كانت جلسة رائعة و لفتة مضيئة تظهر تواصل الأجيال مع بعضها البعض فى ضيافة المربى الفاضل الأستاذ عبد الحكيم درويش من رجالات التعليم بديروط و اليسارى القديم . شرفت بمعرفته من خلال المهندس حمدى عبد الرحيم أثناء زيارة المرشح المحتمل للرئاسة حمدين صباحى لديروط . من الشخصيات التى كتب عنها الأديب محمد مستجاب فى كتابه "جبر الخواطر " ، يمتلك من الشجاعة ما أهله من إطلاق لقب" خفير مصر القومى " على وزير الداخلية السابق" شعراوى جمعة " أثناء تواجده و وسط ذهول الحضور آنذاك . و قد أخبرنى أنه ابتعد عن العمل السياسي بوفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى سبتمبر 1970 . حضر هذه الجلسة ثلاثتنا المهندس حمدى و الشاعر سيد أحمد ذو موهبة شعرية فذة سببت له العديد من المتاعب فى العمل؛ لقصائده الوطنية التى تندد بالظلم و الاستبداد و قمع الشعوب. و العبد لله كاتب المقال . فى تلك الجلسة طرح الأستاذ عبد الحكيم عدة موضوعات عن مصير الثورة و الانتخابات البرلمانية الأخيرة التى حصد فيها الأحزاب الإسلامية جلّ مقاعد البرلمان . كما تحدثنا عن التدين الشكلى الذى ازداد و أنتشر فى الأونة الأخيرة و فيه صار الشكل مقدما عن المضمون . و بمجرد طرح تلك الموضوعات أدلى كل منا رأيه بكل حرية و كأن الأستاذ عبد الحكيم ألقى حجرا فى بحيرة مياه راكدة فحركت الأفكار داخل عقولنا . المهندس حمدى أدلى برأيه مستعينا ببعض المصطلحات الإنجليزية فى تفسير ما يحدث مما أتعبنا معه . يبدو أن دراسته فى كلية الهندسة جعلت بعض المصطلحات الإنجليزية تطغى على العربية أثناء حديثه . كما أدليت برأيي المتواضع و كذلك فعل شاعرنا الأستاذ سيد . ثم أنتقلنا بعد ذلك للحديث عن التدين الشكلى و مظاهره التى بدأت فى الشيوع بين الشباب و الفتيات و من مظاهره تقصير الجلباب و البنطال و إطلاق اللحية و ارتداء الفتيات للنقاب . و جعل بغض غير المسلم معيارا للتدين الصحيح !! . و تناسوا القول المأثور " الدين المعاملة " و " البر الذى أمرنا الله به لمن لم يخرجونا من ديارنا أو قاتلونا فى الدين ". هذه المظاهر تفصح عن مدى ضحالة ثقافة العديد منهم و التى اهتمت بالشكل على حساب الجوهر . ربما لأن الالتزام الشكلى عندهم أسهل و أيسر بكثير مقارنة بالالتزام الجوهرى للإنسان . يحضرنى فى هذا المقام ذكر الدعوة التى دعا إليها بعض الشباب السلفى قبل بداية شهر رمضان الماضى و فيها دعوا المسلمين إلى استقبال شهر رمضان بإطلاق مليون مسلم لحاهم و ارتداء مليون مسلمة النقاب !! فيما أرسل داعية مشهور إشارة تأييد لدعوة أولئك الشباب عبر فيها عن " أمنيته في أن يكون هناك 80 مليون ملتحي في مصر ". و كأن التعاليم الإسلامية كلها قد أقامها المجتمع و لم يتبق منها غير إطلاق اللحية و ارتداء النقاب !! . و ذلك يدل على خلل تجاه الأولويات عندهم . و تناسوا أن أبا جهل و صناديد الكفر فى قريش كانوا مطلقى لحاهم أيضا ! . كما تناسوا أيضا حقيقة دامغة و هى أن أمة اقرأ ثلثها تقريبا أمىّ يجهل القراءة و الكتابة و مبادئ الحساب. فى عالم صارت الأمية فيه لمن يجهل علوم الحاسب و الإنترنت . و فى ظل علماء ألمان يحاولون ابتكار جهاز علمى كى يسجل المشاهد التى يراها النائم فى حلمه !. ألم يقرأوا حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم " إن الله لا ينظر إلى أجسادكم و لا إلى صوركم و لكن ينظر إلى قلوبكم " صدق رسول الله. و حين تجادل أحد هؤلاء و تختلف مع طرحه فى مسألة ما يسارع بالقول أنك ليبرالى أو علمانى أو يسارى و كأنها تهمة أو سبة يتهمك بها أو كفر بواح !. و يتمسكون بأكثر الأراء تشددا متناسين قول الرسول عليه الصلاة و السلام " هلك المتنطعون " و وصف أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها للرسول صلى الله عليه و سلم " ما خيّر النبى بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما " . و يهتمون بالفروع على حساب الأصول . و يجحدون علماء الأزهر و يصفونهم بفقهاء السلطان ! . و منهم من يحرم المشاركة فى الانتخابات . و يحرم تهنئة غير المسلم فى مناسباته و أعياده ! . و حين تسأل أخر عن بعض علماء الأزهر و المفكرين الكبار أمثال الدكتور محمد عمارة و الكاتب الإسلامى فهمى هويدى أو الدكتور محمد رجب البيومى أو الإمام محمد عبده أو المفكر الجزائرى مالك بن نبى أو الشيخ محمد الغزالى تجده يفتح فاه فهو لم يعرف عنهم شيئا أو حتى سمع عنهم مما يدل على خوائه الفكرى و تدنى ثقافته الإسلامية . و انما هو يستمع للعديد من الدعاة نجوم الفضائيات فقط ! - فجأة وجه شاعرنا سيد سؤالا لنا : " لو قام الروائي الدكتور علاء الأسوانى بتأليف رواية عن هؤلاء ترى بم كان سيسميها ؟" الكل صمت برهة من الوقت ثم اقترح كل واحد منا اسما . لكن لم يكن كما أراد . ثم أجابنا الشاعر بعد ذلك: بأن الدكتور الأسوانى كان سيسميها " القشيريين ". إشارة منه للذين يهتمون بالشكل الخارجى و ليس اللب و الجوهر . بصراحة أعجبت بذلك الاسم و قررت أن يكون عنوانا لمقالى هذا . أود أن أسجل هنا أننى لست ضد كل من يطلق اللحية أو يقصر جلبابه أو ضد من ترتدى النقاب و ذلك لوجود العديد بيننا ممن يتطابق مظهرهم مع جوهرهم و على علم كبير بتعاليم ديننا و مبادئ الشريعة و لكنهم قلة مقارنة بالآخرين – و لأنى أيضا أعتبرها حرية شخصية ، لكنى اختلف مع من يختصر تعاليم الدين الإسلامى فى تلك المظاهر فقط . كما أود أن يدرك الجميع أنه كما تمتص النحلة رحيقها من الفل و الياسمين و الريحان و الورود لتخرج لنا عسلا شهيا . ينبغى على المرء أيضا أن يحاط علما بالليبرالية و اليسارية و العلمانية و من شتى التجارب الإنسانية المختلفة . و كل ما أنتجته العقول البشرية من معارف و أفكار . و يأخذ منها ما يفيده لنفسه و مجتمعه ؛ طالما ذلك يتوافق مع بيئته و تعاليمه الدينية كما أفهمها له العلماء الثقات الراسخون فى العلم و يترك ما دون ذلك. و ذلك مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه و سلم " الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها " أو كما قال - فى نهاية الجلسة توقعنا اصطداما قد يحدث بين المؤسسة العسكرية و بين الإسلاميين فى الفترة المقبلة يعمل على سرعة وتيرتها نجاح بعض السلفيين فى انتخابات الشعب و الذين تنقصهم الخبرة فى العمل السياسى ناهيك عن اختلال ميزان الأولويات فى خطابهم الدينى و السياسي ؛ مما يقلق فئات كثيرة من المصريين . أو تقسيم للسلطة الرئاسة للجيش و الحكومة للإسلاميين و غيرهم من الأحزاب الأخرى ، كما إتفقنا على أن استغلال الدين من الجانبين الإسلامى و المسيحى من أجل التنافس السياسي و كسب الأصوات على أرضية طائفية فى الانتخابات بديلا عن البرامج الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية سيقوض و يهدد العملية الديمقراطية فى مصر الثورة . و فى ختام الأمسية الممتعة ألقى شاعرنا أجمل قصائده " بُصّيلى " – يخاطب فيها معشوقته مصر __ طربت لسماعها الأذن و خفق لها الجنان و الوجدان .