أعرف أننى أدخل إلى مساحة بعيدة عن الضوء.. فالجميع يتحدث الآن عن المواجهة بين الشعب المصرى بمختلف طوائفه وجماعة الإخوان المسلمين، وهل يمكن أن يكون لدينا بعد ذلك جماعة أصرت على أن تجعل من الإرهاب طريقها ووسيلتها لاستعادة ما تعتقد أنه مكاسبها.. لكن هناك من ينتظر الضجة أن تهدأ.. والغبار أن يحط على الأرض.. ليضع يده على بقايا الجماعة التى أوشكت على التفتت، ويعيدها إلى الحياة مرة أخرى.. بعد إصلاح ما أفسده قادتها وعلى رأسهم محمد بديع. لكن المفاجأة أن هؤلاء لم ينتظروا حتى يروا نتيجة المعركة بين الشعب والجماعة، لكنهم بدأوا مبكرا.. ورغم أن بعضهم كان منشقا عن الجماعة، وبعضهم تم تجميد نشاطه بالفعل، إلا أنهم عادوا إلى أحضان الجماعة مرة أخرى.. ظهروا على مسرحها – كل بطريقته – حتى إذا وضعت الحرب أوزارها تذكر لهم شباب الجماعة أنهم عادوا إلى جماعتهم وقت الشدة فيلتفون حولهم من جديد.
الغريب أن هؤلاء خرجوا على الجماعة لأسباب موضوعية.. أولها وأهمها أن المناخ الذى يسيطر على الجماعة فاسد، وأن الانتخابات التى أجريت فى العام 2009 لاختيار أعضاء مكتب الإرشاد كانت مزورة لأنها أجريت بناء على لائحة مزورة.. ورغم أن الجماعة لم تصلح شيئا مما أفسدته، بل زاد فسادها، إلا أن المنشقين عادوا مرة أخرى، وأعلنوا وقوفهم إلى جوار من اضطهدوهم وأخرجوهم من حضن الإخوان واغتالوهم معنويا- كما قالوا هم نصا- ولم يكن السبب راجعا إلى نزاهتهم السياسية أو تعاطفهم الإنسانى، ولكن طمعا فى أن يرثوا الجماعة التى كانوا – ومازالوا- يرون أنهم الأحق بها من صقور أضاعوها باستبدادهم وغبائهم.
لن أتحدث بالتجهيل أكثر من هذا، بل سأكون مباشرا وأحدد الأسماء التى أقصدها وهى بالترتيب: الدكتور إبراهيم الزعفرانى.. وخالد داود رجل الأعمال الإخوانى.. والمهندس هيثم أبو خليل.. وحامد الدفراوى، وكلهم كانوا قيادات سابقة بجماعة الإخوان، وخرجوا منها بعد زلزال انتخابات 2009 التى قالوا إنها مزورة، وكان من المفروض أن يخرج معهم عصام العريان.. إلا أنه خانهم فى اللحظة الأخيرة بعد أن تمكن من الدخول إلى مكتب الإرشاد.. فأطلقوا عليه «يهوذا الجماعة» فى إشارة واضحة إلى خيانته.. ولكن معهم فى هذا المعسكر أيضا حلمى الجزار، إلا أنه لم يجاهر برأيه، لأنه لم يكن يتحمل مئونة ولا مشقة أن يخرج من الإخوان.. لأنه كان أضعف من أن يتحمل انتقام الجماعة ممن يخرج منها أو عليها.
الإخوان استسلهوا الطريق فى التعامل مع هذه القيادات – باستثناء العريان والجزار بالطبع – وأطلقوا عليهم وقتها – 2009- إخوان المباحث، فى إشارة إلى أن ما يقومون به ليس من فعل أمن الدولة التى استطاعت تجنيدهم، وأن ضباط الأمن هم من يدفعونهم دفعا إلى إجراء حوارات فى الصحف لتشويه الجماعة والانتقاص من قدرها، خاصة أن الانتقادات صادرة من قيادات لهم وزن وثقل تاريخى فى الإخوان، ولا يمكن لأحد أن يشكك فيهم أو يطعن فى مصداقيتهم.
دارت الدائرة على الإخوان.. وبعد أن كانوا فى صدارة المشهد يمسكون بأطراف السلطة، وجدوا أنفسهم خارجها، ليس هذا وفقط، ولكنهم وجدوا الجماعة نفسها تنهار، لم يصدق قادة الإخوان ولا من يتبعونهم بغفلة إلى يوم الدين أن النهاية اقتربت، ولذلك ظلوا يخدعون أنفسهم بأن الجماعة باقية وأن مرسى عائد لا محالة إلى قصر الرئاسة.
واحد فقط فيما يبدو من بين من كانوا فى رابعة العدوية كان يدرك أن الجماعة انتهت تماما، وأنه يمكن أن يجدد أمله فى أن يتصدر مشهدها، بعد أن أبعدوه عنها طويلا، وهو عصام العريان الذى لم يظهر على منصة رابعة كثيرا، فعندما تقارن ظهوره بظهور محمد البلتاجى أو صفوت حجازى فستجد أنه تقريبا لم يساهم بشىء يذكر.
ربما اعتقد العريان أن الأمر يمكن أن يمر، أن يصلوا إلى حل سياسى لفض رابعة دون أن يتدخل الجيش والشرطة للفض، ووقتها ستكون الجماعة فى حاجة إلى قيادة حكيمة وعاقلة وأفراد لم تحترق وجوههم لإنقاذ وقيادة السفينة الغارقة.. ولذلك أجرى العريان اتصالات مكثفة بعدد من الرفاق القدامى كان على رأسهم إبراهيم الزعفرانى الذى كان عضو مجلس شورى الجماعة قبل تجميدها، وكذلك خالد داود وحامد الدفراوى وعدد من قيادات الجماعة بالمحافظات.
أراد العريان أن يتواجد هؤلاء فى اعتصام رابعة بشكل واضح، حتى يعرف شباب الجماعة أنهم انحازوا للجماعة فى وقت الشدة، وأنهم لم يتركوا المعركة، ويجلسوا متفرجين، وعندما تحين لحظة تصعيد هؤلاء مرة أخرى، يكون التمرير سهلا لا عناء فيه، بل إن الشباب سيتقبلهم خاصة أنهم صوروا أنفسهم طويلا على أنهم الجناح الإصلاحى داخل الجماعة، والذين خاضوا معارك ضارية من أجل إصلاح الجماعة التى اختطفها صقور التنظيم الخاص وفى النهاية أوردها موارد التهلكة.
استجابات من قصدهم العريان كانت مختلفة، فبينما كان حامد الدفراوى متحفظا وأعلن دعمه للجماعة دون أن يكون وراء هذا الدعم للجماعة مقصد أو مصلحة، وهو تقريبا ما فعله خالد داود، إلا أن استجابة إبراهيم الزعفرانى وهيثم أبو خليل كانت أقوى وأعنف.. بل وأكثر شراسة.
استغل إبراهيم الزعفرانى وهيثم أبو خليل أحداث الحرس الجمهورى وأعلنا عن انضمامهما إلى اعتصام رابعة بشكل كامل، ولأن هيثم أبوخليل تعود على أن يفلسف الأمور لصالح ما يعتقد أنه صواب، فقد قال قبل أن يذهب إلى رابعة: سأعتصم أنا وجميع منشقى الجماعة، لأنه كما نجح فشل مرسى فى توحيد كثير من معارضيه، نجح العسكر فى جعل الجميع يتحد ضدهم ووحدنا مع الإخوان.
حاول إبراهيم الزعفرانى أن يترجم ما ادعى هيثم أبو خليل أنه سيحدث- اعتصام جميع منشقى الجماعة فى رابعة- ودعا بالفعل عبدالمنعم أبو الفتوح والدكتور كمال الهلباوى من أجل الذهاب إلى رابعة، لكنه لم يفلح فى إقناع أى منهما، وبعيدا عن موقف أبو الفتوح المراوغ، فإن كمال الهلباوى رفض الاستجابة تماما، بل أصبح واحدا ممن فضحوا قيادات الجماعة وأطماعهم.. بل إنه توقع هذه النهاية المفجعة لاعتصام رابعة.
الغريب أن هيثم أبو خليل وإبراهيم الزعفرانى حاولا استقطاب ثروت الخرباوى إلى جبهتهما.. إنهما يعرفان تأثيره ومصداقيته لدى قطاعات كثيرة من الشعب، خاصة أنه كان مخلصا فى خروجه من الإخوان ونقده لهم، ولم يكن على حرف، أعلن مبكرا جدا أنه خرج عن المشروع الإخوانى ولم يخرج فقط من التنظيم، وكانوا يدركون أن ثروت تحديدا لو أعلن أنه يؤيد الإخوان بكلمة واحدة.. أو لو قال إنه سينضم إلى رابعة لكان لهذا أثر بالغ.. لكن ثروت الخرباوى رفض كل محاولات الزعفرانى وهيثم أبو خليل.. ولأنهما واصلا الإلحاح عليه، فقد حذفهما من صفحته على الفيس بوك حتى يتخلص تماما من صداعهما وإلحاحهما عليه.
لقد ذهب إبراهيم الزعفرانى بالفعل إلى اعتصام رابعة العدوية بل وصعد إلى المنصة وألقى كلمة حماسية، لكن ما يؤكد أن الجماعة لم تفتح قلبها للزعفرانى أنه لم يتم التعامل معه بما يليق، فمن قدمه من خلال إذاعة المنصة لم يشر من قريب أو بعيد إلى أنه كان قيادياً إخوانياً.. ولا أنه كان أحد أقطاب إخوان الإسكندرية، ولكن اكتفى فقط بقوله: والآن مع كلمة أحد الشرفاء (الزعفرانى ألقى كلمته يوم الأربعاء 24 يوليو 2013).
لم يكن هذا هو فقط التجاهل الذى تم مقابلة إبراهيم الزعفرانى به.. فقد شكك فيه قيادات الإخوان الموجودين، بل إنهم حذروا بعضهم منه، وأكدوا على عدم الحديث معه فى أسرار الاعتصام أو خطط الجماعة فى المواجهة.. وكانت حجة القيادات فى ذلك أنه لو عرف شيئا فيمكن أن ينقله للأمن.. وكأنهم لم ينسوا أبدا خروجه إلى الإعلام ونشر غسيل الجماعة القذر على الملأ، ومن يومها تعاملوا معه على أنه مباحث.. وكأنهم وصموه إلى الأبد.
المؤسف أن إبراهيم الزعفرانى بالغ فى نفاقه للجماعة ورئيسها المعزول فى كلمته من على منصة رابعة العدوية، فأشار إلى أن مرسى قال فى آخر كلمة وجهها إلى الشعب: محدش يسرق ثورة مصر.. ليزيد الزعفرانى قوله: وللأسف الشديد هم عاوزين يسرقوا مصر كلها مش ثورتها بس.. يسرقوها من معسكر المقاومة والشرف وأداء الواجب إلى معسكر الخنوع وقتل الشعب.
ولأن إبراهيم الزعفرانى الذى يشير من يعرفونه إلى أنه يعشق الزعامة كان يريد أن يتقرب إلى قيادات الجماعة بأى طريقة، فإنه تملق محمد البلتاجى، عندما قال: كنت سعيداً عندما قال أخى محمد البلتاجى إن الداخلية بلطجية، ويقدر يقول العسكرجية كمان.. لأن هذا انقلاب بلطجية.
من حق إبراهيم الزعفرانى أن يرى ما يريد بالطبع.. وأن يأخذ الموقف الذى يريده أيضا.. ولن نتدخل فى نيته أو ضميره، ونقول إنه فعل ذلك سعيا وراء مغنم، لكن الوقائع تشير إلى أنه ما ذهب إلى رابعة العدوية إلا من أجل أن يجعل نفسه من بين الورثة الشرعيين للجماعة التى انهارت بعد عام واحد من الوصول إلى الحكم.
وضعية هيثم أبو خليل لم تختلف كثيرا عن إبراهيم الزعفرانى، صحيح أنه لم يصعد إلى منصة رابعة العدوية، لكنه فى الوقت نفسه كان أحد الأبواق الدعائية التى أرادت أن تخدع المصريين بأن قضية الإخوان حق والجميع على باطل، ولأن هيثم يعشق الزعامة هو الآخر، فقد قرر أن يشارك بما هو أكثر فى دعم الإخوان المسلمين.
ومن بين ما ينسب إلى هيثم أبو خليل أنه كان أحد الداعمين لمظاهرات الإخوان فى الإسكندرية، بل كان دائم التنسيق فى أمر هذه المظاهرات مع فؤاد علوان مسئول المظاهرات فى المكتب الإدارى التابع للجماعة فى الإسكندرية، وكان أبو خليل كذلك من المشاركين فى مظاهرة أنصار مرسى فى سيدى جابر، وهى المظاهرة التى انتهت بإلقاء عدد من الأطفال من أعلى عمارتهم فى مشهد أقل ما يقال عنه إنه كان منافيا تماما لكل الأعراف الإنسانية والأخلاقية، لكن يبدو أن هذا المشهد الذى كان هيثم قريبا منه لم يحرك فيه ساكنا، بعد أن غلبه هواه الإخوانى.
لقد نفض هيثم أبو خليل يده من قيادات الإخوان المسلمين، فقد قسا بعضهم عليه، واغتالوه معنويا.. فنتيجة كتاباته النقدية أوقفته الجماعة ثلاثة أشهر.. وهو ما دعاه إلى أن يوجه رسالة مطولة إلى محمد بديع، وهى الرسالة التى قدم لها فى كتابه إخوان إصلاحيون بقوله: « بدأت أدفع ثمن كتاباتى، وتم التعسف معى وإيقافى تنظيميا، فوجهت رسالة للدكتور محمد بديع مرشد الجماعة، لكنها ذهبت أدراج الرياح، لكنها ستظل فى ذاكرة الجماعة تفضح التعسف نتيجة اختلاف وجهات النظر».
ورغم أن الرسالة تكشف كثيرا من خبث الإخوان، إلا أنها تكشف لنا جانبا من جوانب شخصية هيثم أبو خليل، فهو أحد المشتاقين الكبار فى الجماعة، وهو ما نراه فى ختام رسالته.
يقول نصا: يا فضيلة المرشد جاءت لى عشرات الإيميلات وهاتفنى الكثير، ومنهم من نصحنى بترك الإخوان والتركيز فى مجال حقوق الإنسان الذى أعمل به، لأن هذا إهدار للوقت وضياع للمجهود، فالجماعة كيان ضخم وموضوعى سيتم تجاهله، والصف الإخوانى متربٍ على تقبل إعدام المخالفين ووصفهم بأنهم خبث، فبماذا تنصحنى فضيلتك؟
يا فضيلة المرشد: سأنتظر عودتك بعد أيام من أداء العمرة، وأضع هذا الخطاب بين يديك، فموقفك منى أثمنه عندما قلت لن يوقف أحد فى موضوع اختلاف وجهات النظر أو آراء إلا بعلمى وإذن منى، أما من يصرون على سياسة القبضة الحديدية على العقول بل الأنفس فأقول لهم: افتحوا قلوبكم وعقولكم واتقوا الله، فما أنتظر منكم بعد الإيقاف؟ هل أنتظر فتحكم لمعتقل لحبس الشاردين والمخالفين والمعارضين؟
ولأن محمد بديع لم يكن صاحب حول ولا طول فى الجماعة، فقد تصرف مع هيثم أبو خليل أصحاب القبضة الحديدية، وهو ما جعل من قلمه سيفا على بعضهم، ومن أهم ما كتبه مقال مطول نشره على حلقتين وكان عنوانه: خيرت الشاطر المفترى عليه والمفترى علينا، فى تناص مع كتاب أنيس منصور « عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا».. وحقيقة الأمر أن هيثم لم يتحدث عن خيرت الشاطر المفترى عليه إطلاقا، بل كان كل ما كتبه عن خيرت الشاطر المفترى عليه وعلى أمثاله فى الجماعة من الناقدين والمخالفين لقيادات الإخوان.
فرغ هيثم من قيادات الإخوان وراح يبحث عن شبابها، وقد راهن عليهم وأهدى إليهم كتابه إخوان إصلاحيون بقوله: إهداء إلى شباب وبنات الإخوان المسلمين، إلى الأمل الذى نعول عليه كثيرا فى إحداث التطوير والمراجعات التى تليق بجماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين.
دخل هيثم أبو خليل إلى رابعة العدوية من أجل هؤلاء الشباب، من أجل أن يجلس إليهم ويقول لهم إنه موجود.. حتى إذا ما حانت لحظة توزيع التركة يكون له نصيب فيها، لكن يبدو أن توالى الأحداث والمواجهة الكبيرة التى تدور على الأرض الآن بين الشعب والجماعة، قضت على أى مستقبل لأى إخوانى سواء كان حالياً أو سابقاً.. فلا فرق بين الصقور والحمائم، لا فرق بين الإصلاحيين والرجعيين، لا فرق بين المجددين والمتجمدين.. كلهم إخوان، فيهم نفس البذرة التى ذرعها حسن البنا.. وتركها لتنبت لنا كذبا وخداعا ومراوغة وخرابا.
■ ■ ■ ■
يبقى سؤال أعتقد أنه مهم، وهو إذا كان إبراهيم الزعفرانى وهيثم أبو خليل دخلا اعتصام رابعة العدوية، فمتى خرجا منه على وجه التحديد؟ وهل هربا مع الهاربين الذين تركوا الشباب وراءهم أثناء الفض؟ لماذا لم يظلا فى المواجهة ليمنعا جحافل الشرطة من التقدم.. أم أن الحديث عن الشهادة والتضحية من أجل القضية التى قالوا إنها عادلة ليس إلا هتافات فارغة تطلق من فوق المنصات وعلى الصفحات الشخصية عبر شبكات التواصل الاجتماعى؟..
لقد رحل قادة الجماعة إلى السجون.. وبقى من يحلمون بوراثة عرش حسن البنا.. لكن عندما تتأمل الصورة عن قرب لن تملك إلا أن تقول.. بئس السلف وبئس الخلف.
العريان طلب من إبراهيم الزعفرانى وهيثم أبو خليل وخالد داود وحامد الدفراوى الانضمام إلى اعتصام رابعة حتى يعرف شباب الجماعة أنهم نصروا الإخوان فى محنتهم