أثار الهجوم الذى تعرض له مؤخرا مسجد "الإمام رضا" أكبر مسجد للشيعة في العاصمة البلجيكية بروكسل، والذى أودى بحياة إمام المسجد عبدالله دحدوح المشهود له بالورع وحرصه الشديد على وحدة المسلمين، مشاعر الاستياء فى الشارع البلجيكى، خاصة بين المسلمين، كما تسبب هذا الهجوم في حيرة بالأوساط الرسمية في بلجيكا. وكان مسلم يقيم بطريقة غير شرعية في بلجيكا، قد أحرق مسجد الرضا التابع للجالية الشيعية في حي أندرلخت الشعبي غرب العاصمة بروكسيل، وأدى إلى وفاة الإمام عبدالله دحدوح اختناقا داخل المبنى وإصابة شخصين. وفور وقوع الحادث، بدأت سلطات مكافحة الإرهاب تحقيقاتها فيما لا تزال الشرطة غير متأكدة من هوية المشتبه به الذي تحتجزه كما يسود بين مسلمى بلجيكا شعور بالحيرة بشأن الدوافع الحقيقية للجانى، لاسيما وأنه لا توجد أية خلافات مذهبية بين المسلمين، إضافة إلى أن إمام المسجد لم يكن يشتغل بالسياسة على الاطلاق. وأجمعت الأحزاب والجمعيات الدينية (إسلامية ومسيحية) في بلجيكا، على إدانة هذا الهجوم، وأكدت أن هذا العمل "لا يمكن قبوله في بلد مثل بلجيكا التي تعترف رسميا بكل الأديان وتساوي بين مختلف الجاليات والطوائف، على أساس التعايش السلمي واحترام جميع المعتقدات. وحتى الآن لم يكشف المحققون سوى عن معلومات مقتضبة حول المشتبه به، فهو وفقا لما أسفرت عنه التحقيقات حتى الآن، رجل ناهز الثلاثين من العمر، استطاع بحسب روايات شهود عيان، التسلل بعد صلاة العشاء إلى المسجد القابع بحى "اندرلخت" وهو أحد الأحياء الفقيرة بالمدينة وكان بحوزته فأس وسكين وعبوة بنزين سكبها على سجاد المسجد وأضرم فيها النيران وقالت المدعية الاتحادية لين نيوتس - التى تسلمت ملف القضية أمس الأربعاء - إن المشتبه به اعترف خلال التحقيقات أنه مسلم "سلفي"، لافتة إلى أن هذا الاعتراف يعد واحدا من فرضيات أخرى عديدة قد تفسر الدوافع الحقيقية لهذه الجريمة. وأوضحت نيوتس - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط - أن المشتبه به هو حديث عهد بالإقامة في بلجيكا، ولا يملك أوراق إقامة رسمية في البلاد، كما أنه سبق أن استفز إمام مسجد الرضا والمصلين، مرات عديدة، باعتداءات لفظية ذات طابع طائفي. وأكدت نيوتس أن المشتبه به قدم ثلاث بطاقات مختلفة لتحقيق الهوية ولا تزال جهودا تبذل لمعرفة أي من هذه البطاقات هي الصحيحة فى إشارة ضمنية إلى احتمالات وجود دوافع سياسية أكثر خطورة أو عمل إرهابي وراء هذا الهجوم. يذكر أن إمام مسجد "الإمام رضا" (46 عاما) قد لقى حتفه جراء استنشاق الدخان عند محاولته إطفاء النيران التى أضرمت فى المسجد الذى يتكون من طابقين اثنين بينما أصيب رجل أخر بجروح. ويعيش في حي اندرلخت البلجيكي - الذى يضم إلى جانب مسجد "الامام رضا" معبد يهودي على مسافة غير بعيدة وكنيسة نوتردام الكاثوليكية - عدد كبير من المهاجرين من شمال إفريقيا ويعيشون ظروفا اقتصادية صعبة ويعانون من زيادة فى معدلات البطالة فى صفوفهم. ويقول سكان حى "اندرلخت" إن مسجد "الامام رضا" كان بمثابة مركز ثقافي، كما أنه كان يعد أكبر مسجد شيعي من بين أربعة مساجد في بروكسل وإنه بالرغم من وحوده فى حى، الغالبية الساحقة من سكانه من السنة، إلا أن هذا الأمر لم يكن يوما مثار خلاف فى أوساط الجالية المسلمة. وتضم بلجيكا جالية كبيرة من المسلمين يشكلون نحو 6% من مجموع السكان البالغ عددهم 11 مليونا يعيش معظمهم في بروكسل وأنتويرب وشارلروا، وتشير بعض التقديرات إلى أن المسلمين يشكلون حوالي ربع سكان بروكسل البالغ عددهم نحو مليون نسمة تقريبا. كما أثار هذا الهجوم مشاعر الخوف لدى "جمعية المسلمين البلجيكيين" من انتشار العنف الطائفي في حال حدوث عمليات انتقامية ردا على هذا الاعتداء حتى إن الجمعية قد بادرت إلى تنظيم "مسيرة بيضاء انطلقت من المسجد الذي شهد الاعتداء إلى مقر قصر العدالة البلجيكي، من أجل مناشدة السلطات القصاص من الجاني دون إبطاء للحيلولة دون قوع أحداث مماثلة. وانطلقت خلال المسيرة نداءات إلى جميع المسلمين للالتزام بمبدأ التعايش السلمي بين الجاليات والطوائف والأديان في بلجيكا، فى هذا الوقت بالذات، الذي تتعالى فيه أصوات اليمين المتطرف المعادية لوجود الأجانب، والمسلمين منهم بشكل خاص.