فى الدول الأوروبية يكشف المرشحون عن ثرواتهم وحياتهم العاطفية وصحتهم النفسية قبل الجسدية وأموال حملتهم الانتخابية.. فلا شىء يجب إخفاؤه عن الشعب المصريون لا يعرفون شيئا عن سليم العوا سوى أنه محام ينتمى للتيار الإسلامى.. وأن حازم أبوإسماعيل ملتح ينحاز للتيار السلفى وأن أبوالفتوح طبيب وإخوانى سابق.. وحمدين صحفى وسياسى ناصرى.. وشفيق تولى مناصب وزارية أيام مبارك كيف لا نسأل عن صحة المرشحين وغالبيتهم تجاوزوا سن التقاعد.. ولا نسأل عن ثرواتهم ومعظمهم كان يعمل فى نظام فاسد؟! زوجة مرشح رئاسى تصغره ب20 سنة هددته بالخلع إن لم يطلقها فهى لاتزال عذراء.. المرشح استجاب لها خوفاً من الفضيحة ما أن فكر فى الترشح لرئاسة الجمهورية حتى وجد نفسه مجبرا على تطليق زوجته الثانية التى تصغره بعشرين سنة.. لقد تزوجها منذ أكثر من عشر سنوات.. لكنه.. لم يستطع الدخول بها.. وظلت فى عصمته.. دون أن يمسسها.. كأنها بيت وقف.. أما هى فلم تجرؤ على رفع صوتها بالشكوى إلا لله.. فقد كان يهددها بالضرب.. حسب الشريعة كما يفهمها.. على أنها وجدت فى ترشحه للرئاسة فرصة للخلاص من أنفاسه العاجزة.. فخيرته ما بين أن يسرحها بإحسان أو تفضحه على الهواء.. برفع قضية خلع.. فوافق بشرط أن تعيد له الشقة التى سجلها باسمها فى عمارة على نيل الزمالك. قبل أن تستنكر نشر هذه القصة الشخصية وتعتبرها انتهاكا لحرمة الخصوصية.. أذكرك بقواعد اللعبة السياسية التى يجب أن يرتضيها، ولو على مضض، كل من قرر نزول سباق الانتخابات الرئاسية التى أصبحت على الأبواب .. لابد أن يكشف فيها كل مرشح عن طيب خاطر كل شىء عن حياته.. ما خفى منها وما ظهر.. وما يزهو به وما يخجل منه.. كما هو الحال فى الدول التى سبقتنا للديمقراطية.. بعد أن تخلصت من أنصاف الآلهة الذين لا يجرؤ أحد على المساس بهم.. كما فى النظم الديكتاتورية التى عاشرناها طويلا. فى الدول الديمقراطية.. ما أن يعلن أحد نيته فى الترشح للرئاسة حتى تدور ماكينات الإعلام الشرسة بجانب مكاتب التحريات الخاصة لتنقب عن كل صغيرة وكبيرة فى حياته.. الداية التى سحبته من بطن أمه.. المدرسة التى علمته القراءة والكتابة، وضبطته يغش.. الصديقة التى هجرته بعد عملية الإجهاض التى أجبرت عليها.. سيجارة الماريجوانا التى دخنها هو وشلته فى الجامعة.. تهربه من الخدمة العسكرية بنفوذ عائلته.. ذمته المالية والعقارية.. صحته النفسية قبل الجسدية.. أموال حملته الانتخابية.. وقبل ذلك كله علاقاته الغرامية الحالية والماضية.. فلا شىء يجب إخفاؤه عن الشعب.. ومن يرفض يخرج من المسرح قبل فتح الستار. ولا يجرؤ أحد من المتنافسين أن يعترض على وضع حياته الخاصة قبل برامجه العامة تحت الأضواء الكاشفة.. فمصير دولة بأكملها سيكون بين يديه.. يستحيل أن يعتبر ما يُكتب ويُنشر ويُبث عنه جريمة مهما كانت التعديات والتجاوزات.. فمن لا يحتمل كدمات المصارعة لا ينزل إلى حلبتها.. ومن لا يقبل قرص النحلة لا ينتظر عسلها. لقد رفض الأمريكيون (مثلا) إدوارد كيندى رئيسا لهم أكثر من مرة.. مرة بعد أن ثبت أنه «غش» فى الامتحان وهو طالب فى كلية الحقوق جامعة هارفارد.. وحرم بعد ضبطه متلبسا من الدراسة سنة.. ومرة لأنه حاول الهروب من شرطة المرور فى مخالفة سرعة وعندما قبض عليه كان مختبئا فى قاع السيارة.. ومرة بعد أن تقاعس عن إنقاذ سكرتيرته عندما سقطت بهما السيارة.. ولم يفكر سوى فى إنقاذ نفسه.. بل ولم يفكر فى إبلاغ الإسعاف أو البوليس. ولو كان بيل كلينتون قد كشف عن قائمة النساء اللاتى تحرش بهن وهو شاب لما وجد نفسه مهددا بالطرد من البيت الأبيض والتنحى عن منصبه بعد أن توالت فضائحه. ولم يجد باراك أوباما عيبا فى أن يقول : «إن زوجته أغنى منه».. ولولاها لما عرف طعم الحياة الناعمة المترفة. وفى فرنسا.. لم يكن مهما كشف الحالة العاطفية للرؤساء.. فهناك يتباهون بالعشق الحرام قبل الحب الحلال.. كان مهما كشف حالتهم الصحية.. وقد اختار الفرنسيون فاليرى جيسكار ديستان رئيسا لمجرد أنه تعهد بالكشف عن تقاريره الطبية التى أخفاها سلفه جورج بومبيدو قبل أن يموت بسرطان الدم.. ولم يكن يتذكر أرقام التفجير النووى فاضطر أن يكتبها ويحتفظ بها فى سلسلة يعلقها فى رقبته.. فكان من السهل معرفة هذه الأرقام وتعريض البلاد لكارثة نووية. أما نحن فى مصر.. فمثل الزوج المخدوع.. أول من يصفع.. وآخر من يعلم.. فلا نحن نعرف ماذا يملك حكامنا من عقارات وثروات؟.. ولا ما يرتكبون من حماقات ونزوات؟.. لا هم يقولون لنا كيف يصنعون قراراتهم السياسية ولا ما هى أمراضهم الصحية؟.. فكل شىء فى حياتهم سر من أسرار الدولة العليا.. يعتقل من يقترب منها.. أو يطالب بكشفها.. منتهى الفاشية. وكى لا نلدغ من نفس الجحر مرة أخرى.. يجب إجبار كل مرشحى الرئاسة بتوقيع تعهد يسمح لنا بالكشف عن كل صغيرة وكبيرة فى حياتهم.. ثرواتهم.. صحتهم.. سمعتهم.. ممتلكاتهم.. عائلاتهم.. وغرامياتهم.. يجب إعلان كل ما فى ملفاتهم المخفية بصراحة وشفافية.. فنحن لا نعرف عنهم شيئا تقريبا.. لا نعرف عن الواحد منهم من المعلومات إلا ما يعد على أصابع اليد الواحدة.. وهو أمر غير مقبول.. فمصائرنا ستكون بين يدى واحد منهم. نحن لا نعرف شيئا عن سليم العوا سوى أنه محام ينتمى للتيار الإسلامى.. لا نعرف شيئا عن عائلته.. وثروته.. وممتلكاته.. وابنائه.. وصحته.. وزبائنه.. لا نعرف كيف نشأ فى عائلة متواضعة الحال فى الإسكندرية.. ولا كيف قفز من طبقة إلى طبقة.. بل لا نعرف تاريخ ميلاده.. والجراحات التى أجراها.. وعدد الأدوية التى يتناولها فى يومه. ولا نعرف عن حازم أبوإسماعيل سوى أنه ملتح ينحاز للتيار السلفى.. لا نعرف شيئا عن زوجته.. ورحلاته.. وأمراضه.. وأمواله.. وأولاده.. ومصادر إنفاقه.. بل لا نعرف نوعية الكتب التى يقرؤها.. والأفلام التى يشاهدها.. والموسيقى التى يفضلها. ولا نعرف عن عمرو موسى سوى أنه كان وزيرا للخارجية وأمنيا عاما للجامعة العربية.. لا نعرف قصة المكافأة التى حصل عليها فى نهاية خدمته.. وطبيعة علاقاته بدول تتدخل فى الشأن المصرى مثل قطر والسعودية.. بل لا نعرف من أين يشترى ملابسه؟.. ولا كيف يتعامل مع أولاده؟.. ولا من هم أصدقاؤه؟ ولا نعرف عن أحمد شفيق سوى المناصب التى تولاها فى سنوات حكم مبارك.. لكن.. لا نعرف مصير البلاغات المقدمة ضده فى النيابة العامة.. ومَن من رجال الأعمال سيمول حملته الانتخابية.. ومن يختار ثيابه؟.. ومن هم أقرب الأصدقاء إليه؟ ولا نعرف عن حمدين صباحى سوى أنه صحفى وناشط سياسى ناصرى.. لكننا.. لا نعرف ما المهنة التى يتكسب منها؟ وكيف سيدبر ملايين الجنيهات اللازمة للإنفاق على حملته الرئاسية؟.. وكم لديه من الأبناء؟.. وكيف يتعامل معهم؟ ولا نعرف عن عبدالمنعم أبوالفتوح سوى أنه إخوانى سابق.. تمرد على الجماعة وخرج عن طوعها.. دون أن يصل إلى علمنا مهنته الحالية.. وكيف يغطى تكاليف معيشته.. ولا كيف يدبر سفرياته للخارج.. ومن يسانده الآن فى مشواره القادم نحو قصر الحكم؟ أتحدى أن يعرف أكثر الناس فضولا أكثر من خمس أو ست معلومات عن المرشح الواحد؟.. فهل هذا يكفى للحكم على الرئيس القادم؟.. هل هذا يكفى لنحدد أفضل من نختار؟ أعرف أن هناك من سيصطاد فى «المياه العكرة» ويرفض الاقتراب من الأمور الخاصة للمرشحين.. ويعتبرها تطفلا.. بدعوى أن لنا خصوصيتنا.. ونختلف عن الناس فى الغرب.. والمهم برنامج المرشح لا حياته الشخصية. لقد اخترنا الديمقراطية وهى ليست من عاداتنا ولا طبائعنا.. استوردناها من الغرب.. فلن نفصلها على مقاسنا.. وإلا أصبحت ديموكتاتورية.. أى دكتاتورية مغطاة بطبقة ديمقراطية.. وهو ما كان يحدث بالضبط أيام مبارك. كيف لانسأل عن صحة المرشحين وغالبيتهم تجاوزوا سن التقاعد؟.. كيف لا نسأل عن ثرواتهم ومعظمهم كان يعمل فى نظام فاسد؟.. كيف لا نسألهم عن كيفية تربية أولادهم وستكون مهمتهم الأولى رعاية أبنائنا؟. إن الكلام عن برامج المرشحين لن يقدم شيئا.. فالكل سيشحن برنامجه بكل ما يصل إليه الخيال.. ولن نجد فرقا بين برنامج وآخر مادام لن يزيد ما فيه عن «كلام فى كلام».. العبرة بالتنفيذ.. بالمائة يوم الأولى.. ما الذى سينجزه المرشح فيها؟.. والعبرة بالخبرة.. لا بطول اللحية.. ولا بدعم الإخوان.. فقد فاز التيار الدينى بأغلبية فى مجلس الشعب ليكشف عن عجز فاضح فى علاج ما يعانى منه المصريون.. فقرا وقهرا.. ظلما وظلاما. إننى سأعطى صوتى للمرشح الذى سيصارحنا بكل ما فى حياته من خفاء.. سأروج له احتراما لشجاعته.. وجرأته.. فلم نعد نقبل وجوه الملائكة وقلوب الشياطين.. لم نعد نأكل من الكلام الطاهر والتصرف الفاجر.. خاصة فى زمن أصبح فيه الدين تجارة لا يبرع فيها سوى الشاطر السنة الخامسة - العدد 433 - الاثنين - 03/05 /2012