■ اللعبة الكبرى كانت فى جنوب السودان.. فتطوير العلاقات معها أصاب إثيوبيا بالهستيريا ■ مصر أهدت حكومة الجنوب معلومات خطيرة عن الانقلاب عليها.. وتعاون اقتصادى وعسكرى وتعليمى بين البلدين
■ أمير قطر يزور الجزائز لإيقاف صفقات الغاز لمصر.. ويقدم مليار دولار للبشير
انقطاع الكهرباء وخسائر الأهلى وحرب التوكيلات بين السيسى وحمدين ومذبحة أسوان وعنف الإخوان.. قضايا ساخنة لا تخرج عنها حوارات الناس ولا الصحف ولا الفضائيات، لكن خلف هذه الحوارات الساخنة معركة أخرى ساخنة جدا خطيرة جدا، لكنها لا تلفت الأنظار إليها. ليس من باب أنها معركة خاسرة، بل لأن أطراف اللعبة أنفسهم لا يبالغون فى الإعلان عن هذه الصفقات، وربما لا يعلنون عنها من الأساس، فخارج إطار اهتماماتنا أو بالأحرى مصائبنا اليومية وخناقاتنا الانتخابية. ثمة معركة من النوع القذر، معركة قطرية خاسرة وفاجرة لحصار مصر وتركيعها من السودان لإثيوبيا للجزائر رحلات مكوكية لأمير قطر ورشاوى نقدية مباشرة وضغوط ومشاورات، وكلها ضد مصر الثورة. الهدف هو تعطيش المصريين وحرمانهم من شرايين الحياة. رشوة للسودان لتعطيش مصر وحرمانها من مياه النيل، وطلعة قطرية باءت بالفشل للجزائر لإفشال صفقة استبدال الغاز الجزائرى بالغاز القطرى.
تبدو الجزائر بعيدة إلى حد كبير فى علاقات مصر الخارجية الآن، وربما منذ ثورة 25 يناير، لم تقو العلاقات بعد حكم الإخوان -مثل قطر -أو تتزايد العلاقات معها بعد ثورة 30 يونيو -مثل الإمارات والسعودية والكويت- ولكن الجزائر تتطلب منا اهتماما خاصاً وعلى أعلى مستوى.قد لا تكون الجزائر قد أعلنت مواقفها السياسية من التغيرات فى مصر بشكل علنى أو واضح، لكنها أرسلت ولا تزال ترسل إشارات مهمة لمصر، وقد التقطها الآخرون، تصدر الجزائر لمصر غاز البوتاجاز منذ سنوات طويلة، وكانت الحكومة الجزائرية تمنح تسهيلات كبرى- تسهيلات خاصة بالسعر والبيع (على النوتة) أو (شكك) - وكان الموقف الجزائرى نوعاً من الاعتراف بدور مصر فى تحرير الجزائر والعلاقات الطيبة القديمة منذ أيام عبدالناصر، ولم يحدث أن خلفت الجزائر وعدها ولا غازها سوى مرة واحدة بعد المباراة المشئومة بين مصر والجزائر فى السودان، والهجوم القذر على الجزائر والمسئولين به لأن الوريث جمال مبارك كان يحضر المباراة، وبعدها طالبت الجزائر مصر بتسديد ديونها ومتأخرات ثمن الغاز، وأعلنت الجزائر انها ستوقف توريد الغاز لمصر بسبب المديونية بل وطالبت مصر بأن تدفع سعر الشحنات مقدماً، ولكن العقلاء فى البلدين احتووا الأزمة على المستوى الرسمى، وعاد الغاز الجزائرى للتدفق لمصر، وكانت مصر تستورد كميات تتراوح بين 500 و600 ألف طن سنويا، وفى ذلك الوقت كان هذا الرقم يمثل نحو 50% من احتياجات مصر من غاز البوتاجاز والغاز الطبيعى. وفى عهد مرسى وإخوانه أرسلت الجزائر إشارة سياسية مهمة مغلفة بدبلوماسية تجارية. فقد رفضت الجزائر إمداد مصر بالغاز على المدى القصير، وذلك خلال زيارة رئيس الحكومة الإخوانى هشام قنديل، وتعللت الحكومة بزيادة الطلب المحلى من الغاز، وظهرت تفسيرات وتحليلات لهذا الموقف.أولها أن الجزائر طلبت أن يتعهد مرسى بعدم دعم إخوان الجزائر، وأما التفسير الثانى فهو أن الجزائر لم تتقبل الانقلابات الحادة من الإخوان لكل ما هو قومى وعربى، وربما يعزز هذه التفسيرات تغير موقف الجزائر من قضية تصدير الغاز لمصر. فقد أبدت الجزائر فى مارس الماضى موافقتها المبدئية على تصدير شحنات جديدة من الغاز والمفاوضات الآن على السعر. بل إن بعض الصحف الجزائرية تحدثت صراحة عن أن الغاز الجزائرى سيكون بديلا للغاز القطرى لمصر، وفى نفس التوقيت زار أمير قطرالجزائر فى زيارة رسمية فسّرها البعض بأنها محاولة قطرية لكسر العزلة الخليجية المفروضة عليها، وفسرها آخرون بأنها طلب من قطر للوساطة الجزائرية فى الخلاف الخليجى، وبتاريخ قطر المعادى لمصر الثورة خشى البعض أن يكون من ضمن أهداف الزيارة عرقلة حصول مصر على الغاز الجزائرى، لكن الجزائر أعلنت بالأمس عن بدء تصدير الغاز لمصر وبمعدل 4 شحنات شهريا، ولكن -فى جميع الحالات- يجب أن نتابع بمنتهى الحرص والدقة نتائج أو توابع هذه الزيارة. ليس من باب أن الجزائر قد تتعرض للضغوط بل حتى لا تلعب أطراف أخرى فى أى اتفاقيات مستقبلية بيننا وبين الجزائر. فنحن نتعامل حتى الآن مع الجزائر باعتبارها بئر الغاز فقط، وذلك على الرغم من إمكانات التعاون الاقتصادى الهائلة بين مصر والجزائر، ولا بد أن تنتقل علاقتنا بالجزائر إلى مستوى أعلى من حكاية تصدير الغاز، خاصة أن الشركات المصرية -وتحديدا المقاولات العامة - تحظى بسمعة وتاريخ طيب.يجب أن نحمى علاقتنا ومصالحنا بخطوات استباقية لأى عملية مخابراتية تحاول تشويه العلاقة مع الجزائر.فقطر تدرك أن الغاز الجزائرى هو أحد شرايين الحياة لمصر.
ليس فى العنوان أى خطأ، فالمعركة السرية ليست فى علاقة قطر بسودان البشير.فالكل فهم لماذا زار أمير قطر السودان، والكل ربط بين تبرع قطر بمليار دولار وبين الاتفاق العسكرى بين السودان وإثيوبيا، ولكن اللعبة أو الجيم فى جنوب السودان أن مصر التى حافظت على علاقتها بالسودان لن تتجاهل جنوب السودان، البداية جاءت عبر تعاون أو هدية من المخابرات المصرية، فقد أبلغت جنوب السودان بالنية للانقلاب الفاشل على حكومة الجنوب، وكان الانقلاب يهدف إلى مزيد من تفتيت السودان. هو أمر لا تقبله مصر، ثم تطورت العلاقات مع الجنوب ببطء ولكن بثقة وتوسع. فهناك دفعات من الضباط والجنود من جنوب السودان سينضمون إلى الدورات التدريبية للمؤسسة العسكرية المصرية، وهناك أيضا رغبة من جنوب السودان بنقل الخبرة المصرية الإدارية للجنوب، وبعثات اقتصادية وتعليمية، وعلى الطريقة الدبلوماسية فإن جنوب السودان ستبنى سفارة جديدة تعكس المستوى الجديد من العلاقات، ويربط بعض المحللين تزايد حدة اللهجة الإثيوبية ضد مصر بتحركات مصر تجاه الجنوب، فجنوب السودان دولة مهمة ورقم حاسم فى طريق استعادة مصر دورها ومكانتها الإفريقية، خاصة أن جنوب السودان من الدول التى عانت من التنظيم الدولى للإخوان وألعابه فى الحقيقة فإن أول مسمار فى نعش تقسيم السودان إلى دولتين كان سقوط القومية هناك، واستبداله بحكم الإخوان بها، فعبر عقود كثيرة لم تنجح دعاوى الانفصال، ولكن اتجاه الدولة للأخونة والحكم الإسلامى ساهم فى حسم قضية الانفصال، وإذا كانت مصر لم ولن تعادى السودان رغم مواقفها من أزمة السد واتفاق إثيويبا، فإن ذلك لا يعنى إلا أن تطور مصر علاقاتها مع جنوب السودان، وهى خطوة تأخرت كثيرا، ولكن الأوان لم يفت بعد، وقد حققت مصر هدفًا مهمًا على طريق استقرارها حينما سعت إلى تطوير علاقاتها بجنوب السودان، فتطوير العلاقة مع الجنوب ضربة معلم أصابت إثيوبيا بهستيريا.