نشرت صحيفة الجارديان مقالا اوردت فيه ان غلاف العدد الحالي من مجلة تايم يصف المصريين بأنهم "أفضل المحتجين في العالم" و "أسوأ الديمقراطيين في العالم". يبرز هذا الغلاف السؤال الرئيسي الذي لم يطرح - في ظل المناخ الحالي من التحليلات : هل هو أكثر ديمقراطية انتخاب ديكتاتور أو اسقاط اخر؟ الديمقراطية، على أقل تقدير، تعني وجود سلطة قضائية مستقلة، وحقوق المواطن، وحرية الصحافة، وانتخابات شفافة. من بين هذه الأركان الأربعة، قامت مصر فقط بالانتخابات.
انتخب محمد مرسي لأنه كان أهون الشرين. فقد نزل الي ميدان التحرير ووعد بتحقيق أهداف الثورة. ثم قامت حكومته، بسجن و اغتصاب، و تعذيب وقتل مواطنيها مثل كل الحكومات السابقة. والآن قد سقط. لن تكون الانتخابات وحدها كافية، لأن هناك سياق تاريخي وجغرافي في مصر، و هو الذي يحدد ما هو مقبول وما هو غير ممكن من خلال صناديق الاقتراع.
يستند هيكل الدولة المصرية الحالية على طبقات من التاريخ الاستعماري والعسكري، كل مبنى على السابق، لوضع الدولة فوق الشعب. حكم محمد علي مصر 1805-1848، و قام بإنشاء نظام ملكية الأراضي الخاصة، و البيروقراطية الواسعة في مصر وجيش اليوم. انشيء ناصر "الضباط الأحرار" ، جهاز أمني ضخم لمشاهدة "الثورة من اعلي". ساعد انفتاح أنور السادات غير المنظم البلاد علي الاستثمارات بالخارج، وخلق طبقة جديدة من النخبة من رجال الأعمال الذين تحولوا الي الرأسماليون في عهد مبارك. وسع حسني مبارك الدولة البوليسية على نطاق واسع ، وإزالة السلطة المباشرة من الجيش.
وهكذا، بحلول عام 2011، تطورت 200 سنة من السياسات المتعاقبة الهادفة إلى تركيز السلطة وقمع الإمكانية السياسية إلى حلقة من المال والنفوذ بين حفنة من المؤسسات الرئيسية والجنود ورجال الأعمال الأقرب إلى الأسرة الحاكمة، لا يمكن اختراقها وغير خاضعة للمساءلة. كيف يمكن تحقيق الديمقراطية - عندما يقدمها هذا الجهاز من الدولة العميقة – عن طريق صناديق الاقتراع بعد تسعة أشهر؟ يمكن أن تكون الانتخابات أداة تتم من خلالها محاولة التغيير الاجتماعي. كما أنها يمكن أن تكون مهدئ قوي جدا. انخفاض الاقبال على التصويت من 54٪ في الانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر 2011 إلى 33٪ للاستفتاء على الدستور في وقت لاحق في السنة اكبر دليل علي ذلك.
أعطي فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية قدرا من الشرعية. لكن شرعية دون موافقة لا معنى لها، و قد افقد عمل جماعة الإخوان المسلمين خلال العام الموافقة. فقد اخلف مرسي وعود انتخابية محددة لبناء حكومة ائتلافية برئاسة شخصية غير حزبية، و في كتابة دستور قائم على توافق الآراء وإجراء إصلاحات تشريعية للدولة. عندما خرج الملايين من المصريون إلى الشوارع كان هذا عملا ثوريا و لكنه ايضا ديمقراطي عميق..
يحاضر العالم مصر عن الديمقراطية. ولكن، كما كتب المؤرخ الأمريكي والناشط هوارد زين، "الاحتجاج علي القانون ليس خروجا عن الديمقراطية، بل هو ضروري للغاية لها".
الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. ان ذلك ممكنا. رغم ذلك، الحل، ليس مجرد ممثل للديمقراطية. تحتاج مصر، على أقل تقدير، إصلاحا جذريا للدولة، وتفكيك الجيش فوق الدولة، وإرساء الديمقراطية واللامركزية في السياسة المحلية، إصلاحات واسعة النطاق بالأراضي، والشراكات التعاونية مع البلدان المجاورة، و اتباع سياسة تقدمية مع إسرائيل و مجموعة جديدة من العلاقات السياسية والتجارية الدولية التي تبدأ بإلغاء الديون المستحقة الغير شريفة من قبل الطغاة.
لن يتم تحقيق هذه الأهداف من قبل النخبة الفاسدة التي تلعب حاليا بالسياسة. لا يمكن تحقيق هذه الأهداف بالعزلة - يتشابك النظام الداخلي والدولي حتى أن كل شيء لابد وأن يخاض في آن واحد. يجب أن تنضم الثورة المصرية مع الثورات التي بدأت في جميع أنحاء العالم في عام 2011 ومازالت مستمرة اليوم. إن الطريق أمامنا طويل وشاق، ولكنه يجب أن يستمر.