خطط طوارئ أمريكية يضعها الجيش مع البنتاجون لإنقاذ مصر من فوضى الصيف الساخن بما فى ذلك غزو مصر عسكريا! ■ لو كان الشعب يعرف بأن إجراءات الاستفتاء على الدستور باطلة ما كان قد وافق عليه!
■ الدستور فرض بالغش على الشعب ومن ثم فالوثيقة التى تنظم حياته مصابة بالتضليل والعوار!
يريد الدكتور محمد مرسى «تجميل» صورته الرئاسية.. يريد أن يزيل من ملامحه.. تشوهات الاستبداد السياسى.. والفشل الاقتصادى.. والعجز الأمنى.. والضعف الشخصى.. والتشدد الدينى.. وخيبة الأمل المتزايدة يوما بعد يوم بين المصريين.
وهو لا يريد أن يستسلم لخبراء التجميل ليصبح نجما مبهرا فى عيون الشعب المصرى وإلا كان قرارا سريعا بالتنحى عن الحكم يكفى لنيل إعجاب الناس واحترامهم.. بل ويدخله التاريخ من أوسع أبوابه.. لكنه.. يريد أن يفعل ذلك كى ترضى عنه الإدارة الأمريكية.. ولى الأمر.. وولى النعم.
حسب ما عرفت طلبت السفارة المصرية فى واشنطن عروض أسعار من شركات العلاقات العامة (اللوبي) للتعاقد مع أفضلها لتحسين صورة مرسى ومساعدته ومساندته.
وشركات العلاقات العامة مهمتها الترويج لدولة ما أو مؤسسة ما لتحقيق هدف ما تريد نيله من الإدارة الأمريكية.. مثل وزارة الدفاع المصرية.. فقد استخدمت شركات من هذه العينة لضمان استمرار المعونة العسكرية.. وتقوم هذه الشركات بتحقيق ما تريد باتصالاتها مع أعضاء الكونجرس وشبكات الإعلام والشخصيات الحكومية المؤثرة فى صنع القرار.
ويمكن أن تمزق هذه الشركات عقودها مع زبائنها إذا ما عبثوا بحقوق الإنسان أو تصرفوا دون كياسة.. كما حدث مع مجلس المشير حسين طنطاوى بعد أن قبض على نشطاء فى الجمعيات الأهلية المصرية والأمريكية.
وكثيرا ما لجأت الحكومة المصرية إلى شركات اللوبى لتمرير أو تبرير سياساتها.. لكنها.. المرة الأولى التى تدفع مالا من خزانتها لتجميل صورة الرئيس.. والتغطية على عيوب حكمه.. على أمل أن يرضى عنه البيت الأبيض.. ويستقبله باراك أوباما.. ليلتقط معه صورة تذكارية.. سياسية.. يطمئن بها على مصيره.. مستقبله.
والحقيقة أن صورته فى المؤسسات الأمريكية المختلفة غير مريحة.. مؤلمة.. ترفضها الميديا.. وتهاجمها جهات مؤثرة.. وتمزقها مراكز الدراسات الاستراتيجية.
فى تقريره الأخير عن مصر تحت حكم مرسى وجماعته وأهله وعشيرته لا يرى أريك تراجير الباحث فى مركز واشنطن لدراسات الشرق الأوسط شيئا واحدا إيجابيا.. أو يستحق الإشادة.
حسب تشخيصه.. تعيش مصر حالة من التمزق السياسى.. والقلق الدينى.. والتسيب الأمنى.. وفقا لوزارة الداخلية.. شهد العام الماضى زيادة 120 % وزيادة فى السرقات 350 % وزيادة فى حالات الخطف 145٪.. وهو ما أدى إلى هروب المستثمر المصرى.. وعزوف المستثمر الأجنبى.. وجفاف الموارد الحيوية للسياحة.. وكى يهرب المصريون من معاناتهم زاد استهلاك المخدرات.. وفى ضبطية واحدة أمسكت قوات المكافحة بمائة ألف طن حشيش.. و250 مليون قرص ترامادول.
فى الوقت نفسه ارتفعت فاتورة رواتب القطاع الحكومى بنسبة 80 % لتصل إلى 200 مليار جنيه سنويا بعد إضافة 400 ألف وظيفة.. وسيضاف مثلها فى نهاية يونيو الجارى.. وهو ما جعل الحكومة تقترض خمسة مليارات جنيه أسبوعيا.. لاستيراد القمح والزيت والسكر والشاى.. وسد العجز فى الوقود.. ونقص الكهرباء التى أصبحت تقطع فى اليوم أكثر من مرة على الأحياء الراقية والمناطق الريفية ووصل الإظلام إلى مطار القاهرة.. وستزيد المتاعب فى شهر رمضان.. حيث سيفطر 90 % من الشعب فى لحظة واحدة.. ويصلون التراويح فى وقت واحد.. ويسهرون فى البيوت والمقاهى معا حتى الفجر.
وسوف يتسبب نقص القمح فى انتفاضات الخبز التى وقعت من قبل.. وسوف يتسبب نقص الوقود فى مزيد من الاحتجاجات التى عمت البلاد منذ شهر مارس.. وفى ظل حرارة الصيف الملتهب وانقطاع الكهرباء سيدفع ملايين الناس إلى النزول إلى الشوارع.. سيهربون من الحر.. لكن.. تجمعاتهم ستنتهى بالتمرد على الحكم القائم.
وفى نوفمبر الماضى قرر محمد مرسى من تلقاء نفسه أن يصبح ديكتاتورا بما أصدره من إعلانات دستورية.. وسارع بالتصديق على دستور صاغه الإسلاميون ورفضته المعارضة وخرجت تعترض عليه.. فنزلت ميليشيات الإخوان لتعتدى على النشطاء.. وحاصرت جماعات صديقة لهم مدينة الإنتاج الإعلامى وراحت تلاحق الصحفيين بالبلاغات القضائية.. كما سبق أن فعلت مع المحكمة الدستورية.. فمنعتها من الحكم بعدم دستورية مجلس الشورى واللجنة التأسيسية للدستور.. وهو الحكم الذى صدر فيما بعد.. بعد فوات الأوان.. بعد أن حصن الدستور المجلس واللجنة وفرضهما رغم عوارهما على الحياة التشريعية.
(لقد أصدرت المحكمة العليا حكما بإعدام مجلس الشورى ثم منحته قبلة الحياة.. ووضعته على جهاز تنفس صناعى.. وقضت ببطلان اللجنة التأسيسية.. وإن أجبرت على إقرار الدستور بعد الاستفتاء عليه.. ولكن.. هذا الاستفتاء جاء بعد إدخال الغش والتحايل على الشعب.. فلو كان الشعب يعرف بأن الإجراءات التى جاء بها الدستور غير سليمة ما كان قد وافق عليه.. يضاف إلى ذلك أن المحكمة الإدارية يمكن أن تأخذ حكم الدستورية ببطلان مجلس الشورى وتصدر حكمها ببطلانه.. دون أن يكون من شأنها الاهتمام بما فرضته الدستورية من تفسير وتبرير لبقائه.. خاصة أن الإدارية هى التى أحالت القضية إلى الدستورية).
ويستطرد التقرير: لقد زادت حركات الغضب ضد مرسى وجماعاته.. فبعد المطالبة بعودة الجيش حماية للدولة من الانهيار خرجت حركة تمرد لحشد التأييد الشعبى لانتخابات رئاسية مبكرة بسبب الفقر المتزايد والأمن المتناقص وتبعية الحكم بلا حدود للولايات المتحدة.. وتهدف تمرد لجمع 15 مليون صوت.. وقد يتحول يوم 30 يونيو (مرور سنة على تولى مرسي) إلى موعد لاحتجاج كبير صارخ.. وصارم.
وواجه مرسى كل هذه التحديات بمزيد من القهر والقمع واعتقل النشطاء الذين وقفوا بجانبه من قبل.. مثل أحمد ماهر مؤسس حركة 6 إبريل بتهمة التحريض على التظاهر أمام بيت وزير الداخلية.. كما أحيل عدد من الإعلاميين على رأسهم عمرو أديب ومحمد شردى إلى النيابة بتهمة دعم تمرد.
ولسوء الحظ فإن من المرجح استمرار حالة الاستقطاب السياسى إلى ما بعد الصيف.. من المحتمل أن يستمر استبعاد المعارضة من الانتخابات البرلمانية المقبلة التى لم يحدد موعدها بعد.. ويمكن أن تكون فى سبتمبر.. ومن ثم فإن احتجاجات الشوارع هى السبيل الوحيد أمام المعارضة.
ومن غير المتصور أن يتخلى الإخوان عن الحكم.. فقد توسعوا فى عدد أنصارهم فى المناصب الوزارية.. ورفض طلب المعارضة بالتخلص من وزيرى الإعلام والداخلية (أضيف لهم الآن وزير الثقافة).
«ويحد هذا الاستقطاب من الانتعاش الاقتصادى فى المستقبل القريب وكل ما يهم مرسى تعزيز قوة جماعته وهو ما يتعارض مع إصرار صندوق النقد الدولى على تشكيل حكومة من مختلف الأطياف.. وهو شرط ضرورى للصندوق كى يوافق على القرض الذى سيمنح مصر مزيدا من الثقة الائتمانية من المؤسسات المالية الأخرى». «يضاف إلى ذلك فإن استمرار التوتر السياسى والانقسام الأهلى سيطفش رءوس الأموال ويطرد السياح ويترك مصر تمد يدها لتتسول من دول نفطية مثل قطر وليبيا وهو أمر محدود للغاية».
« وفى الوقت نفسه لا يظهر الجيش رغبة أو قدرة فى قيادة البلاد فى اتجاه أكثر إيجابية على الرغم من أن القوات المسلحة تعتبر أقوى مؤسسة فى البلاد.. لكنها تخشى من التجربة السيئة السابقة لها فى الحكم.. خاصة أن حجم التحديات قد تضاعف.. بجانب أن طبيعة الجيش غير الديمقراطية تجعله غير قادر على خلق الإجماع الواسع واللازم للإصلاح».
وينتهى التقرير إلى: إن تفاقم الإحباطات الاقتصادية والسياسية المتفجر بعجز الدولة عن حفظ النظام يزيد من احتمال اندلاع اضطرابات هذا الصيف وبعده ولذلك يجب على واشنطن التركيز على هدفين:
أولا: أن تستمر فى تشجيع الجهات السياسية الفاعلة فى مصر للحد من التوتر بإقناع مرسى وجماعته باقتسام السلطة بدلا من التمرد عليها.. خاصة أن الإخوان مطالبون بخيارات مؤلمة للإصلاح الاقتصادى مثل زيادة الضرائب وخفض الدعم وعدم التسول من دول النفط.. فهذه سياسة ستؤدى إلى أن المحسنين سوف يعتبرون ضخ المال استثمارا سيئا.
ثانيا: يجب على واشنطن التحضير لاحتمال أن الإخوان والمعارضة سيرفضون هذه النصائح وبالتالى عليها أن تبدأ التخطيط لمواجهة حالة عدم الاستقرار المحتملة كى لا تفقد مصالحها الاستراتيجية الثلاث وهى ضمان معاهدة السلام بعدما يحدث فى سيناء وأمن قناة السويس بعد الغضب الذى اجتاح المحافظات الثلاث السويس وبورسعيد والإسماعيلية.. والتعاون لمكافحة الإرهاب بعد تفشى الجهاديين فى مصر.
ثالثا: ونظرا لأن المؤسسة العسكرية مسئولة عن هذه البنود الثلاثة ينبغى أن تعمل إدارة أوباما مع القادة العسكريين المصريين للتأكد من وجود خطط طوارئ لمواجهة غليان هذا الصيف.
وتعبير «خطط طوارئ» فى عرف الأمن القومى الأمريكى يعنى أن تكون كل الخيارات مطروحة بما فى ذلك التدخل العسكرى سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.
إن كل هذه الصورة السياسية القبيحة لن يجدى معها عملية تجميل محدودة التأثير لمرسى فى واشنطن.. فكل المؤسسات فى العاصمة الأمريكية تعرف عما يجرى فى مصر أكثر مما تعرف المؤسسات المصرية المشابهة.. وما ستنفقه السفارة المصرية هناك من أموال دافعى الضرائب يذهب هباء.. فإصلاح الصورة يبدأ من القاهرة.. من مرسى نفسه.. لكنه.. على ما يبدو لا يستوعب ذلك.. ويمشى وراء مستشارين لا يفهمون شيئا مما يفعلون.. وحسب التجارب السابقة فإنهم موهوبون فى الغرق ويعجزون عن صنع طوق النجاة.