عن الدفع بتكفيريين لإعلان ولائهم إلى داعش وتنفيذ عمليات باسم هذا التنظيم لإثارة البلبلة الأمنية في مصر والتشويش على مسارها الذي تسير عليه اليوم، وخاصة المشروع العملاق القاضي بتطوير قناة السويس، والذي سينعكس على تحسين الوضع الأمني والاقتصادي بسيناء ومصر بشكل عام”.
كما أشار إلى وجود ارتباط بين التنظيم الدولي للإخوان وأميركا وداعش من حيث الأهداف العامة، مشددا على أنّ هذا التنظيم “صناعة أميركية، غرضه خلق الفوضى في المنطقة”.
الدكتور ناجح إبراهيم عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية السابق، والجهادي الذي خرج من السجن بعد أن مكث فيه عشرين عاما، لخص، بدوره، الحالة “الداعشية” بالقول: “هي حالة انبهار كاذب انتابت الكثير من أبناء الحركة الإسلامية في مصر وبلدان عربية.
وأضاف “أنّ هذه التجربة ستنتهي إلى انهيار كامل”، موضحا بالقول في تصريح أدلى به لل”العرب”: “لقد سبق وحدث انبهار بتنظيم القاعدة، عندما كانت تستهدف الغرب، خاصّة بعد أن نفّذت تفجيرات ال 11 من سبتمبر سنة 2001، ثمّ تفجيرات لندن، عندها كان المتحمسون من شباب الحركة الإسلامية يهتفون “الله أكبر هزمنا أميركا وانتقمنا من بريطانيا”.
لكنّه أضاف أنّه “من غير المستبعد نهائيا وجود عناصر تكفيرية، تتبنى فكر داعش في مصر، نظرا لوجود بيئة مناسبة لذلك، تتمثل في الصراع الحاصل مع تيار الإسلام السياسي، وسقوط الإخوان الذين كان يعتقد بعض شباب الحركة الإسلامية أنهم يخدمون المشروع الإسلامي، إلى جانب الانبهار الزائف بهذا التنظيم الدموي، حيث يعتقد بعض الشباب، أنه تقدم النموذج لحلم الخلافة الإسلامية، يضاف إلى ذلك أيضاً، إراقة الدماء في الصراع السياسي بمصر، ووجود رغبة إخوانية في الانتقام.
غير أنّه عاد ليؤكّد”أنّ ذلك في النهاية لن يخرج عن إطار تشكيل بعض الشباب المؤمن بالفكر التكفيري، لخلايا متناثرة بأعداد قليلة، يصنعون متفجرات أو يجلبون أسلحة، وينفذون أعمالا تخريبية ضد منشأة ما أو يقومون باستهداف قوات الجيش والشرطة، كما يحدث حاليا، ومن المستحيل أن ينجحوا في خلق تنظيم مرتبط بداعش العراقوسوريا، لقوة الدولة المصرية ونجاعة أجهزتها الأمنية، بل سينتهي الأمر بالقبض عليهم، كما سينتهي بداعش عموما إلى التفككّ والانكماش، كما حدث مع القاعدة من قبلها، ويكتشف الذين يهللون اليوم للتنظيم أنّه أضرّ بالإسلام، كما اكتشف من هلّلوا للقاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر أنها كانت سببا لاحتلال كلّ من أفغانستانوالعراق”.
من جهة أخرى، وفي موقف مخالف لما سبق، جزم الجهادي السابق، صبرة القاسمي، الخبير في شؤون التنظيمات التكفيرية، جزم ب”وجود ما لا يقل عن 3 آلاف مصري ينتمون إلى داعش، فكريا وعقائديا، وربّما تنظيميا”، على حدّ تعبيره، موضّحا في تصريح لل”العرب”: “أنّ تنظيم داعش يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي في تجنيد الشباب من أصحاب التوجهات الإسلامية، خاصّة أنّه يضمّ عددا من الجهاديين المصريين الذين سافروا إلى سوريا مع بداية الثورة هناك للإطاحة بنظام بشار، وقد تم استقطابهم للانضمام إلى داعش، ومن بينهم الآن من يجري اتصالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع رفاقه في مصر القريبين من فكره، قصد تجنيدهم، وهذا يحدث من قبل أعضاء التنظيم من مختلف الجنسيات”.
وفي ذات السياق، أضاف “أنّ أبو بكر البغدادي المسمى بخليفة المسلمين، مدين لأعضاء التنظيم المصريين الذين قاتلوا معه في سورياوالعراق، فقد نفذ عشرون شابا منهم عمليات انتحارية ضدّ قوات بشار والقوات العراقية، في صورة تضحيات من أجل قيام تلك المسماة بالدولة الإسلامية، وهذا ما مكّن أعضاء التنظيم المصريين من حقّ طلب المساعدة من البغدادي، الأمر الذي يجعل من مطالبهم القاضية باستهداف مصر تلقى تأييدا من قيادة التنظيم”.
خلاصة القول، أمام هذه الأنباء المتضاربة عن وجود عناصر في مصر ينتمون تنظيميا إلى داعش من عدمه، تعدّدت التحليلات وتواترت المعلومات التي تؤكّد والأخرى التي تنفي، وظلّ السؤال مطروحا دون إجابة كاملة.