منذ بداية الصراع فى سوريا قبل عامين كاملين، كانت فرنسا ترفض بشكل قاطع مسألة إمداد المتمردين السوريين بالأسلحة إلا أنه قبل أيام قليلة تحول الموقف من الرفض إلى المناشدة بضرورة تسليح المعارضة لضمان "توازن القوى" بين النظام فى دمشق ومعارضيه. نية باريس ولندن الخوض فى تسليح المعارضة السورية حتى وإن لم يحصلا على الضوء الأخضر من الاتحاد الأوروبى لرفع الحظر (الأوروبى) على توريد الأسلحة إلى سوريا ..فجرها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وبشكل مفاجىء الخميس الماضى إذ قال إنه "سيتم أولا مناقشة موضوع حظر تصدير السلاح إلى سوريا على مستوى الاتحاد الأوروبي"، مضيفا أن "فرنسا وبريطانيا تعتزمان إعطاء الفرصة للمقاومة في سوريا للدفاع عن نفسها" وانه في حال عدم التوصل للإجماع المطلوب على رفع الحظر الأوروبي، ستقرر باريس ولندن توريد الأسلحة إلى المعارضة السورية".
توجه فرنسا فى هذا الصدد أكده بعد ساعات قليلة الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند الذى أعلن فى اليوم نفسه من بروكسل أن "فرنسا مستعدة لتحمل مسؤولياتها، ولا تستبعد تقديم أسلحة إلى المعارضة السورية في حال لم تتوصل إلى اقناع شركائها الأوروبيين بذلك"..معتبرا أنه وبالرغم من كل الضغوط "فشلت كل الحلولالسياسية في سوريا".
وأوضح أولاند أنه "يجب أن نذهب إلى أبعد من ذلك، لأنه منذ عامين هناك إرادة واضحة من قبل بشار الأسد على استعمال كل الوسائل لضرب شعبه".
الدعوة إلى ضرورة تزويد المتمردين السوريين بالأسلحة أصبحت تتكرر بشكل شبه يومى على لسان وزير الخارجية الفرنسي الذى شدد أمس /الأحد/ على ضرورة القيام بهذا الأمر..محذرا، وفى لهجة جديدة، من أن التراخي في ذلك قد يمهد "لانتصار تنظيم القاعدة".
وأضاف أن "بشار الأسد لا يريد التنحي، وإذا استمر الوضع على حاله لن يزداد عدد القتلى فحسب لكن الخطر هو أن تتفوق الجهة الأكثر تطرفا في هذا النزاع - أي تنظيم القاعدة".
ويبرر فابيوس قرار بلاده (المحتمل) برفع الحظر على الأسلحة إلى سوريا بأنه سيسهل من التوصل إلى حل سياسى من خلال تحقيق توازن القوى حيث يشير إلى أنه "إذا أردنا التوصل إلى حل سياسي (في سوريا) يجب تحريك الوضع العسكري ميدانيا وتسليح مقاتلي المعارضة للتصدي للطائرات التي تفتح النار عليهم".
كما يؤكد وزير الخارجية الفرنسى أن تلك الأسلحة سيتم تسليمها (فى هذه الحالة) إلى الجناح العسكرى للإئتلاف الوطنى السورى المعارض..الضمانات نفسها تحدث عنها أيضا الرئيس الفرنسي فى ختام القمة الأوروبية ببروكسل بقوله "فيما يتعلق بتقديم أسلحة ، فإن إعطاء أفضل إجابة يتطلب أن تقدم المعارضة كل الضمانات اللازمة، ولأننا تلقينا هذه الضمانات فإننا نستطيع تصور رفع الحظر، لدينا تأكيد بشأن استخدام هذه الأسلحة"، كما كشف أولاند عن أن المعارضة ستتلقى أيضا دعما فنيا إذا تم إرسال أسلحة لها.
موقف باريس من تسليم الأسلحة إلى المعارضة السورية تحول من الرفض إلى الدعوة إليه إذ أن الرئيس الفرنسى كان يؤكد وحتى نهاية الشهر الماضى معارضته للأمر "طالما أن هناك إمكانية للوصول إلى حل سياسي" للأزمة السورية التى دخلت فى عامها الثالث.
وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس، الرجل الثانى فى الحكومة الفرنسية والمخضرم فى شئون الدبلوماسية، كان يتحدث أيضا بنفس اللهجة حيث أكد مرارا وقبل أشهر ليست بالبعيدة أن بلاده لن تنتهك الحظر المفروض على سوريا بإرسال أسلحة إلى ائتلاف المعارضة السورية وذلك على الرغم من مطالبة المعارضة السورية المتكررة بإمدادها بأسلحة دفاعية لمواجهة أسلحة النظام.
موقف المعارضة الفرنسية يأتى معاكسا للموقف الرسمى حيث آثار إعلان الرئيس الفرنسى ووزير خارجيته إستعداد باريس "لتحمل مسؤولياتها، وعدم استبعاد تقديم أسلحة إلى المعارضة السورية في حال لم تتوصل إلى اقناع شركائها الأوروبيين بذلك" موجة من الجدل بين الطبقة السياسية فى فرنسا فى الأيام القليلة الماضية حيث تتخوف بعض الشخصيات السياسية من وقوع تلك الأسلحة فى أيدى "الجهاديين" فى سوريا.
وأكد كلود جيان وزير الداخلية السابق المقرب من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزى أنه يتحفظ بشكل كبير على فكرة تسليم الأسلحة إلى المتمردين فى سوريا..مضيفا أن سوريا تشهد أوضاعا "مريعة" ولكن "إذا ما قدمنا الأسلحة (للمعارضين)، سيؤدى ذلك إلى مزيد من القتلى .. مشيرا إلى ان اعتباراته ذات طابع إنسانى بحت.
وأعرب وزير الداخلية الفرنسى السابق وعضو حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" أكبر أحزاب المعارضة اليمينية فى البلاد عن خشيته من إستخدام تلك الأسلحة "بعد رحيل الرئيس السورى بشار الأسد" .. مذكرا بأن كافة المحللين يقولون أنه وفى حال رحيل الأسد "ستكون هناك خلافات وقتال".
وعبر جيان عن مخاوفه من إستخدام الأسلحة الفرنسية، فى تلك الحالة، فى عمليات تصفية حسابات "دامية" بين المتمردين السوريين بما فى ذلك الإسلاميين على حد تعبيره..مشيرا إلى إحتمال أن تقع تلك الأسلحة أيضا فى أيدي الجهاديين في بلدان أخرى من العالم، فى مالي على سبيل المثال.
وقال جيان "إنه يخشى من احتمال أن تستهدف فى يوم أحدى الطائرات الفرنسية باطلاق نار من سلاح نقدمه نحن".
ومن ناحيته.. دعا فرانسوا بايرو، رئيس الحركة الديمقراطية الفرنسية (الوسط) والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية باريس ولندن إلى التعقل والتفكير حول القرار المحتمل بشأن تزويد المتمردين السوريين بالأسلحة.
واعتبر بايرو أن هناك مخاطر كبيرة لمد المعارضين السوريين بالأسلحة وذلك بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ببروكسل أن "فرنسا مستعدة لتحمل مسؤولياتها" وتسليم الأسلحة إلى المعارضة السورية، إذا لم تتمكن من إقناع شركائها الأوروبيين بشأن رفع الحظر على توريد الأسلحة إلى سوريا.
وأضاف المرشح الرئاسى السابق أن هذا القرار (المحتمل) يعنى "إننا سندخل فى مزايدة مع إيرانوروسيا " حول التسليح فى سوريا فى إشارة إلى إمداد طهرانوموسكو بالأسلحة إلى النظام.
وأوضح أن القرار الفرنسي (المحتمل) فى هذا الصدد يعنى "اننا سوف نبرر لهما (روسياوإيران) ما يقومان به".. محذرا من أن قرار إمداد المعارضة بالأسلحة سيؤدى إلى تصعيد الموقف فى سوريا.
وتساءل "إلى من سنقوم بتسليم الاسلحة؟!"..موضحا "هناك معارضين حقيقيين فى المقاومة السورية وبعد ذلك هناك الأصوليين".
وأضاف بايرو"لقد رأينا في ليبيا ما آلت إليه الأمور بسبب تسليم شحنات الأسلحة التى انتشرت فى أنحاء المنطقة، ومن ثم علينا التعامل معها".
وأشار إلى أن الأوضاع فى سوريا لا تتلخص فقط فى الحرب على الدكتاتور ، ولكن هناك حرب بين الجماعات العرقية المرتبطة بالأصل والديانة".
ميشيل اليو-ماري وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة أعربت عن معارضتها للقرار الفرنسى المحتمل بشأن تسليح المعارضة السورية..موضحة أن "المشكلة ليست فى تسليح المتمردين فى سوريا، ولكن فيما سيحدث بعد ذلك".
وتساءلت أليو-مارى " كيف يمكن لهذه الأسلحة ألا تنقلب ضدنا في وقت من الأوقات؟" ..مضيفة أنه فى مالى هناك القوات الفرنسية التى يتم مواجهتها بالأسلحة الفرنسية أو الأوروبية.
وانتقدت المسئولة الفرنسية السابقة التى تنتمى لحزب اليمين المعارض ما يقوم به الرئيس الفرنسى أولاند بقولها "لا نستطيع أن نفعل مثله وأن نذهب إلى بروكسل لإقناع شركائنا (بشأن رفع الحظر الأوروبى على الأسلحة إلى سوريا) وأن نقول لهم على أية حال، إننا سوف نفعل ما نريد"، واعتبرت أليو-ماري أن الرئيس الفرنسي ليست لديه "خبرة دبلوماسية".
بدوره اعتبر فلوريان فيليبو نائب رئيس الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) إعلان باريس نيتها إمداد المعارضين السوريين بالأسلحة بانه "جنون"..مضيفا أن هؤلاء (من بينهم) "الإسلاميين والجهاديين، هم أنفسهم من نقاتلهم في مالي".
وأوضح انه لايدعم بشار الأسد "ولكن فى الوقت نفسه، لن نسلح ونمول الإسلاميين والجهاديين".المحللون السياسيون فى فرنسا يعتبرون أن إعلان باريس نيتها تزويد المعارضة بالأسلحة قد يؤثر على فرص التوصل إلى "حل سياسى ودبلوماسى" للأزمة السورة وإن كانت الفرص ضئيلة.
حيث أشار المحلل السياسى ديديه مليار المتخصص فى شئون العلاقات الأوروبية-الشرق أوسطية أن التغيير فى موقف فرنسا من تسليح المعارضة السورية بعد رفضها أياه مرارا يعد "أمر مفاجىء" .. مشيرا إلى أن الوضع على الأرض فى سوريا هو فى الواقع شبه متوقف "إلا أن هناك بعض القرائن التي يمكن أن تجعلنا نعتقد أن هناك أمل ضئيل فى التوصل إلى حل سياسي" للأزمة التى تشهدها سوريا منذ عامين كاملين.
وأوضح المحلل الفرنسى أن الحل السياسى يبقى السبيل الوحيد للوصول إلى نهاية لهذا الصراع .. مشددا على ضرورة الاستفادة من الانفتاح الذى أبدته موسكو مؤخرا باعتبارها لاعبا أساسيا فى هذا الملف.
واعتبر ديديه مليار أن التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس بشأن إعتزام باريس تزويد المعارضة السورية بالأسلحة من شأنها أن تهدد كافة المبادرات الدبلوماسية للخروج من الأزمة السورية.
وكانت الدول الأوروبية، قد قررت في نهاية فبراير الماضي، فرض عقوبات على سوريا من بينها حظر على الأسلحة لمدة ثلاثة اشهر، تنتهي مع نهاية شهر مايو، ومع ذلك رفع الأوروبيون القيود عن تزويد المعارضة بمعدات غير قاتلة، وتقديم مساعدة تقنية لمساعدة المعارضة وحماية المدنيين.