شاركت النساء المصريات في الحراك الوطني والثوري المصاحب لثورة 25 يناير منذ إرهاصاتها المبكرة وفي موجاتها المتتابعة، ومع ذلك توالى تهميش النساء من المسار السياسي بدءا من إقصائهن عن لجنة التعديلات الدستورية على دستور 1971، ثم إلغاء حصة المرأة في البرلمان (كوتة المرأة) في الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكري، وكذلك ضعف تمثيل النساء في الجمعية التأسيسية الأولى لكتابة الدستور ثم في لجنة إعداد الدستور الحالية، ذلك إلى جانب كافة محاولات إلغاء حقوق ومكتسبات النساء وإقصاء النساء عن مواقع صنع القرار. وقد جاءت الطامة الكبرى في دستور 2012 الذي لم يكتف بتهميش تمثيل الناشطات النسويات في مسار كتابته وإنما خرج في ديسمبر 2012 وقد تجاهل حقوق النساء بما يؤسس لجمهورية لا صوت ولا تمثيل ولا حق فيها لجموع النساء المصريات.
فالمؤسسة تتقدم بعرض موفقها من المواد التي تضمنتها تعديلات لجنة الخبراء على دستور 2012، وكلنا أمل أن تؤخذ رؤيتنا في الاعتبار وأن يتاح لنا مجال المشاركة في إدراج حقوقنا في الدستور المصري.
أولا: جاءت المادة (11) في التعديلات الأخيرة تنص على الآتي: "تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة، ورعايتها، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية، وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة ".
فانهم يعترضون على نقطتين جوهريتين. فالصيغة "مساواتها بالرجال" لا تشير إلى حق النساء في المساواة باعتباره مبدأ عاما، وهو ما يتم ترسيخه لاحقا في عبارة "دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية" بما يوحي بأن المساواة تتعارض مع الشريعة الإسلامية، ومن هنا يجب حذف تلك العبارة من هذه المادة خاصة في ظل وجود المادة (2) في الدستور والتي تنطبق على كافة ما يليها من مواد، وإلا كان لزاما إضافة عبارة "دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية" في متن كل مادة من مواد الدستور.
ثانيا: جاءت المادة (38) لتنص على الآتي: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو النوع أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو لأي سبب آخر."
وتأتي تلك المادة لتنص على المساواة وعدم التمييز دون ضمانات لتنفيذها، ودون تأكيد على تكافؤ الفرص ودون تجريم للتميز.
فانهم يقترحون أن يتم تعديل هذه المادة كالآتي: "المواطنون والمواطنات لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، وتكفل الدولة تكافؤ الفرص بينهم جميعا في جميع المجالات، كما يجوز اتخاذ تدابير تشريعية أو غيرها لحماية أشخاص أو فئات معينة للنهوض بأوضاعهم. ويجرم التمييز ضد أي مواطن أو مواطنة بسبب الجنس أو النوع أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو لأي سبب آخر."
ثالثا: جاءت المادة (60) تنص على الآتي: "لكل طفل فور الولادة الحق في اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية .وتلتزم الدولة برعايته وحمايته عند فقدانه أسرته، وتكفل حقوق الطفل المعاق وتأهيله واندماجه في المجتمع .ويحظر تشغيل الطفل في أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره فى التعليم .ولا يجوز احتجاز الطفل إلا لمدة محددة، وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه فى مكان مناسب؛ بعيدًا عن أماكن احتجاز البالغين."
ويعيب تلك المادة عدم النص صراحة على سن الطفولة، ومن هنا يجب تحديد سن الطفولة وفقا للمعايير الدولية ومواثيق حقوق الطفل التي تحدد سن الطفولة من الميلاد وحتى 18 عاما. كذلك لا تضمن تلك المادة أدنى حماية للأطفال من مخاطر عمالة الأطفال، وهو ما يجب تجريمه في الدستور. وأخيرا لا تضمن المادة حق الأطفال في عدم التمييز على أساس الجنس، وحماية جسدية ونفسية.
رابعا: جاءت المادة (66) تنص على الآتي: "تحظر كل صور القهر، والاستغلال القسري للإنسان، وتجارة الجنس، وغيرها من أشكال الاتجار بالبشر، ويجرم القانون هذه الأفعال، ويحدد العقوبات التي توقع على ارتكاب أي منها."
ونظرا إلى أنه تمت الإشارة إلى تجريم الاتجار بالبشر في المادة 45 فلا داع لتكرار الإشارة إليها هنا بربطها بتجارة الجنس بما يوحي بقصر الاتجار بالبشر على تجارة الجنس. وبالتالي فإننا نطالب بإلغاء عبارة "تجارة الجنس" بحيث يصبح النص كالآتي: "تحظر كل صور القهر، والاستغلال القسري للإنسان، وكافة أشكال الاتجار بالبشر. ويجرم القانون هذه الأفعال ويحدد العقوبات التي توقع على ارتكاب أي منها."
خامسا: جاءت المادة (191) لتحدد نظام الانتخابات فيما يلي: "تكون انتخابات مجلس الشعب والمجالس المحلية التالية لتاريخ العمل بالدستور بنظام الانتخاب الفردى ".
إن قصر الانتخابات البرلمانية والمحلية على النظام الفردي يعيدنا إلى سيطرة الأموال وسيادة العصبية والقبلية على الانتخابات والحياة السياسية، كما يؤدي إلى إضعاف الحياة الحزبية الناشئة بدلا من دعمها وبنائها في الساحة السياسية المصرية بما يهدد المسار الديمقراطي المأمول. كما يساهم النظام الفردي في إبعاد وتهميش النساء في الانتخابات نظرا إلى الثقافة السائدة في المجتمع وعدم سيطرة النساء على الموارد المالية اللازمة بما يؤدي إلى عدم ضمان وجود تمثيل نسائي عادل في المجالس النيابية والمحلية.
ومن هنا يجب أن ينص الدستور على الجمع بين النظام الفردي ونظام القوائم، مع تحديد حصة عادلة (كوتة) للنساء في المجالس المنتخبة لضمان قدر من تكافؤ الفرص في البرلمان والمحليات.