1 - بدأت فى 2012 ... ويبدأ تطبيقها بعد الانتخابات البرلمانية لأول مرة: خطة السلفيين للوصول إلى السلطة فى مصر
لم يكن ما قاله يونس مخيون رئيس حزب النور الأسبوع الماضى زلة لسان، أو كلاما غير مقصود، بل كان يقصد ما قاله تماما، وعنى كل كلمة خرجت منه.
كان يتحدث عن دور حزب النور فى الحياة السياسية خلال الفترة القادمة، فقال إن السعى لتولى إدارة البلاد ليس معناه تولى الرئاسة، فالسلطة بعد إقرار الدستور الجديد مقسمة بين الوزارة والرئاسة، والحكومة تتشكل من الأغلبية فى مجلس النواب عن طريق وجودنا فيه، والحكومة تساهم فى إدارة البلاد، فالأمر يختلف هنا عن رئاسة الجمهورية.
فى كلام يونس مخيون بعض الجديد وبعض القديم.
أما القديم فيه فهو أن حزب النور ومن ورائه السلفيون لا يريدون حكم البلاد، بل يريدون إدارتها، وهذه بالمناسبة فلسفة السلفيين منذ الثورة، فقد عارضوا بشدة أن يكون هناك مرشح للتيار الإسلامى، وفى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية انحازوا إلى عبد المنعم أبو الفتوح، لأنه كان من وجهة نظرهم الأقرب إلى الصيغة المدنية من مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسى، لكنهم لما وجدوا المواجهة فى الجولة الثانية من الانتخابات بين أحمد شفيق ومرسى انحازوا إلى مرشح الإخوان دون تردد.
فالسلفيون على ثقة أنهم سيفشلون فى حكم البلاد، من ناحية لأنهم يفتقدون القدرة على الحكم، ومن ناحية ثانية لأنهم يعرفون أن مؤسسة الجيش ما كان لها أن تسمح بأن تخرج السلطة من بين أيديهم، ثم وهذا هو المهم، لقد لجأ السلفيون إلى حيلة أكثر ذكاء من الإخوان، وهى أن يساهموا فى إدارة البلاد، ثم تدريجيا يصلون إلى مفاصل الدولة التى ساعتها يمكن أن تكون تحت أيديهم بسهولة ودون عناء.
أما الجديد – قد يكون جديدا على كثير من الناس وليس علينا – فهو خطة السلفيين فى الحصول على الأغلبية البرلمانية فى البرلمان القادم، وفى هذه الحالة يمكن لهم أن يشكلوا الحكومة دون عناء، وهو ما سيمكنهم من تنفيذ أفكارهم، وأقول إن هذا ليس جديدا، لأن السلفيين من اليوم التالى لعزل محمد مرسى عملوا من أجل ضمان البرلمان القادم، نزلوا إلى القرى والكفور والمحافظات البعيدة، وحلوا محل الإخوان فى مساندة الأسر، وكفلوا الكثيرين وساعدوا الكثيرين، لأنهم عرفوا مبكرا أنهم سيحتاجون إلى ملايين الأصوات فى الانتخابات البرلمانية، ولن يكون عجيبا أو مدهشا أبدا أن يحصل السلفيون على الأغلبية فى البرلمان، فيونس مخيون لا يتحدث فعليا من فراغ.
لكن الكلام المبطن الذى لم يفصح عنه يونس مخيون وأرجأه إلى وقته، هو أن الحزب لا يفكر فى الرئاسة الآن، لكن ليس معنى هذا أنه لا يفكر فيها أبدا.
وهنا أتوقف أمام واقعة لم تتطرق إليها الصحافة المصرية كثيرا، وأعتقد أنها المرة الأولى التى تنشر فيها هذه التفاصيل.
ففى 13 – 14 أكتوبر 2012 قامت مجلة البيان السلفية بتنظيم مؤتمر فى اسطنبول شارك فيه ما يقرب من 140 ممثلا عن التيارات السلفية فى 17 دولة عربية.
فى هذا المؤتمر تم إقرار ميثاق شرف بين السلفيين، وتم تقديم مجموعة أوراق حول القضايا الجديدة وواقع العمل السلفى وإعادة النظر فى الموقف من العمل السياسى عموما.
افتتح المؤتمر رئيس تحرير مجلة البيان د. أحمد الصويان، وأوضح أن الدافع لعقد المؤتمر سببان، الأول ما يطلق عليه فزاعة السلفيين، والحملة الإعلامية عليهم والتخويف منهم، وتشويه صورتهم فى الإعلام، والثانى ما تتيحه الثورات الديمقراطية العربية من فرص جديدة للعمل السلفى وميادين مختلفة لم تكن متاحة فى السابق.
كانت الكلمة الأكثر أهمية فى هذا المؤتمر هى كلمة عبد الرحمن عبد الخالق، وهو أحد القيادات السلفية الكبيرة والمؤثرة فى العالم العربى، وهو سلفى كويتى من أصول مصرية، وكان من بين من أسسوا تأصيل أهمية العمل السياسى بالنسبة للسلفيين، وذلك على عكس كثيرين من شيوخ السلفية فى مصر والعالم العربية.
أوضح عبد الخالق فى كلمته أن القبول بالنظام الديمقراطى اليوم يأتى بوصفه مرحلة انتقالية، وليس بديلا عن النظام الإسلامى، وذلك أفضل من النظام الديكتاتورى على أية حال، فالنظام الديمقراطى يتيح فرصًا وإمكانيات للسلفيين لا تتوافر فى النظام الاستبدادى، لكن يبقى الهدف النهائى هو إقامة خلافة إسلامية راشدة.
كان المزاج السلفى الذى سيطر على المؤتمر هو ضرورة المشاركة فى العمل السياسى، ومراجعة أدبيات السلفيين السابقة التى كانت تحظر العمل السياسى وتعتبر الديمقراطية كفرا، لكن هذا المزاج لم يمنع من التأكيد على ضرورة الحفاظ على ثوابت الدعوة السلفية بحفظ الدين أى تصحيح العقائد والأحكام الدينية.
كان الاجتهاد الذى توصل إليه عبد الرحمن عبد الخالق، وهو بالمناسبة أحد المجددين الكبار فى الفكر السلفى وله سطوة فكرية على السلفيين فى العالم العربى، أن السلفيين يجب أن يستفيدوا بشكل كامل من الثورات الديمقراطية، ولكن على طريقتهم.
هذه الطريقة تم تحديدها فى أن الجماعات السلفية لا تؤمن بالديمقراطية كجوهر وفلسفة يمكن أن تكون فاعلة فى الحياة السياسية، ولكن يؤمنون بالديمقراطية كآليات وأدوات يمكن من خلالها أن يصلوا إلى الحكم بالتدريج، لكن وبعد أن يتمكنوا من الوصول إلى السلطة، فلا مكان للديمقراطية، فهى معدة للاستخدام بالنسبة لهم مرة واحدة فقط.
هذه الفكرة تحديدا تشكل خطة السلفيين فى الوصول إلى الحكم، ولأنهم يؤمنون بالآليات فإنهم يحشدون أنفسهم من أجل الانتخابات البرلمانية، التى يمكن بعد أن يحصلوا على الأغلبية خلالها يمكن أن يشكلوا الحكومة، وهو ما يتيح لهم القدرة على إدارة أمور شئون البلاد، وخلال ذلك يمكن أن يتمكنوا من فرض أفكارهم وسيطرتهم بما يتيح لهم فى الوقت المناسب أن يطرحوا مرشحا رئاسيا تكون الأرض ممهدة أمامه تماما دون أى معوقات.
يستخدم السلفيون الديمقراطية على طريقة العقرب والضفدع، لقد طلب العقرب من الضفدع أن يحمله على ظهره ليعبر به النهر، فرفض الضفدع وقال له أخشى بعد أن أعبر بك أن تلدغنى، لكن العقرب تعهد له بألا يفعل ذلك، اقتنع الضفدع وحمل العقرب على ظهره، وبمجرد أن وصل إلى ضفة النهر لدغه العقرب، ولما نظر عليه الضفدع معاتبا قبل أن يموت، قال له العقرب ساخرا: عذرا يا صديقى فالطبع يغلب التطبع.
يعمل السلفيون معنا بنفس المنطق، وقد تكون كلمات يونس مخيون كاشفة فى هذا الإطار تماما، ربما يكون قصده، وربما يكون أطلقها ليربك حسابات البعض، فحزب النور فعليا يعتبر نفسه أنه الحزب الوحيد الذى لم يحصل على حقه من الغنيمة بعد ثورة يونيو، فكل الأحزاب المدنية والجماعات السياسية حصلت على ما تريد أو تعتقد أنها تريد، لكن الحزب قدم الدعم الشرعى لثورة يونيو – هو يعتقد ذلك – ثم انزوى خلف الستار.
صحيح أن الحزب لم ينزو ولكن كان يعمل من أجل الانتخابات البرلمانية التى قرر أن يحصل على الأغلبية فيها، لأنه يعتبر نفسه لم يحصل على شىء، وقد آن الأوان ليطل برأسه ويحصل على ما يعتقد أنه حقه.
المواجهات مع التيارات التى تريد أن تحكمنا باسم الإسلام لم تنته، وأعتقد أن مواجهة حزب النور ومن ورائه التيارات السلفية المختلفة ستكون موجة من موجات الثورة القادمة، يمكن أن ينجحوا فى الانتخابات البرلمانية، ويمكن أن يحصلوا على الأغلبية ويمكن أن يشكلوا الحكومة، وساعتها ستبدأ المشكلات.
يعتقد السلفيون أنهم الأكثر ذكاءً من الإخوان، وأنهم يمكن من خلال التقية التى يتعاملون بها مع الجميع أن يتخفوا حتى يحصلوا على ما يريدون، لكنهم لا يدركون أن تركيبة الشعب تغيرت، وأن تجربة الإخوان ضربت فرص كل من يتحدث باسم الدين ويريد أن يحكم وكيلا عن الله.
لن نتعجل المواجهة بالطبع، لكننا فقط نحذر منها ونرى آثارها بوضوح، لا أريد أن أقول إن المجتمع سيستيقظ على كارثة، لكن هذا ما سيحدث بالفعل.
2 - احتلوا شاطئ قرية الروضة الخضراء ولا أحد يعرف هويتهم
تنظيم «أبويوسف».. ميليشيات مجهولة تتدرب على أعمال القتال بملابس الجيش فى الإسكندرية
لن يكون صعبا على الأجهزة الأمنية أن ترصد ما يحدث فى قرية الروضة الخضراء، وهى قرية توجد بمنطقة أبو يوسف على طريق العجمى بالإسكندرية فى اتجاه مرسى مطروح.
منذ ما يقرب من شهر وعلى شاطئ القرية التى تعتبر مهجورة تماما فى الشتاء وتخلو من سكانها ولا يوجد بها الآن إلا محل واحد مفتوح ولكنه بدون بضاعة – فأغلبهم من خارج الإسكندرية – تم رصد قيام مجموعة تقترب من خمسين شابا، يقومون بالتدريب كل يوم الساعة السابعة صباحا على الأعمال القتالية وتدريبات الدفاع والهجوم.
الشباب فى نفس السن تقريبا منتصف العشرينات، ويتميزون ببنيان جسمانى قوى، ويرتدون ملابس أقرب ما تكون إلى ملابس الجيش المموهة، لدرجة أنك لا تستطيع أن تميز بين ملابسهم وملابس الجيش، فهى تكاد تكون متطابقة تماما «بنطلون جيش وفانلات كات مموهة»، وقد يكون هذا من أجل عدم لفت الانتباه لهم، على اعتبار أنهم ينتمون إلى المؤسسة العسكرية.
لكن الإجراءات التى تقوم بها هذه المجموعة تشير إلى أنهم مجموعة سرية، فأثناء التدريبات تقف مجموعة من الناضورجية يمنعون اقتراب أحد من شاطئ البحر، كما أن المتدربين يحيطون المنطقة التى يتدربون فيها بسور من الحصير.
الشباب المجهولون – على الأقل حتى الآن – لا يتدربون على استخدام الأسلحة النارية، ولم يلحظ أحد ممن رصدوهم بأيديهم حتى أسلحة بيضاء، لكنهم يتدربون بالأساس باستخدام العصى والشوم، وبعضهم تدريباتهم عنيفة إلى درجة كبيرة.
الإجراءات الغارقة فى السرية والحذر التى يقوم بها الشباب تشير إلى أن تدريباتهم ليست من باب الرياضة، لكن هناك أهدافًا أخرى، خاصة أنهم يواظبون على التدريب يوميا، ويمنعون أى أحد من الاقتراب منهم وكأنهم يخفون شيئا، وهو ما يعنى أننا أمام مجموعة ليست عابرة ولابد من التحرى عنها وجمع معلومات حولها، حتى لا نفاجأ بعد ذلك أننا أمام تنظيم يعمل على الفوضى والتخريب ضمن المجموعات التى تنتمى لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة أن الجماعة ورغم حالة الإجهاض والإجهاد التى تحاصرها إلا أن هناك من بين شبابها من يصر على أن ينتقم على الأقل لمن ماتوا بعد أحداث 30 يونيو وتحديدا فى فض اعتصامى رابعة والنهضة.
لقد قرر عدد كبير من شباب جماعة الإخوان المسلمين اللجوء إلى العمل السرى بعد أن تم تقويض الجماعة، وحتى تستعيد هذه المجموعات قدرتها على العمل والمواجهة فلابد أن تدخل فى معسكرات للتدريب على أعمال القتال، ويبدو أن هذا المعسكر الذى يقام بشكل يومى من بين هذه المعسكرات، وهو ما يجعلنا ننبه إلى خطره، خاصة أنه قد لا يكون الوحيد، فحتما هناك أماكن أخرى يتم فيها التدريب وبنفس الدرجة من المواظبة والجدية.
عدد من سكان المنطقة وهم قليلون الآن جدا، وبعض الزائرين للمنطقة بشكل عابر، لفت نظرهم ما يحدث فى المنطقة، ولأن قرون الاستشعار بالخطر لدى المصريين جميعا أصبحت تعمل بكفاءة نادرة الآن، فقد شكك من رصد تحركات هؤلاء الشباب بأنهم يمثلون خطرا من نوع ما على الأمن وعلى سلامة المواطنين، ولم يكن أمامهم إلا نقل هذه المعلومات لنا، وها نحن نضعها أمام من يهمه الأمر، هذا إذا كان هناك بالفعل من يهمه الأمر الآن فى مصر.