فى منتصف ستينيات القرن العشرين خرج الشيخ يوسف القرضاوى من مصر. كان ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان واحدا من المتهمين فى قضية 65 التى أعدم فيها سيد قطب بتهمة محاولة قلب نظام الحكم. لم يتحمل يوسف القرضاوى التعذيب.. عرض على الأجهزة الأمنية التعاون.. خرج من السجن وسافر إلى قطر مباشرة، وكانت مهمته المكلف بها هى مراقبة الإخوان المسلمين الموجودين فى قطر والذين هربوا من نظام عبد الناصر. خان الشيخ إخوانه.. لكن بعد أن استقر له الحال فى الدوحة قرر أن يتمرد على مهمته.. كان النظام السياسى قد تغير فى مصر.. جاء السادات وقرر أن يحتضن الإخوان المسلمين لمحاربة الناصريين واليساريين.. وأصبحت تقارير القرضاوى عن الإخوان فى الخليج بلا قيمة. فى عهد الشيخ خليفة بن حمد آل ثان كانت هناك ملامح نهضة وتحديث فى قطر، وكان الكاتب المصرى الراحل رجاء النقاش يرأس تحرير مجلة «الدوحة».. قربه الشيخ خليفة منه، لأن النقاش قدم قطر للعالم العربى بصورة مختلفة.. فهى الإمارة التى ترعى الثقافة الرفيعة وتبسط جناحها للمثقفين. قرب رجاء النقاش من الشيخ خليفة أغضب يوسف القرضاوى.. فأفتى بكفر النقاش بسبب بعض آرائه ومقالاته.. أثارت الفتوى ضجة هائلة فى الدوحة.. ولأن الشيخ خليفة خاف من إغضاب المتطرفين والإسلاميين الذين أيدوا فتوى القرضاوى.. أغلق مجلة الدوحة، لكنه فى الوقت نفسه جمد كل نشاط للقرضاوى، وكان على وشك سحب الجنسية القطرية منه.. لكن بعض أصدقاء القرضاوى فى قطر تدخلوا لمنع ذلك. بعد هذه الواقعة اعتبر القرضاوى الشيخ خليفة عدوا له.. ولأن الشيخ حمد كان يجهز لخلافة أبيه من خلال الانقلاب فقد قرب القرضاوى منه وأجزل له العطاء. كان طبيعياً جدا بعدها أن يكون الشيخ القرضاوى هو المحلل الشرعى لانقلاب حمد على أبيه فى العام 1995. أضفى القرضاوى شرعية على انقلاب الشيخ حمد، وكان مبرره فى ذلك أن ما حدث كان استجابة لإرادة الأمة، فالقطريون هم الذين طلبوا من حمد أن ينقلب على أبيه الفاسد. لم يكن هذا صحيحا، لكن الغريب أن القرضاوى الذى أضفى شرعية على انقلاب خسيس ورخيص بدعوى أنه جاء استجابة لإرادة الأمة.. تجاهل تماما إرادة المصريين الحقيقية فى 30 يونيو، ولم ير الملايين التى خرجت لتطالب بإزاحة محمد مرسى بالرحيل عن الحكم. وتقريبا هذا هو المفتاح الذى يمكن أن نقرأ شخصية القرضاوى من خلاله.. فهو يفتى لمن يدفع.. ويجعل آراءه الشرعية فى خدمة سيده الذى يحميه ويجزل له العطاء. فتاوى الشيخ القرضاوى التى أضفت الشرعية على انقلاب حمد على أبيه جلبت عليه السخرية، فمن بين ما يردده القطريون أن الشيخة موزة طلبت من الشيخ القرضاوى ألا يتطرق فى خطبه أو أحاديثه سواء من على منبره أو فى برامجه الفضائية إلى موضوع بر الوالدين، لأن هذا الموضوع يمثل حساسية بالغة للشيخ حمد.. الذى انقلب على والده. ومثلما كان الشيخ القرضاوى فى خدمة الشيخ حمد.. كان أيضا فى خدمة الشيخة موزة. الأميرة القطرية كان أمامها تحدياً كبيراً.. فهى تريد أن تمارس دوراً اجتماعياً.. وتخلع رداء الخليج المتحفظ فى كل ما يخص المرأة.. وهنا ظهر الشيخ القرضاوى الذى كان رفيقا لها ومساندا فى كل مشروعاتها. كان القرضاوى يثنى على كل خطوات وإنجازات الشيخة موزة، عندما استطاعت الفوز بتنظيم كأس العالم فى العام 2022خرج القرضاوى بما لم يتوقعه أحد. قال فى خطبة عامة: إن نجاح قطر فى استضافة مونديال 2022 يعتبر أول نصر تحرزه دولة مسلمة على الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأضاف القرضاوى: إن إصرار القطريين على النجاح والتميز دفعه لمتابعة تطورات الملف وعلى حد قوله: جلست أمام الشاشة أراقب نتائج التصويت مثل باقى القطريين. وكان طبيعيا أن ترد موزة له الجميل، فأسست « مركز القرضاوى للوسطية الإسلامية والتجديد». فى مقدمة كتابه «فقه الوسطية والتجديد.. معالم ومنارات».. يسجل القرضاوى فضل الشيخة موزة عليه وأياديها البيضاء على مسيرته العملية والفقهية. يقول القرضاوى: كتبت منذ عدة سنين مشروعا تحت عنوان الأمة الوسط على أن تنشأ له مؤسسة تقوم عليه، قدمته لسمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة حفظهما الله، وقد اخترت الشيخة موزة بالذات لما أعلم من شجاعتها فى تبنى المشروعات الكبيرة وقدرتها على التنفيذ، وقد ساعدتنى من قبل فى مشروع « إسلام أون لاين» فى الفترة الحرجة فى بداية تأسيسه ولا عجب أن تتبنى هذا المشروع». وبعد ثورة 30 يونيو، عندما منعه الشيخ تميم من الخطابة لعدة أسابيع بضغوط من دول الخليج بسبب إساءاته المتكررة على حكام الخليج والطعن فيهم والهجوم على مصر وثورتها.. تدخلت الشيخة موزة لتعيده مرة أخرى إلى الخطابة.. لكن أمام الضغط الكبير على ابنها من قبل السعودية والإمارات تراجعت وتركت الشيخ يواجه مصيره. قطر استخدمت الشيخ القرضاوى ببراعة فى تحقيق أهدافها كان يوجه سهام فتاويه إلى خصوم الإمارة الصغيرة.. أفتى بقتل القذافى أثناء الثورة الليبية، وأفتى بشرعية الخروج على حسنى مبارك.. وكفر بشار الأسد.. ولعن زين الدين بن على. وقد يكون من أسود أيام مصر عندما نزل القرضاوى ميدان التحرير ليصلى الجمعة بالمصريين ويخطب فيهم فى أول جمعة أعقبت رحيل مبارك، وكأنه من صنع الثورة.. أو كأنه يريد أن يقول: إنه مندوب الأمير الذى ادعى أنه مول الثورة وأنفق عليها. المخزى أن القرضاوى أفتى بأن الانتخابات الرئاسية فى مصر بعد 30 يونيو حرام.. لكن المصريين طعنوه وأكدوا له أن فتاواه لا تساوى ثمن الحبر الذى تكتب به فنزلوا إلى الانتخابات الرئاسية واختاروا رئيسهم. والمفرح أنه حتى المصريين الموجودين فى قطر نزلوا الانتخابات ورفعوا علم مصر وهتفوا لبلدهم ولمرشحهم.. وكأنهم كانوا يقولون للقرضاوى مت بغيظك.