فى خريف 2009 استضافت مؤسسة هيكل للصحافة «ديفيد أوين» وزير الخارجية البريطانى السابق ليتحدث عن كتابه الشهير «الاعتلال فى السلطة.. الصحة البدنية والنفسية للزعماء وتأثيراتها على الحكم وصنع القرار».. وهو الكتاب الذى أشار فيه إلى أن الحالة الصحية سواء البدنية أو النفسية للزعماء تشغل أجهزة المخابرات فى العالم. رأى أوين أن النظام الديمقراطى السليم يجب ألا يعتمد على الطبيب الخاص للرئيس أو الطبيب الخاص بمرشح الرئاسة فى تقديم تقرير عن الحالة الصحية للرئيس، بل لابد من وجود تقييم مستقل عن حالته الصحية. هذه الفكرة تدخلنا إلى مساحة من المواجهة الحادة مع مرشحى الرئاسة، فنحن لا نريد منهم أن يتقدموا بتقارير طبية عن حالتهم الصحية، ولكن نطالب بتشكيل لجنة محايدة تقوم بالكشف عليهم، وتعد تقريرا يعرض على الرأى العام عن حالة من يريد أن يصبح رئيسا لمصر. إننا حتى الآن نتحدث عن الأمراض الجسدية التى يمكن أن تصيب المرشح، لم نتحدث عن الأمراض العقلية التى يمكن أن تصيبهم، محدثة خللا كبيرا فى أدائهم ندفع ثمنه جميعا، وما حدث فى ليبيا ليس بعيدا عنا.. فالحاكم المختل عقليا ينتهى به الأمر إلى إحراق شعبه وقتله. عندما بحثت فى ملفات المرشحين للرئاسة عثرت على بعض الإشارات القليلة للغاية عن الحالة الصحية لهم، لا يمكن أن تعطينا صورة كاملة عن حالتهم الراهنة، لكن لا بأس من توثيق هذه الإشارات التى حتما ستجر فى ذيلها أسئلة وتعقيبات وردوداً ربما يكون بعضها عنيفا. ما لفت انتباهى لهذا الملف كان الحادث الذى تعرض له عبد المنعم أبو الفتوح، بعد الاعتداء عليه وضربه على رأسه برشاش ثم نقله إلى مستشفى بالتجمع الخامس، وبعد حوالى ساعتين وطبقا لشهود عيان خرج أبو الفتوح من المستشفى وهو يسير على قدميه. وعندما نشرت حملة أبوالفتوح على الفيس بوك وتويتر صورته وهو فى بيته بين زوجته وابنته للتأكيد على سلامته – التى فرحنا بها بالطبع – كان قد علق أحدهم على الصورة بقوله: «مفيش لزقة.. تعورية.. بقايا دم.. هو انضرب بكيس اسفنج ولا إيه».. فى سخرية – ربما – من أن الرجل لم يتعرض لعنف من لصوص سيارته، لكن حملته أرادت أن تستغلها سياسيا. عبد المنعم أبو الفتوح الذى يبلغ من العمر 62 عاما، عندما كان محبوسا فى العام 2009 على ذمة القضية رقم 404 لسنة 2009 حصر أمن دولة عليا، المعروفة إعلاميا بقضية غسيل الأموال، لم يكن بحالة صحية جيدة. فقد قبض عليه فى 28 يونيو 2009.. وبعد أسبوعين فقط من حبسه انتقل للإقامة فى الجناح (ج) بمستشفى قصر العينى الفرنساوى، بالدور التاسع، وكانت تصاحبه ابنته الطبيبة تقريبا طول الوقت. أثناء هذه الأزمة أشار التقرير الطبى الذى أعده الدكتور رامى مصطفى نيابة عن الطبيبة المعالجة عالية عبد الفتاح، إلى أن الدكتور أبو الفتوح فى حالة مستقرة ويحتاج إلى جهاز التنفس المستخدم بشكل دائم أثناء النوم، وحالة القلب مستقرة مع العلاج الدوائى، ويمكن استكمال علاجه خارج المستشفى. كان الإلحاح على الحالة الصحية للدكتور أبو الفتوح وقتها كبيرا جدا، بل كانت هناك مطالبات بأن يخرج الرجل للسفر إلى الخارج لحاجته إلى عملية جراحية، وأنه يمكن أن يتعرض للموت إذا لم تجر له. لكن وبعد أن خرج أبو الفتوح من المستشفى والسجن، لم نعد نسمع شيئا عن حالته الصحية، ولا عن جهاز التنفس الذى يحتاج إليه وهو نائم بصفة مستمرة، وهو الجهاز الذى يوفر درجة من النقاء للهواء الذى يستنشقه، وإلا تعرض للاختناق. قد يكون ما قيل عن الحالة الصحية لأبو الفتوح فى 2009 مناورة سياسية يكسب بها إقامة فى مستشفى بدلا من الزنزانة، وهذا من حقه خاصة أن التهمة التى وجهت إليها وقتها كان مشكوكا فيها من الأساس. مرشح رئاسى آخر هو حمدين صباحى الذى كان أسرع المرشحين المحتملين وصولا إلى مستشفى التجمع الخامس للاطمئنان على أبوالفتوح، كان يعانى من أمراض الكبد، وأثناء عضويته فى برلمان 2005 سافر إلى الخارج أكثر من مرة لإجراء فحوصات وتلقى علاج.. وكل ما نرجوه أن يكون الله قد أتم شفاءه وأنعم عليه بالعافية، لكن أعتقد أنه لابد أن يقول لنا حمدين أين وصلت حالته الصحية، وهل شفى تماما من فيروس سى الذى كان يعالج منه، أم أن هناك ظلالاً لا تزال من هذا المرض. لا توجد معلومات كافية عن الحالة الصحية للمرشح المحتمل هشام بسطويسى، الذى لا نعرف حتى الآن قراره النهائى، فهل يرشح نفسه، أم يظل متمسكا بإعارته فى دولة الكويت، لكن المعروف أن هشام أجرى عملية جراحية فى القلب. كان هشام يقود اعتصاما فى نادى القضاة احتجاجا على نظام مبارك، استمر الاعتصام ما يقرب من شهر، التفت فئات المجتمع كلها حول ضميرهم وقضاتهم، حدث اعتداء على المعتصمين بالضرب، سحلت قوات الأمن بعضهم على مرأى ومسمع من الجميع. تعرض بسطويسى وقتها لضغوط نفسية رهيبة، جعلته أكثر توترا وعصبية، وكان لابد أن يسقط، لم يكن هشام يعانى من أمراض السكر أو الضغط، ولم تكن عنده حتى زيادة فى نسبة الكوليسترول، لكن قلبه توقف لأربع دقائق كاملة، تم إيقاظه منها بسبع صدمات كهربائية وعملية قسطرة استغرقت ساعة ونصف، وكان طبيبه هو الدكتور أحمد عبد الرحمن بمستشفى كليوباترا. حازم أبو اسماعيل يبدو خلال تحركاته الكثيرة صحيحا معافى.. لا يشكو من شىء، ولا يمكن أن نلحق به أمراض الشيخوخة التى يعانى منها المرشحون الآخرون، فهو حتى الآن من بين أصغر المرشحين سنا – عمره 52 عاما فقط- ولكن ما يعانى منه حازم وبشدة هو السمنة المفرطة. السمنة كمرض ليست عيبا لكنها خطر فى كل الأحوال، فهى مرض له أبعاد وراثية، وإن كانت طبيعة تناقله غير معروفة، هذا لا ينفى بالطبع أن هناك سمنة ناتجة عن خلل هرمونى، لكنها لا تشكل أكثر من 2 بالمائة. يعانى المصاب بالسمنة من زيادة غير طبيعية فى نسبة الخلايا الدهنية فى الجسم، وقد لا يكون التشخيص الطبى هنا مهماً، لكن مخاطر السمنة هى التى تقلق، فمن بين مخاطرها أنها تجعل المصاب بها معرض للإصابة بعدة أمراض منها السكر وضغط الدم وأمراض المرارة وأمراض الجهاز الهضمى وانحلال المفاصل وركود الدم الوريدى واختناق التنفس أثناء النوم والشخير وأمراض الشرايين وتصلبها وزيادة احتمال الإصابة ببعض أنواع السرطان.. وفى النهاية الموت المفاجئ. وتخيل أنت أن مرشحك للرئاسة المصاب بالسمنة يمكن أن يكون معرضا وفى لحظة واحدة لكل هذه الأمراض جملة واحدة. الغريب أن هناك من بين المرشحين من تجاوز السبعين عاما ولا يعانى من أمراض خطيرة، على الأقل هذا ما نعرفه عنهم، كل من يعرفون محمد سليم العوا يتكتمون كل الأخبار عن حالته الصحية، أحدهم قال لى: لا يصح أن نفتح هذا الملف الآن. عمرو موسى الذى يبلغ من العمر 76 عاما لا يعانى إلا من حساسية فى العين، على أثرها يدمع كثيرا، وهو ما يمكن أن تراه بسهولة، وهناك من يشير إلى أنه عانى فى فترة من الفترات من أعراض سمنة، لكنه استطاع أن يتخلص منها ويحافظ على وزنه المثالى. أحمد شفيق لا تتوافر معلومات عن ملفه الصحى، لكن من بين ما يعرف عنه أنه أجرى عملية جراحية فى قدمه بألمانيا، وتعافى سريعا، وقد زاره الرئيس مبارك وقتها فى بيته، فقد كانت العلاقة الشخصية بينهما تسمح بمثل هذه الزيارة.. التى لم تكن من رئيس لوزير يعمل معه، ولكنها من صديق إلى صديقه. سيظل هذا الملف مفتوحا بالطبع.. ولن يغلق إلا إذا تحدث أصحابه، لأنه من حقنا قبل أن نمنح أحدهم صوتنا أن نعرف قدرته ولياقته وقدرته على العمل.. فليس مطلوبا منا أن نختار رئيسا على بياض.. فهل يفعلها أحدهم.. أم يلتزم الجميع الصمت؟