تشهد محافظات مصر حالة من القلق والرعب بعد انتشار مرض الحمى القلاعية الذي يهدد الثروة الحيوانية فى مصر. وقد كشف الاندلاع الواسع لوباء الحمى القلاعية في شتى أنحاء العالم النقاب عن مشكلة تهدد الثروة الحيوانية في العالم وتهدد الأمن الغذائي العالمي ولذلك كان لابد لنا من وقفة نتحدث خلالها عن هذا المرض الخطير .. من العسير تحديد مدى انتشار هذا المرض في أي وقت من الأوقات, وبالنظر إلى استحالة المكافحة الفعالة ضمن الموارد المتاحة فإن العديد من البلدان تحجم عن تحديد الحجم الكمي للمشكلة القائمة؛ وعوضاً عن ذلك فإنها تسعى إلى مواجهة العواقب فحسب. يتسم مرض الحمى القلاعية بالأهمية من حيث آثاره على التجارة الدولية بسبب ما يخلّفه من عواقب مالية، فالبلدان النامية تسعى جاهدة لمنع انتشار المرض فيها لأنه يؤدي إلى خفض إنتاج الألبان، وإلى تباطؤ معدل نمو قطعان الماشية، مما يعني إلحاق خسائر جسيمة بها. وبسبب الآثار الخطيرة لهذا المرض على جميع المستويات كان لابد لنا من إعداد هذا البحث المبسط الذي يعطينا بعض المعلومات عن هذا المرض وآثاره وطرق انتشاره ومخاطره ووضعنا كذلك تحليلاً مبسطاً لمشكلة الحمى القلاعية من الجانب الأخلاقي والاقتصادي والقانوني .. ما هو مرض الحمى القلاعية ؟ يسمى بالإنجليزية مرض (الظلف والفم) أو مرض (أفتوسا) وهو مرض فيروسي سريع الانتشار المرض يصيب الحيوانات ذات الظلف المشقوق مثل الأبقار والأغنام والماعز والخنازير، كما أنه يصيب الحيوانات البرية كالغزلان ، ويمكنه إصابة الحيوانات ذات الخف كالجمال والأفيال أما الخيول فلديها مناعة ضد هذا المرض! من أعراضه تكون فقاعات مملوءة بسائل على اللسان والشفتين والفم والحلق والبلعوم والمناطق الرقيقة من الجلد كالضرع وبين الأظلاف أو أصابع الحيوان في الأقدام أو فوق الأخفاف ، وهناك نحو سبع سلالات مختلفة مناعياً من الفيروس المسبب للمرض، وكل سلالة تصيب فصيلة أو عدة فصائل مختلفة من الحيوانات ، وتختلف شدة أعراض المرض تبعاً لنوع السلالة الفيروسية المسببة له. وينتقل الفيروس بواسطة العلف الملوث بالفيروس أو من خلال استنشاق الهواء في المناطق الموبوءة ، والفيروس يكون فقاعة مائية أولية خلال 24 إلى 48 ساعة في مكان دخوله الجسم ، بعدها ترتفع درجة حرارة الحيوان المصاب فترة تتراوح بين 24 و 36 ساعة، وفي هذه الفترة يكون الحيوان ناقلاً العدوى بدرجة كبيرة ، حيث يفرز الفيروس في اللعاب واللبن والبراز ، وتتورم شفتا الحيوان المصاب وكذلك يسيل اللعاب بشدة من فم الحيوانات المصابة ليصل إلى الأرض على هيئة خطوط فضية طويلة وتنتشر الفقاعات في الفم والبلعوم واللثة ، وعادة ما تنفجر وتترك قرحاً مؤلمة ملتهبة ، لدرجة أنها تمنع الحيوان من تناول العلائق ، كما تظهر الفقاعات نفسها على الأقدام ، التي تتقرح وتلتهب فتظهر الحويصلات بين الأظلاف مما يسبب للحيوانات المصابة بهذا المرض صعوبة في المشي والحركة .. وقد أكد الأطباء على أن مرض الحمى القلاعية الذي يتفشى بين الحيوانات ذات الحوافر المزدوجة يصيب الإنسان أحياناً وخاصة الأطفال مسبباً الحمى والقيء وظهور فقاقيع صغيرة على الشفتين واللسان وداخل الفم وفيروس الحمى القلاعية من الفيروسات الضعيفة ومع ذلك نستطيع أن نقول بأنه نادراً ما يصيب الإنسان .. انتشار المرض يمكن إرجاع سهولة انتشار فيروس الحمى القلاعية إلى ثلاثة عواملة مهمة هي مقاومة الفيروس القوية لكل اللقاحات وقابليته للتطاير بالإضافة إلى ازدياد عدد مزارع التربية وارتفاع الكثافة فيها ، وسهولة حركة الحيوانات من مكان إلى آخر... وهذا كله يجعل مرض الحمى القلاعية ينتشر بشكل أسرع ويصيب حيوانات أكبر !! يقول الاختصاصي البيطري برنار فالا: (يستطيع الفيروس العيش بضعة أيام في الهواء الخارجي، ثم ينتقل من حيوان إلى آخر بالاحتكاك المباشر، أو عن طريق الهواء ، أو أرجل الحيوانات الملوثة التي تضعها في الطين ، وأيضاً عن طريق الأحذية وإطارات السيارات). توجد عوامل بيئية واجتماعية واقتصادية أخرى تساعد على سرعة انتقال العدوى وعلى رأسها انتشار تربية الحيوانات على نطاق واسع وبشكل مكثف ، بعد أن كانت مقصورة على بعض المزارع المعزولة ومن ثم فإن تكدس هذه الحيوانات في مصانع اللحوم يسهل عملية انتقال الفيروس ، إضافة إلى سائر الفيروسات المعدية كما يلعب تبادل الحيوانات، وهو أسلوب متبع في تربيتها دوراً حيوياً في العدوى، فلم تعد الحيوانات تقضي عمرها بالكامل في مزرعة واحدة بل تنتقل من وحدة متخصصة في التكاثر إلى وحدة أخرى متخصصة في التسمين.. إلخ .. وهكذا يجد الفيروس نفسه محمولاً من ضحية إلى أخرى مجاناً وبسهولة كبيرة. ظهور الفيروس مرض الحمى القلاعية مرض قديم ظهر في إيطاليا عام 1514 وما أن حل القرن التاسع عشر حتى شمل الوباء كل قارات العالم ، ولم يكن بمقدور المزارعين ومربي الأبقار معرفة الخطورة الحقيقية لهذا المرض لقصر مدة طوره الحاد ولقلة الأعداد النافقة من الماشية ، وكان السبب المباشر وراء ظهور فيروس الحمى القلاعية مؤخراً مزارعاً بريطانياً مهملاً استخدم علفاً يحتوي على مخلفات المطاعم لتغذية خنازيره، على الرغم من الحظر الشديد الذي تفرضه القوانين الأوروبية على مثل هذه الحالة كما أنه ارتكب خطأ آخراً، وهو عدم تسخين هذا العلف بالقدر الكافي لقتل الفيروس، مما أدى إلى انتشاره وقد أرسلت الخنازير المريضة إلى مسلخ في (إيسيكس) على بعد 500 كيلومتر جنوبي بريطانيا ، هناك تم اكتشاف الفيروس ، إلا أن الوقت كان قد تأخر إذ كانت العدوى قد أصابت فعلاً الخراف في المزرعة المجاورة لمزرعة الخنازير ثم وصلت مراكز العدوى في بريطانيا إلى 70 بؤرة في بداية هذا العام ، وانتقلت عبر بحر المانش إلى الدول الأوروبية الأخرى ، مما دفع بالجهات البيطرية المسؤولة فيها إلى إعلان حالة الطوارئ في جميع بقاع القارة الأوروبية ولكن المرض مازال في الانتشار لينتقل إلى باقي الدول .!! الحضانة والعلاج تتراوح مدة الحضانة في مرض الحمى القلاعية من أربعة أيام إلى عشرين يوماً حسب ضراوة الفيروس ومقاومة الحيوان ولا يكتسب الحيوان بعد الإصابة بمرض الحمى القلاعية لأول مرة مناعة تستمر مدى الحياة ولكنه يكتسب مناعة لمدة حوالي سنة وضد نفس الفترة التي أصيب بها، كما يكتسب النتاج حديث الولادة مناعة سلبية عن طريق السرسوب إذا كانت الأم ذات مناعة ناشئة من عدوى طبيعية أو عن طريق التحصين. وفي الدول المتقدمة التي لا يتوطن فيها الفيروس يتم استئصال المرض والسيطرة عليه عن طريق التخلص من الحيوانات المصابة وما يخالطها من حيوانات قابلة للعدوى، بالذبح والإعدام مع اتخاذ الإجراءات الصحية اللازمة كما حدث في إنجلترا. ونظراً لأن الإمكانات المحلية لا تساعد على اتباع مثل هذا الأسلوب لذا تتلخص الإجراءات المحلية في مقاومة المرض بعدم استيراد ماشية أو أغنام حية أو لحومها أو الألبان ومنتجاتها إلا من المناطق الخالية تماماً من الحمى القلاعية لمدة ستة شهور سابقة على التصدير على الأقل وذلك منعاً لتسرب عشرات أخرى للفيروس إلى البلاد وطبقاً لتعليمات مكتب الأوبئة الدولي بباريس (OIE). كما تتخذ إجراءات بيطرية صحية تهدف إلى القضاء على الفيروس في الموقع المصاب ومنع انتشار التلوث خارجه بالوسائل الآتية: § عزل الحالات المصابة في مكان بعيد ومنع اختلاطها مع الحيوانات القابلة للعدوى، وعدم انتقال الأفراد المكلفين رعايتها إلى حظائر الحيوانات السليمة. § قطع الأرضيات الترابية والتخلص الصحي من علائق ومخلفات الحيوانات المصابة بالتطهير والحرق والدفن. § التطهير بالمطهرات المناسبة بمجرد الاشتباه لسرعة التحكم في مصدر العدوى ومنع انتشاره. § عدم إدخال حيوانات جديدة في موقع سبق تعرضه للعدوى إلا بعد إخلائه وتنظيفه وتطهيره وتدخل الحيوانات بالتدريج. وتتخذ وزارة الزراعة عدداً من الإجراءات من بينها تحصين جميع الحيوانات (أبقار، جاموس ، أغنام ، ماعز) على مستوى الدولة دورياً ( كل4 شهور لماشية اللبن أو كل 6 شهور للتسمين ) ثم جمع عينات سيرم من الحيوانات المحصنة قبل التحصين وبعده للاطمئنان على المستوى المناعي. قصة واقعية للعلاج من مرض الحمى القلاعية......! حتى تتضح الرؤية أكثر .يجب أن نبتعد قليلا عن الصورة ،ونعود إلى الثلاثينات عندما اكتشف أحد المزارعين إصابة إحدى أبقاره بالحمى القلاعية فماذا فعل ؟ قام المزارع متعمدا بنقل العدوى إلى بقية الحيوانات في مزرعته ،بدعك أجسامها بخرقه مبللة بمخاط البقرة المريضة ،وهكذا التقطت جميع الحيوانات العدوى في نفس الوقت ، ثم تماثلت للشفاء في غضون بضعة أيام..!! دراسة للجانب الاقتصادي الحقيقة أن وسائل الإعلام لعبت دورا رئيسيا في توسيع رقعة الفزع إثر ظهور هذا الوباء وتفشيه بين قطعان الأغنام والماشية الإنجليزية ، الذي زاد من مخاوف الناس وبالتالي انعكس ذلك على الاستهلاك. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما حجم الخسائر التي تكبدتها الدول من جراء هذا المرض؟ نتيجة انتشار المرض أدى ذلك إلى التقليل من استهلاك لحوم المواشي والأبقار (بسبب جنون البقر والحمى القلاعية) والتوجه نحو المنتجات الأخرى فبعض المنتجات تضرر وبعضها زاد استهلاكه ، زادت معدلات استهلاك السمك ، وبعض أنواع من الطيور وذلك لتفادي المرض ،ويقل الخبراء أن تفشي أمراض الحيوانات يشكل خطرا كبيرا على التجارة الزراعية ، وقد يكون له آثار طويلة الأمد وكذلك انخفض سعر بيع المواشي عن السعر الطبيعي.