ربما يموت الحب.. وأحيانا يموت الطير.. وتارة تموت الأزهار.. والمؤكد أن يموت الإنسان.. لكن هل يموت التعاطف؟ هل تموت المشاعر الإنسانية؟! هل نفقد معنى للرحمة كنا قد أفسحنا له يوما مكانا فى قلوبنا؟ تعودت أن أسأل نفسى كلما خبت مشاعرى أو ماتت أحاسيسى أو سكننى الكُره تجاه شىء ما أو شخص ما: ماذا فعل هو ليخنق نبضات إنسانيتى تجاهه؟.
فالحب يموت حين يُروى باللامبالاة.. والتعاطف يُغتال حين تسكنه سهام الحقد.. والمواساة تتوارى حين يسقط المعنى الحقيقى للقضية..
إبان حكم الملك فاروق، كان الإخوان المسلمون يدركون تماما أن المثلث الذى يحكم الدولة هو مثلث قاعدته الإنجليز وضلعاه هما حزب الوفد والقصر الملكى.. فكان التنقل بين أضلاع المثلث هى الخطة المُثلى للتواجد.. (مُدلسين)..
لكن هذا حتما لم يمنع حسن البنا من أن يطلب من السفارة الأمريكية تكوين مكتب مشترك بين الإخوان والأمريكان لمكافحة الشيوعية، أو هكذا حاول البنا استمالة أمريكا لتحقيق مصالح الجماعة، كما أوشت مخابرات الجماعة للحكومة الأمريكية بمعلومات مفيدة عن الشيوعيين المعروفين للأمريكان للتخلص منهم.. .(عُملاء)..
لم يخل أبدا تاريخ الإخوان من سلسلة التحالفات التى أعقبها خصومة أو غدر بالحلفاء، فهم جماعة لم تُخلص أبدا إلا لنفسها، فلا الإسلام كان دينا أخلصوا له، ولا الحكومات أو الأحزاب التى دعمتهم كثيرا أقروا يوما بجميلهم.. (غادرون)..
كانت فترة حكم النقراشى باشا بمثابة انتكاسة للجماعة المهزومة، فقد استطاع أن يكشف حقيقتهم الملوثة ونواياهم الدنيئة، فقام الرجل دون تباطؤ باعتقال حسن البنا وأحمد السكرى بناء على الشك فى تلوث أيدى الجماعة بدماء أحمد ماهر باشا (وكانت تلك هى الحقيقة) كما أخضع الرجل نشاط الجماعة وجميع تنظيماتها للمراقبة الدقيقة، فاستغلت الجماعة إمكانات كوادرها فى التخريب والإرهاب، فقاموا باغتيال حكمدار القاهرة، والقاضى الخازندار ونفذوا عددا من التفجيرات فى بعض المنشآت الاقتصادية وأقسام البوليس، ولما عزم النقراشى حل الجماعة وأصدر أمراً بتعطيل جريدتهم اليومية.. لجأوا إلى الملك يستعطفونه ويؤكدون سلمية دعوتهم.. ولما أصر النقراشى على موقفه تمت تصفيته جسديا ليصبح أحد ضحايا الجماعة الإرهابية الكثيرين.. .(قتلة).
فى أعقاب التوقيع على اتفاقية الجلاء فى 27 يوليو 1954 اتخذ الإخوان موقفا رافضا منها، ولكن استمر عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة فى طريقهم دون تراجع مُقرين التوقيع النهائى على الاتفاقية، وأثناء إلقاء عبد الناصر خطابه الشهير بميدان المنشية، قام الإخوان بمحاولة اغتياله، ودون تردد قام النظام بشن حملة اعتقالات واسعة ضد الإخوان وتشكيل مُحاكمة عاجلة لمحاكمتهم سُميت باسم (محاكمة الشعب) فأُعدم بعضهم، وسُجن الباقون.. (عصابة).
حتى اليوم لايزال يختلف المؤرخون عمن كان وراء حريق القاهرة، ففى 26 يناير 1952، التهمت النيران 700 مكان ما بين محلات وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ فى شوارع وميادين وسط المدينة، أى أن النيران أحرقت كل المظاهر الحضارية للقاهرة وشلت كل مراكز التجارة بها، وأشارت بعض أصابع الاتهام وقتها إلى أن الملك فاروق كان وراءها ليتخلص من وزارة النحاس باشا، وبالطبع هذا كلام لا يعقل، وهناك من اتهم الإنجليز، وأدانت أغلب الأصوات الإخوان المسلمين، لكن لم تظهر حتى الوقت القريب أدلة مادية تدين أى طرف فى إشعال هذه الحرائق، ولذلك بقى حريق القاهرة لغزاً انتظر الحل طويلا.. (مُخربون).
إلى أن كان الأمس القريب فتكشفت كل الحقائق، وعاودت الجماعة الإرهابية العمل بنفس الطريقة القذرة وعادت أصابعهم الدنيئة تهدم بنفس الأسلوب.. عادت الجماعة المُتذرعة بالدين المُلتحفة بالسلمية تقتل وتحرق وتزهق أرواحاً من أجل كرسى الحكم الذى حلموا طويلا بجلوسهم عليه وتوهموا أنهم سيعتلونه للأبد، فتشتت عقولهم حين أطاح بهم الشعب بعيدا وأقصاهم بلا عودة.
لن أتحدث عن ترويعهم لسكان رابعة اسابيع طويلة، ولن أتحدث عن حجم الخيانة والأضرار التى تمت برعاية رئيسهم الخائن أراجوز المرشد، ولن أتحدث عن الخراب المجتمعى والإفراج عن عتاة الإجرام واحتواء بؤر إرهابية وأخونة الدولة.. ولكننى سأتحدث عن مذبحة قسم كرداسة التى لا يتصورها عقل ولا تستوعبها أحاسيس بشر.. مات من مات فى فض الاعتصام من الطرفين..
مات هذا وذاك ولكن مذبحة كرداسة التى امتدت أيادى هؤلاء الكفار فيها على الضباط ليقتلوهم ويمثلون بجثثهم ويسبوهم ويشعلوا النار فى أجسادهم ثم يتبولون عليهم وسط التكبير والهتاف.. مذبحة لا تقل فى فظاعتها عن مذبحة الهولوكوست.. إننى أطالب أجهزة الدولة بسرعة القبض على الجُناة وإعدامهم فى ميدان عام ليصبحوا عبرة وعظة لكل من تسول له نفسه إراقة نقطة دم مصرية.
ومرة أخرى يتم تصفية الجنود الأبرياء بنفس الطريقة البشعة التى تمت من قبل، وأعتقد أنها لن تكون الأخيرة.. مهما حاولتم الهروب أو الاختباء فستطاركم أبدا لعنات أهالى الجنود الغلابة الذين كانوا لا يرجون من الله سوى عودة أبنائهم إلى أحضانهم، ولا يرجون من الدنيا سوى أن يناموا على لحم بطونهم مطمئنين على أن الابتسامة مازالت ترتسم على شفاه أبنائهم بعد انتهائهم من فترة التجنيد.. إنهم مؤمنون بقضاء الله، مطمئنون إلى القصاص الإلهى.. لكن دعواتهم ستظل خناجر فى صدوركم تؤرق نومكم إلى يوم الدين.. فهنيئا لكم ما حصدتم.
وضرباتكم لن تكون أبدا قاصمة لظهر الجيش ولا مؤامرة لتركيع مصر، فمصر القوية، شامخة القامة ستقف فى وجوهكم وسترد إليكم الطعنة طعنات.
الدم المصرى ليس كله حرام يا سادة، فمن قتل يُقتل ولو بعد حين.. ومن بدأ بالعنف سينقلب العُنف ضده.. إنكم هذه المرة تمدون أيديكم إلى حماس.. إلى حُماة الإرهاب، إلى أبناء حضارة التكفير والتكبير.. فلا أنتم شهداء ولا نحن متعاطفون..
اسمح لى يا سيادة المرشد أن أقول لك أننى أشعر بالرثاء لك والاشمئزاز منك، فاليوم أنت تقع فى قبضة الشُرطة بعدما ساومت على النجاة بحياتك فى مقابل التخلى عن حضور دفنة نجلك (هذا وإن كان قد مات فعلا)، وما أرخص المقايضة! لكن تعودناك ترتدى ملابس النساء وتتخفى وراء الجدران، فمن أين إذن تأتيك أخلاق الرجال؟ سيدى لم نحزن لمكروهك، ولم نتعاطف مع وفاة ابنة البلتاجى.. بل فى الواقع تأبى دموعنا أن تسقط أو أن تسكن المحاجر من أجلكم ولا من أجل قتلاكم.
لقد فقدتم كل مكان للرحمة فى قلوبنا كنا قد أفسحناه لكم من قبل.. وأغلقنا أبواب المغفرة فى وجوهكم العكرة.. وأقصينا تماما فكرة المصالحة معكم.. صدقونى انتهت جماعة الإخوان تماما من فوق خارطة مشاعر المصريين.. حين إنكشف الغطاء عن وجهكم القبيح.
هل تُداخلكم الدهشة؟ هل تستغربون كلماتى؟ هل تشعرون بالاضطهاد؟!
على مر تاريخ مصر العريق كنا نظن أن الإرهاب والاحتلال يجيئنا من الخارج، وتأكدنا اليوم أنكم كنتم دوما رعاة الإرهاب وخفافيشه، خرجتم من رحم الظلام وها أنتم تنتهون إلى أحضانه مرة أخرى.
لقد أحرقتم القاهرة يوما، ولم تنكشف الحقيقة.. وها أنتم تحرقونها من جديد ولكن هذه المرة لم تعد النيران لغزا ولم تعد خطاياكم سرا.
ها أنت اليوم تحرقون غصنا فتشتعل بكم الشجرة.. ها أنتم اليوم تقتلون طيرا فتموت كل العصافير فى أعشاشكم.. ها أنتم اليوم تقتلعون نبتا فتجف الأرض كلها تحت أقدامكم.. وها أنتم اليوم تزرعون شوكا فتحصدون كل يوم بحورا من الدماء.. أعزائى لصوص جماعة الإخوان.. عفوا لقد نفد رصيدكم..