محافظ الإسماعيلية يتابع الاستعدادات النهائية لجولة إعادة انتخابات مجلس النواب    مصر ترفع مساهمة البترول والتعدين إلى 8% بحلول 2030    تشغيل تجريبي لمحطة حاويات البحر الأحمر بميناء السخنة    أمريكا تصر على انسحاب أوكرانيا من دونيتسك خلال مفاوضات برلين    استطلاع: 75% من الأوكرانيين يرفضون تقديم تنازلات كبرى للسلام مع روسيا    الإمارات والمفوضية الأوروبية يدعوان لإيجاد مسار للسلام على أساس حل الدولتين    نتنياهو يجتمع بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا في القدس    الجيش الإسرائيلي يعتزم هدم 25 مبنى سكنياً في الضفة الغربية    وزارة الرياضة تصدر بيانًا بشأن الزمالك    خاص| خلال ثلاثة أشهر.. الانتهاء من أزمة الكلاب الضالة في شوارع القاهرة    البحيرة تستعد لأمطار اليوم: المحافظ ترفع درجة التأهب بجميع المراكز والمدن    ضبط المتهمين في مشاجرة دامية بالبحيرة| فيديو    انهيار جزئي لمنزل من الطوب اللبن بقنا دون إصابات    السيطرة على حريق مخبز بلدى بنصر النوبة في أسواد دون خسائر    السبت، مناقشة رسالة الدكتوراه للفنان إبراهيم السمان بالمعهد العالي للفنون المسرحية    القاهرة الإخبارية: القنصلية المصرية في أثينا تستقبل أبناء الجالية للتصويت حتى 9 مساءً    رئيس جامعة بنها: الأنشطة الطلابية ركيزة أساسية في بناء شخصية الطلاب وتنمية مهاراتهم    رئيس لبنان: الاتصالات مستمرة لتثبيت الأمن في الجنوب من خلال المفاوضات    تراجع سعر الدولار أمام الجنيه بنهاية تعاملات الإثنين    محمد صلاح يخلد رقمه القياسي مع ليفربول    تأجيل محاكمة 56 متهما بالهيكل الإداري للإخوان لجلسة 11 فبراير    مساعي المغرب تنجح.. العيناوي يغيب عن مباراة روما أمام كومو    جائزة ساويرس الثقافية تعلن القوائم القصيرة لشباب الأدباء وكتاب السيناريو في دورتها الحادية والعشرين    موسم استثنائي.. دراما رمضان 2026 على طاولة مناقشات لجنة الدراما بالأعلى للإعلام    وزيرا الأوقاف والثقافة ورئيس شركة العاصمة يفتتحون متحف كبار القرّاء    5000 مكالمة للخط الساخن 105 خلال نوفمبر بنسبة استجابة كاملة    عاجل- رؤساء المجالس التصديرية خلال اجتماع مع رئيس الوزراء: توطين الصناعة وخفض الواردات لتعزيز الصادرات المصرية    ضبط تجار عملة خارج السوق المصرفية.. الداخلية تُشدد قبضتها على المضاربين    الدليل الكامل لامتحان اللغة العربية نصف العام 2025–2026 للمرحلة الابتدائية    ولي العهد السعودي والبرهان يناقشان جهود تحقيق الاستقرار بالسودان    «الصحة» تتفق مع «إيني» على إدارة وتشغيل مستشفيتين في مصر    فوائد تمارين الكارديو، تشد الجسم وتقوى عضلة القلب    وزير التعليم: إطلاق أول بنية وطنية موحدة لبيانات التعليم قبل الجامعي    عادل إمام يغيب عن تشييع جثمان شقيقته.. لهذا السبب    في ذكرى رحيل نبيل الحلفاوي.. مسيرة فنان جسد التاريخ والوجدان    شيخ الأزهر ينعَى الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق    "صحة الشيوخ" تُسرّع دراسة إنشاء مستشفى جديد بحلوان بعد توقف القرار 3 سنوات    اتحاد التمويل الاستهلاكي: نمو مستدام وتراجع ملحوظ في التعثر رغم زيادة عدد العملاء 208%    عصام الحضري يحيي الذكرى الأولى لوفاة والدته    رئيس إسكان الشيوخ: نضع خدمات المصريين في مقدمة أهدافنا    تصدير 37 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    آخر موعد للتقديم الكترونياً لوظيفة معاون نيابة إدارية دفعة 2024    جامعة القاهرة الأهلية تواصل تنفيذ برامجها التدريبية والعملية بمعامل الكيمياء والفيزياء ب"هندسة الشيخ زايد"    الزمالك ينتظر انتظام عدي الدباغ في التدريبات الجماعية اليوم    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات بتعيين وتجديد تعيين 14 رئيسًا لمجالس الأقسام العلمية بطب قصر العيني    فيتش تشيد بجهود الحكومة المصرية في دعم الرعاية الصحية وتعزيز الحماية للفئات الأكثر احتياجًا    جوجل توقع اتفاقاً للطاقة الشمسية فى ماليزيا ضمن خطتها لتأمين كهرباء نظيفة    أخبار مصر.. استبدال ضريبة الأرباح الرأسمالية بضريبة دمغة نسبية على تعاملات البورصة    جامعة بنها تطلق مبادرة لدعم الأطفال والتوعية بحقوقهم    غدًا انطلاق اختبارات اختيار كوادر مدرسة الإمام الطيب لحفظ القرآن الكريم وتجويده    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد الأفريقي لكرة السلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    إصابة نجم ريال مدريد تعكر صفو العودة للانتصارات    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    استقرار أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 15 ديسمبر 2025    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    محمد صلاح يوجه رسالة للمصريين من خلال ابنته "كيان" قبل أمم إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطفل والحذاء
نشر في الفجر يوم 05 - 07 - 2013

لطالما احترمت الحذاء، و لكنني في ذلك اليوم احترمته أكثر ، كنت في العيادة عندما سمعت طفلاً يبكي ، و أمه تحاول إسكاته ، دخلا العيادة ، فحصته ، كتبت الوصفة ، لم يكن المرض يبكيه، كان هناك سبب آخر ، سألت الأم ، أجابتني : لا شيء يا دكتور ، الأولاد هكذا ، أنت تعرف ، شعرت أن كرامة نفسها منعتها من الإفصاح عن الحقيقة ، مددت يدي إلى تفاحة كبيرة و ناولته إياها ، فاجأني بقوله : أريد حذاءً أبيض ، خجلت الأم و حاولت نهره ، ابتسمتُ ، و قلت لها : يا أم ماجد أنا مثل أخوكم ، و ماجد مثل ابني ، قالت : يا دكتور أنت تعرف العين بصيرة و اليد قصيرة ، قلت لها : لا تكملي يا أم ماجد ، تعالي يا فاطمة - ناديت على ممرضتي - ، و قلت لها : اليوم بعد نهاية الدوام ستأخذين ماجداً إلى بائع الأحذية و تشترين له الحذاء الذي يريد ، سكت الطفل على وعدي ، و حاولت أمه شكري ، و لكنني سارعت لتغيير الحديث فسألتها عن أبي ماجد و عن صحته ، و دعتني و قلبها يزيِّن أركان عيادتي بدعاء مستجاب .
لقد كانت عائلة أم ماجد تعيش فقراً لم يستطع أن يقضم إباءها ، كان ماجد يحلم بحذاء كان يراه على واجهة محل قريب ، كان يتكلم خلال نومه قائلاً : " بوط " جديد يا ماما … اليوم عيد يا بابا ، كانت أمه تتألم و تبكي عندما تسمع الحلم ينساب من بين الشفتين الرقيقتين ، أما الأب فكان يقول : لا حول و لا قوة إلا بالله ، كانت أمه تعِدُه بشراء الحذاء العيد القادم ، و كانت صادقة النية ، و لكن ما إن تجمع بعض النقود حتى يبدّدها جديد الأيام ، و يبقى بعيداً عيد الصغير .


في المساء ذهبت الممرضة إلى بيت الطين و الأسقف الخشبية و استأذنت سيدة دامعة العينين بأخذ ماجد ، كانت ربة البيت تقول : " يا خجلتنا منكم ، أتعبناكم معنا ، روح الله يوفقك يا دكتور ، الله يستر عليك يا بنتي و يعطيك ابن الحلال " .
ذهبت فاطمة و ماجد إلى المحل ، و صُدم الصغير عندما لم يرَ الحذاء المقصود على الواجهة ، دخلا المحل ، ركض ماجد باتجاه حذاء مركون في الزاوية يبدو أن أحد الزبائن قد جرّبه ، حمله بلهفة ، ضمه إلى صدره ، انتعله ، و صار يمشي كمن يطير ، نسي مرضه و آلامه ، حاول أن يسابق الريح لولا أن الممرضة أمسكته من يده خوفاً عليه من سيارات الطريق .
لقد كنت أعلم أن الحذاء عزيز على قلوب الأطفال ، و كنت أرى كيف أن أطفالي ينتعلون أحذيتي و أحذية أمهم و يمشون بها بسعادة لا توصف بكلام و بخيلاء طفولية يصمت أمامها البيان، كنت أعرف أن خزانة الأحذية الصغيرة قرب الباب كانت بيت الألعاب المحبب لابنتي الصغيرة، حتى أن جدار عيادتي كان يفتخر بصورة معلقة على صدره ، لقد كانت صورةَ طفلةٍ تنتعل حذاء أمها و هي ترفع ثوبها قليلاً لترى الحذاء و السرور يرسم محياها ، لكنني حقيقة لم أكن أعلم أن الحذاء قد يصبح حلماً يحتضن ما سواه .
وصل ماجد بيت أهله ، و هناك جُنَّ جنونه ، صار يرقص بالحذاء كما البلابل ، و من ثم يخلعه ليمسحه و ينظفه ، ثم يأخذه و يضعه بأناة في خزانة الملابس الخشبية اليتيمة ، و بعد ذلك يفتح الباب الذي لا يقفل ليأخذ الأمير الأبيض و يجعله يعتلي الكرسي كي يحلو له تأمله ، ثم يذهب إلى أمام باب الدار ليراه أطفال الحي ، و لا يلبث أن يعود ليجلس على سرير تكسّرت نوابضه و يمد ساقين نحيلتين يبتسم الحذاء عليهما ، و بقي على تلك الحالة حتى ساعة متأخرة من الليل ، لقد كان يوم عيد عنده و عند أهل آخر العنقود .
لم يحاول النوم إلا بعد أن تعب حقاً ، و لكن ما إن وضع رأسه على وسادة بدون غطاء حتى نهض مسرعاً نحو الباب ذي الشقوق ، بحث عن الحذاء في الظلمة حتى وجده ، تفقّده ، و وضعه في زاوية من البيت اختارها لغاية في نفسه البريئة ، و عاد لينام ، لكنه نهض ثانية و لمس الحبيب ، و من ثم غطّاه بجريدة كانت تلعب بأوراقها رياح مندسّة عبر النافذة المخلوعة ، و عاد لينام ، أعاد الكرّة، و أمسك بالحذاء و أدناه من السرير و نام قرب الحافة و رأسه يتحرك لخارجها من حين لآخر ليدع العينين تطمئنان.
لم تعد الأم تتمالك نفسها من الضحك ، و اختلط سعال الأب بضحكاته ، و قال : الله يعطيك يا دكتور من عطاياه ، حمل الصغير الحذاء و أودعه تحت الوسادة ، و كان يجلس مراراً ليرى الحذاء ينعم بالدفء ، و من ثم وجد أنه من الأنسب أن يحتضن الحلم و ينام ، و لكنها لم تكن إلا لحظات حتى نهض و انتعل الحذاء الأبيض ، و جمع جسده الهزيل ، و مد يده لتلامس الحذاء و أخلد إلى النوم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.