تعرب المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن رفضها الشديد لتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية والذي أقره مجلس الشعب يوم الخميس الماضي الموافق 12 ابريل لعام 2011، حيث يعد التعديل على صورته الحالية انحرافا دستورياً واستغلالاً لسلطة البرلمان ليجور بها على الشعب. وكان مجلس الشعب قد وافق في تعديله على إضافة بند جديد رقم 4 على المادة الثالثة من القانون رقم 73 لسنة 1956، لينص على "أن تقف مباشرة الحقوق السياسية لكل من عمل خلال العشر سنوات السابقة على 11 فبراير 2011 رئيسا للجمهورية أو نائبا لرئيس الجمهورية أو رئيسا للوزراء أو رئيس الحزب الوطني الديمقراطي المنحل أو الأمين العام له أو عضوا بمكتبه السياسي أو أمانته العامة وذلك لمدة عشر سنوات ابتداء من التاريخ المشار إليه". وقد جاء ذلك في أعقاب قيام نائب الرئيس السابق السيد عمر سليمان بالتقدم رسميا للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، وهو الأمر الذي أثار حفيظة العديد من القوي السياسية وعليه هرع البرلمان إلى سن هذا القانون لمنع ترشح أقطاب النظام السابق. وهنا وبقراءة سريعة لتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية نجد أن هناك جملة من الملاحظات القانونية والحقوقية التي تستدعي الوقوف أمامها ولو لبراهة، أولها أنه بالرجوع إلى نص المادة الثالثة من قانون مباشرة الحقوق السياسية نجد أنها تنص على أنه "تقف مباشرة الحقوق السياسية بالنسبة للأشخاص الآتي ذكرهم: 1. المحجور عليهم مدة الحجر 2. والمصابون بأمراض عقلية المحجوزون مدة حجزهم 3. الذين شهر إفلاسهم مدة خمس سنوات من تاريخ شهر إفلاسهم ما لم يرد إليهم اعتبارهم قبل ذلك وهنا يقتضي القول أن الإيقاف يختلف عن الحرمان، إذ إن الحرمان يحمل معني العقوبة، أما الإيقاف فلا يحمل هذا المعني، والحجر يكون بحكم قضائي، أما الحجز لمرضي العقول فيكون بقرار من مجلس مراقبة الأمراض العقلية، أما المحرومون من مباشرة حقوقهم السياسية فهم وفقا لنص المادة الثانية من ذات القانون فهم يتمثلون في: 1. المحكوم عليه في جناية ما لم يكن قد رد إليه اعتباره. 2. من صدر حكم محكمة القيم بمصادرة أمواله، ويكون الحرمان لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم. 3. والمحكوم عليه بعقوبة الحبس في سرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب أو إعطاء شيك لا يقابله رصيد أو خيانة أمانة أو غدر أو رشوة أو تفالس بالتدليس أو تزوير أو استعمال أوراق مزورة أو شهادة زور أو إغراء شهود أو هتك عرض أو إفساد أخلاق الشباب أو انتهاك حرمة الآداب أو تشرد أو في جريمة ارتكبت للتخلص من الخدمة العسكرية والوطنية، كذلك المحكوم عليه لشروع منصوص عليه لأحدي الجرائم المذكورة، وذ لك ما لم يكن الحكم موقوفا تنفيذه أو كان المحكوم قد رد إليه اعتباره. 4. المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية في إحدي الجرائم المنصوص عليها في المواد من41 إلى 51 من هذا القانون، وذلك ما لم يكن الحكم موقوفا تنفيذه، أو كان المحكوم عليه قد رد إليه اعتباره. 5. من سبق فصله من العاملين بالدولة أو القطاع العام لأسباب مخلة بالشرف ما لم تنقض خمس سنوات من تاريخ الفصل إلا إذا كان قد صدر لصالحه حكم نهائي بإلغاء قرار الفصل أو التعويض عنه. ومن وهنا وبعد قراءة كلا من المادتين الثانية والثالثة من قانون مباشرة الحقوق السياسية المتعلقة بالحرمان أو الإيقاف لمباشرة الحقوق السياسية، يتبين أن الحرمان أو الإيقاف- الذي يحمل معني الحرمان- لا يكون إلا بحكم قضائي ولهذا فإن التعديل الذي أقره مجلس الشعب على هذا النحو يتناقض مع ما سبق من ضرورة وجود حكم قضائي ونهائي بل ونافذ، لأنه لا يجوز وضع عقوبة بدون جريمة. ثانيهما: يتعلق بالتصديق على القانون، وهي السلطة التي منحتها الفقرة الخامسة من المادة 56 من الإعلان الدستوري للمجلس العسكري، ولكن في ذات الوقت لم ينظم هذا الإعلان حق الاعتراض على القوانين وكيفية الاعتراض وشروطه، كما كان يفعل ذلك نص المادة113 من دستور1971والتي كانت تنص على أنه " إذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس الشعب رده إليه خلال ثلاثين يوما من تاريخ إبلاغ المجلس إياه، فإذا لم يرد مشروع القانون في هذا الميعاد اعتبر قانونا وأصدر، وإذا رد في الميعاد المتقدم إلى المجلس وأقره ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه اعتبر قانونا وأصدر، أما وقد خلا الإعلان الدستوري من أي تنظيم يتعلق بممارسة حق الاعتراض فلا يمكن القياس في هذا الشأن أو الزعم بوجود عرف دستوري. والتفسير السليم وفق صحيح النص أن حق الاعتراض مكفول للمجلس العسكري دون ارتباط بأية مواعيد أو إبداء أية أسباب. الجانب الثالث في هذا القانون؛ أن القانون على النحو السالف يتناقض بشكل جلي مع مبدأ مهم في قانون العقوبات إلا وهو عدم نفاذ القانون، فإذا كانت اللجنة العليا للانتخابات قد فتحت باب الترشح للمواطنين لمنصب رئيس الجمهورية وفتحت الباب لجمع التوقعيات في العاشر من مارس لعام 2012، وأغلقت باب الترشح في الثامن من ابريل لعام 2012، وبالتالي لا يجوز بأي حال من الأحوال الاعتداء على حقوق المتقدمين المدنية والسياسية، وأن أي اعتداء فهو جريمة لا يجب أن يقع فيها التشريع، لكون هذا الأ مر يتناقض مع المادة 19 من الإعلان الدستوري والتي تنص على أن "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، وبالتالي فإن الغاية من التشريع الذي يجب أن تستهدف أساساً المصلحة العامة ومن ثم إذا خرج المشرع عن هذا الهدف كان التشريع معيبا بعيب الانحراف وهو يكون ذلك بطبيعة الحال إذا كان التشريع يهدف إلى تحقيق مصلحة فردية أو جماعية لمجموعة من الأشخاص أو من الأحزاب السياسية أو كان هدفه الإضرار بفرد أو مجموعة من الأفراد بذواتهم أو فئة من الناس على غير من تقتضيه المصلحة العامة. الجانب الرابع: يشوب هذا القانون عيب عدم الدستورية، وذلك لسببين أساسيين الأول هو اتصال هذا القانون بقانون مباشرة الحقوق السياسية – وقانون الانتخابات الرئاسية والذي تطلب من بين شروط الترشح لرئاسة الجمهورية وفقا لنص المادة 26 من الإعلان الدستوري على أن يكون المنتخب متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، ولهذا يري البعض اتصال تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية بقانون الانتخابات الرئاسية وهو ما يستوجب عرضه على المحكمة الدستورية العليا، ونحن نؤيد ذلك لاستحالة الطعن بعدم الدستورية على هذا القانون من جانب المستبعدين من مرشحي الرئاسة. وهنا وفي ضوء الملاحظات سالفة الذكر؛ تري المنظمة أن تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية على النحو السابق مخالف بشكل جسيم لمعايير حقوق الإنسان ولكافة الاتفاقيات الدولية المعنية بالحقوق المدنية والسياسية وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي صادقت عليه مصر وأصبح نافذا منذ عام 1983، لأن القانون قد وضع جريمة بدون عقوبة وتجاهل بشكل جلي مبدأ عدم رجعية تطبيق القوانين وعدم تطبيقها بأثر رجعي، وخاصة أن الضرورة كانت تقتضي أن تتضمن المشاريع القانونية التي سيقرها مجلس الشعب كافة الجوانب الشكلية والموضوعية الصحيحة وأيضا أن يكون النصوص الصادرة تتفق والمعايير الدستورية والمواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان حتى يكون التشريع نتاج عمل متقن وأكثر استجابة لمتطلبات التغيير ومكتسبات الثورة في كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبالتالي فلكي يكون النص التشريعي سليما من الناحية القانونية ومتسقا مع أحكام الدستور ومصاغا بدقة ووضوح خالي من أي شوبة أو عوار وأن لا يستخدم عبارات مطاطة تحمل معاني كثيرة ، ولهذا تطالب المنظمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة برفض التصديق على القانون، وفي حالة التصديق عليه أ ن يعدل القانون لينص على أن يكون قرار الحرمان بموجب حكم قضائي ومن تاريخ إعلان الإعلان بالجريدة الرسمية.