عبد اللطيف المناوى شاهد على أن جمال مبارك كان يخطط للالتفاف حول الشعب بعد خطاب والده العاطفى.. ورغم ذلك لم ينسحب من عمله احتجاجا على ما اكتشفه المناوى يروى قصة درامية لموقعة الجمل يكشف فيها أن أصحاب الخيول والجمال الذين دخلوا الميدان كانوا فى حالة دفاع عن النفس ليس إلا المشكلة الكبرى التى يعانى منها عبد اللطيف المناوى رئيس قطاع الأخبار السابق فى كتابه «الأيام الأخيرة لنظام مبارك 18 يوم»، أنه يكتب وكأنه يمتلك الحقيقة المطلقة، أو كأنه هو الشاهد الوحيد الذى انتظرناه طويلا ليقول لنا ما جرى. المشكلة الكبرى أن الرجل الذى كان مسئولا عن قطاع الأخبار فى مصر، وصدعنا طوال كتابه – 461 صفحة – بالمهنية وأصول المهنة فى التغطيات الإخبارية، افتقد كثيرًا من قيم الدقة والموضوعية والتوازن والمصداقية، وهو يتحدث عن موقعة الجمل، الموقعة الأهم فى أحداث الثورة، لأنها عكست انهيار النظام الذى قرر أن يواجه عصر الكمبيوتر بعصر الجاهلية. كل ما يقوله المناوى لا يخرج عن انطباعات وكلام غير مؤكد من مصادر مجهلة.. تؤكد أنه يفتقد أى حس مهنى فيما يتعلق بالخبر الصحفى، ولأنه كان مهتما طوال كتابه بتبرئة نفسه ونظامه – الذى يلح على أنه لم يكن ينتمى إليه – فقد حاول تحميل الإخوان مسئولية موقعة الجمل.. وكأنهم من فعلوها، أو على الأقل هم الذين فعلوها وحدهم. لقد شعر المناوى بعد أن انتهى مبارك من خطابه فى 1 فبراير - وهو الخطاب الذى راهن عليه هو ورجاله أنه سيجمع الشارع مرة أخرى من حوله – أن هذه فرصة كبيرة أخرى أمام مبارك ينبغى استغلالها للخروج من المأزق، بشكل يحفظ لكل الأطراف الحد الأقصى من تحقيق المكاسب على البر السياسى والانتقال السلمى للسلطة، وتحقيق مطالب المصريين أو الجزء الأكبر منها، وتحقيق مطالب المتظاهرين، وفى الوقت نفسه الحفاظ على صورة مبارك. يفرش المناوى بعد ذلك الأرض لإدانة الإخوان بكثير مما جرى وتحديدا فى موقعة الجمل. يقول: «رد الفعل السريع الذى وصلنا من خلال الميدان بأن هناك أصواتا كثيرة ترحب بالخطاب، وأن العديدين منهم اعتبروا هذا انتصارا لهم، ولانتفاضتهم، وأنهم استطاعوا فى ثمانية أيام أن يحققوا ما لم يتم تحقيقه فى تونس إلا بعد 25 يوما». وبالفعل بدأ عدد من المتظاهرين يتركون الميدان ويتحركون، المجموعة الوحيدة التى رفضت البيان – كما يقول المناوى – منذ اللحظة الأولى كانت جماعة الإخوان المسلمين، التى شعرت بأن السجادة يتم سحبها من تحت أقدامهم، وأن مبارك بهذا التصرف قد نجح فى أن يجهض مشروع إسقاط النظام، وبالتالى كان الرفض الكامل منهم لهذا البيان، وبدأوا فى تخويف المتظاهرين الآخرين، بأنهم لو تركوا الميدان فسوف يتعرضون للاعتقال والمحاكمات بسبب مشاركتهم فى المظاهرات. على خط الاتهام نفسه يشير المناوى إلى أن الطرف الثانى الذى شكك فى خطاب مبارك كان قناة الجزيرة، التى أعنلت فور إنتهاء مبارك من إلقائه كلمته، أن المتظاهرين فى ميدان التحرير يرفضون خطاب الرئيس وأنه لم يلق أى استجابة رغم كل ما قدمه من تنازلات. بعد قليل لاحظ المناوى أن هناك مجموعات تأتى بالقرب من مبنى التليفزيون، وبدأت تهتف للرئيس مبارك، وفيما يبدو – كما اعترف المناوى – أن هذه المجموعات تم تكليفها من قبل قصر الرئاسة، أو من الحزب الذى كان لا يزال قائما بأن يتم تنظيم مظاهرات لتأييد مبارك. كان عدد من يهتفون لمبارك قليلاً، اتصل أنس الفقى بالمناوى وطلب منه أن ينقل المظاهرات المؤيدة لمبارك على الهواء مباشرة، وسأله عن عددهم، فقال له مازحا: «العدد صغير جدا.. إنهم 17 شخصا، وأفكر فى أن أرسل لهم ثلاثة أشخاص من عندنا حتى يكملوا العشرين». رد أنس بما يمكن أن نعتبره دالا على ما كان يجرى، قال للمناوى: انتظر بعد قليل سيزداد العدد، وبعد قليل بالفعل ازداد العدد، تجاوز المائة بقليل، ولم يصل إلى المائتين، كانت بصحبتهم سماعات ساوند سيستم، بدأوا فى وضعها أمام التليفزيون، حيث سمح لهم بذلك، وبدأوا فى إذاعة الأغانى الوطنية بصوت عال. لقد اعترف المناوى بأن عدد المؤيدين لمبارك كان قليلا جدا، ولا يمكن أن يعبر عن تيار كبير فى الشارع المصرى، لكنه استسلم كالعادة ونفذ الأوامر التى وصلته من أنس، يقول: «وبالفعل تنفيذا للتعليمات تم نقل المشهد». بعد نقل المشهد صعد المناوى إلى مكتب الفقى، الذى كان يجرى اتصالات بجمال مبارك وزكريا عزمى والرئيس مبارك، وقد طلب من مساعديه أن يفتحوا شبابيك مكتبه، حتى يسمع الرئيس الأصوات التى تهتف مؤيدة له، بل قال لمبارك نصا: «يا فندم المظاهرات المؤيدة بدأت بالفعل». لم تكن هذه هى الخطة كلها، قال أنس للمناوى إن هناك مجموعات من المظاهرات المؤيدة للرئيس ستكون موجودة فى أماكن مختلفة فى القاهرة، وأن عليه أن يرتب لتغطيتها، وبدأ المناوى يتلقى اتصالات من قيادات الحزب الوطنى، وبعض القيادات التنفيذية لتحدد له أماكن المظاهرات المؤيدة التى ستنطلق فى صباح الثانى من فبراير. ورغم هذه الاتصالات التى أتت للمناوى تخبره بالمظاهرات المؤيدة لمبارك، إلا أنه ومن باب الاستخفاف وفى تناقض واضح يقول: «القول بأن هذه المظاهرات كانت مرتبة هو قول ينقصه الدقة، بل يمكن القول إن هناك بعض المحاولات لتنظيم مظاهرات مؤيدة، ولكنها لا تتجاوز نسبة ضئيلة جدا من الحجم الكلى من المظاهرات المؤيدة لمبارك فى ذلك اليوم». يصل المناوى إلى الخطأ الكبير الذى وقع فيه النظام، فقد ملأته مظاهرات تأييد مبارك المنظمة نشوة النصر والإحساس بالقوة، فظن من يديرون الأزمة أن الشعب كله مع مبارك، وأن الشعار الذى رفعه المؤيدون «مش هيمشى» يعنى أنهم نجحوا فى إدارة الأزمة، وأنه لن يمشى فعلا، حاسما المعركة لصالحهم. هذا الإحساس الكاذب هو الذى دفع جمال مبارك – كما يروى المناوى – إلى الاتصال بوزير الخارجية ويليام هيج، قائلا له: هل ترون؟.. ها هو الشعب معنا.. يقف إلى جوارنا. ورغم اعتراض المناوى الذى سجله فى كتابه على مكالمة جمال لوزير الخارجية البريطانى، إلا أنه بالغ فى وصف المظاهرات التى خرجت لتأييد مبارك، يبدو أنه وحده الذى كان يراها. يقول المناوى عن هذه المظاهرات: «فى شارع كورنيش النيل تجمع الآلاف وهم يبكون ويرددون شعارات التأييد لمبارك ورفضهم مظاهرات التحرير، ووصف المتظاهرون المؤيدون لنظام مبارك الرئيس بالأب الذى يجب تأييده، وعدم إذلاله وإهانته فى نهاية العمر، وبدأ المواطنون يتوافدون من مناطق مختلفة فى أنحاء القاهرة، منهم من خرج من الشرابية والعباسية والخليفة، ومنهم من جاء من محافظات مثل أسوان وأسيوط معلنين تأييدهم للرئيس، والتنديد بالدكتور محمد البرادعى وأيمن نور، وحمل المتظاهرون لافتات مكتوبا عليها: هنحل مشاكلنا مع كبارنا من غير تدخل خارجى». عرف المناوى كما يقول أن هناك التفافا يقوم به الرئيس ورجاله، يقول نصا: «أذكر حوارا سريعا دار بينى وبين الوزير بعد أن انتهى الرئيس مبارك من خطابه، أن سألته: هل الجملة التى يتحدث فيها عن احترام أحكام محكمة النقض فيما يتعلق بالطعون الانتخابية، هل هذا يعنى أن أحكام محكمة النقض سوف يتم تطبيقها، وبالتالى سوف تلغى عضوية من صدر ضدهم حكم من محكمة النقض؟ قرأ الفقرة ثم طلب منى الانتظار دقيقة واتصل بجمال مبارك، ليسأله السؤال الذى سألته، فأجابه جمال على الطرف الآخر: انتظر.. انتظر بس هانشوف هنعمل إيه بعدين. يعلق المناوى على هذا الموقف بقوله: «ذكر لى هذا وكان فيما قاله أول مؤشر شعرت من خلاله أن هناك التفافا أو بدايات التفاف على النية الحقيقية لحل الأزمة، وعلى ما التزم به الرئيس أمام الشعب، التى لم أشك أنها نية حقيقية لدى الرئيس بدت واضحة على ملامحه عندما كان يلقى الخطاب». كانت هناك لحظات كثيرة اكتشف فيها المناوى أن هناك حالة خداع كبيرة للشعب من الذين يديرون الأزمة – ذكرها فى كتابه – وكان مفروضا أن ينسحب فى أى لحظة فيها، إلا أنه أكمل طريقه إلى نهايته واهما نفسه أو مخادعا لنا بأنه كان يقوم بواجبه. لم يمنع اكتشاف المناوى لحالة الخداع التى يقوم بها النظام أن يواصل تبرئته مما جرى فى موقعة الجمل. يصل بنا المناوى إلى ميدان التحرير، يقول: «تجدر هنا ملاحظة أن ميدان التحرير لم يعد باقيا فيه فى هذا التوقيت إلا عدة ألوف لا تتجاوز بأى حال من الأحوال عشرة آلاف، وكان حوالى 75 بالمائة منهم ينتمون إلى التيارات الإسلامية المتشددة والإخوان المسلمين، وقد استخدمت هذه التيارات قدرا كبيرا من الترهيب لمن أراد أن يغادر الميدان، كانوا يمنعونهم، ويمارسون طريقة معينة عندما يدور النقاش حول الإنسحاب من الميدان، بأن يصرخوا فيمن يريد المغادرة باتهامه بأنه عميل، فيتجمع حوله المتظاهرون فيصاب بحالة ذعر توقفه عن المناقشة». ينقل المناوى ما جرى كما ورد إليه، فقد وصلته اتصالات من متظاهرين فى الميدان، بأنهم أرادوا أن يغادروا التحرير، ولكن منافذ الخروج أغلقتها الجماعات الإسلامية، التى سيطرت على مداخل ومخارج الميدان ومنعت الدخول إليه والخروج منه إلا بإذنهم، ويقول المناوى جازما: «وبالفعل كنت أجرى اتصالات مع الجيش لإبلاغى بالطريق الذى على الراغبين فى الخروج من الميدان أن يسلكوه». الإخوان لم يفعلوا هذا فقط، بل طبقا لما يراه المناوى فقد استولوا على مسجد عمر مكرم وأعلنوا من خلاله رفضهم لخطاب مبارك رفضا تاما، مطالبين الشباب بالصمود واستمرار التظاهر، حتى يرحل مبارك نهائيا، وبدأوا فى نشر الشباب التابعين لهم وسط الميدان لحثهم على عدم فض الاعتصام، وهو ما أدى لحدوث مشاجرات كثيرة بين الرافضين للخطاب والمؤيدين له، رغم انسحاب عدد كبير من المتظاهرين. هذه إشارة أولى من المناوى إلى تحميل الإخوان مسئولية ما جرى يوم الجمل، ويكمل المناوى روايته: «تدفق المتظاهرون إلى ميدان التحرير، وعلمت أن بعضا من المشاركين فى المظاهرات المؤيدة فى المناطق المختلفة من القاهرة قد بدأوا يدعون المتظاهرين للاتجاه إلى ميدان التحرير من أجل إنهاء الوضع القائم هناك، وكانت تمرر لهم الفكرة بأن الطريق آمن». فى الثالثة عصرا وكما يروى المناوى، وبينما يتدفق على الميدان ألوف المؤيدين لمبارك، كانوا يمرون أمام مبنى التليفزيون، ومن العديد من الأماكن، ومن الذين كانوا يمرون أمام مبنى التليفزيون رئيس الأمن الذى كان يتأكد من سماح الجيش لهم بالمرور بناء على التعليمات لديه، وكان من بين الذين مروا مجموعة رأيتها على شاشة كاميرات الأمن من الجمال والخيول عددها فى حدود العشرين أو أكثر بقليل، كانت الجمال يمتطى كل واحد منها شخصان، والخيول معظمها هزيل. هنا تحديدا يمكن أن يأتى الزور فى شهادة المناوى.. فطبقا للفيديو الشهير الذى أذاعته منذ شهور هالة سرحان فى برنامجها ناس بوك.. تبدو أعداد كبيرة من الجمال ومن الخيول تمر من أمام التليفزيون، تمر فى حماية رجال الحرس الجمهورى.. ويبدو عليهم أنهم كانوا متأهبين تماما لإخلاء ميدان التحرير، وهو ما قاله بعض منهم أمام النيابة وكما تؤكد تحقيقات قاضى التحقيق، فقد أشاروا إلى من دفع ومن طلب ومن حرض. سأل المناوى بحسن نية عن هؤلاء الذين يسيرون من أمامه، فعرف أنهم أهالى نزلة السمان التى يعيش أهلها على السياحة، والسياح الذين يستأجرون الجمال والخيول من أجل ركوبها حول المناطق الأثرية، وعرف أيضا أن هؤلاء قد جمعوا أنفسهم فى منطقة النزلة فى إطار الترتيبات التى أعدت لتأييد مبارك، واعتقدوا أن خروجهم للتظاهر بجمالهم وخيلهم هو الأسلوب المناسب لهم، للتعبير عن غضبهم من توقف السياحة، وعدم وجود مصدر رزق لهم، كانوا يحملون فى أيديهم تلك العصى الصغيرة التى يستخدمونها فى قيادة الجمال والخيول. بهذا الوصف يبرئ المناوى أصحاب الخيول والجمال.. بل إنه تبنى رأيهم من خلال تليفزيونه واعتبره معقولا ومنطقيا، يقول: «فأصحاب الجمال الذين تعرضوا لضرب مبرح طرحوا سؤالا بدا منطقيا، هل يعقل لمجموعة من الجمال والخيول أن تتمكن من تفريق مظاهرة يشارك فيها عشرات الألوف، غير أن هذا التفسير وسط الاتهام الواضح بأن هناك استخداما لهذه الجمال والخيول لتفريق المتظاهرين، لاكساب المعركة اسما رمزيا وهو «موقعة الجمل».. وتجدر هنا الإشارة إلى أن لفظ موقعة ارتبط أساسا بالمعارك الإسلامية فى القرون الأولى للإسلام، وأول من استخدم هذا التعبير على هذه المعركة هما الجزيرة القناة والإخوان الجماعة. وهنا تأتى مغالطة جديدة من مغالطات عبد اللطيف المناوى، فليس صحيحا أن الجزيرة والإخوان كانا أول من أطلقا على ما جرى موقعة الجمل، فالتسمية منسوبة أولا إلى عماد الدين أديب الذى كان ضيفا دائما على قناة الحياة من خلال برنامج شقيقه عمرو الذى عاد به إلى الشاشة أيام الثورة. يصل المناوى إلى عمق اتهام الإخوان، يقول: «عندما انطلقت المظاهرات المؤيدة، التى دفعوها دفعا إلى ميدان التحرير كانوا يعتقدون أن من فى الميدان لا يتجاوز عددهم ألوفًا قليلة، من البساطة بمكان كنسهم ودفعهم إلى خارج الميدان، وكان الاعتقاد وهذا صحيح أن الأغلبية من المتظاهرين من الشباب قد عادوا إلى منازلهم، لكنهم لم يدركوا أن الموجودين فى الميدان من المنتمين لتيار الإسلام السياسى باختلاف أفرعه، وعلى رأسهم جماعة الإخوان، وهى جماعة مدربة تدريبا واضحا على القتال الفردى والاشتباك والدفاع عن الميدان». كما أشار المناوى، فإن من بين شباب الإخوان من كانوا على مستوى تدريبى عال، وكانوا يستخدمون تكتيكات واضحة فى التعامل مع المتظاهرين المؤيدين للرئيس مبارك، حيث إنهم فى البداية كانوا يتراجعون ليفتحوا لهم الطريق ليتقدموا إلى وسط الميدان، ثم يطبقون عليهم من الشوارع الجانبية، ويدفعونهم إلى الخلف، وقد ظلت هذه العملية الدفع والتدافع جيئة وذهابا، بين المتظاهرين المعارضين والمؤيدين عدة ساعات، حتى تمكن المعارضون من دفع المؤيدين خارج الميدان، ووقفت بعض قوات الجيش للفصل بينهم، وأصبحت هناك جبهتان، كل منهما تلقى بالحجارة على الطرف الآخر. جماعة الإخوان أعلنت على الفور فى بيان لها أن النظام يتحمل مسئولية ما حدث للشعب من قتل وإصابة الألوف، وأنها ترفض التفاوض معه.. وهو ما يأخذ منه المناوى مدخلا لما يريده، يقول هو: «حوالى الساعة السادسة بدأت الأمور تأخذ منحنى مختلفا فى التحرير، حيث ظهرت للمرة الأول شعل النار واستخدام زجاجات المولوتوف بين الجانبين، بدأ الاستخدام بسيطا لها فى البداية، حيث لوحظ وجود عدد من الزجاجات الطائرة هنا وهناك، لكن لم يتم التحديد بشكل قطعى من أين جاءت، بل كانت متبادلة بين الفريقين.. وباتت زجاجات المولوتوف تلقى من فوق أسطح عمارات ميدان التحرير، وهذه العمارات كان جزء منها يقع تحت سيطرة الموجودين فى الميدان من المعارضين، وجزء منها على الطرف الآخر، فى الميدان المقابل لعبد المنعم رياض يسيطر عليها مجموعة من المؤيدين». يريد المناوى أن يقول إن المعركة كانت بين طرفين.. وليست بين طرف أراد أن يعتدى ويقتل ويطرد من الميدان، فتصدى له الطرف الآخر كنوع من الدفاع عن النفس. الغريب أن المناوى يستند إلى شهادة المستشار مرتضى منصور وهو أحد المتهمين حتى الآن فى موقعة الجمل، ولم تنته بعد محاكمته، ولم يصدر فى حقه حكم لا بالبراءة ولا بالإدانة، فقد نقل عنه قوله الذى قاله لإحدى القنوات الفضائية – لم يسمها المناوى رغم حرصه على الدقة – إن الموجودين فى ميدان التحرير الآن ليسوا مصريين، وأن من يسيطر على الميدان هو تنظيم وليس المصريين الذين شاركوا فى مظاهرات الثلاثاء والجمعة، فهم أناس منظمون يعرفون ما يفعلون. ادعى مرتضى منصور الذى كان يقول إنه فى ميدان التحرير وقتها – هكذا قال المناوى – إن هناك جنسيات أجنبية مشاركة، وأن هناك إطلاق رصاص حى وصرخ بأن مصر تباع. يدفع المناوى بكل ما لديه، يقول: «جاءنى خبر تال منسوب إلى مصدرأمنى أيضا بأن هناك عناصر إخوانية تلقى بكرات النار من على أسطح العمارات، على المتواجدين فى ميدان التحرير، وذلك لإشعال نار الفتنة، وهذا المعنى ذكره بعد ذلك اللواء حسن الروينى بما يؤكد أن النيران المتبادلة اعتلاء أسطح العمارات لم يكن موقفا من المؤيدين فقط، ولكنه كان موقفا من الطرفين فى إطار الصراع على ميدان التحرير». أغلب الظن أن عبداللطيف المناوى لم يطلع على التحقيقات التى أجراها قاضى التحقيق فى موقعة الجمل، ولم يكن الأمر يكلفه شيئًا.. فقط بعض التصفح لمواقع الإنترنت كان سيغنيه عن حالة التلفيق التى لجأ إليها، وهى حالة قاصرة جدا، أظهرته كمدافع صنديد عن النظام الذى كان ينتمى إليه. أعرف أن هناك رغبة فى تحميل الإخوان مسئولية معركة الجمل، وأنهم من افتعلوا المعركة حتى يحرجوا نظام مبارك، لأنهم أدركوا أنه سيستمر بعد خطابه العاطفى، وفى حالة استمراره فإنه سيعصف بهم.. ولذلك لم يكن أمامهم إلا توريط نظام مبارك أو الانتحار. لقد استند المناوى إلى ما قاله الروينى لشباب الإخوان فى الميدان، من أن شباب الجماعة هم من كانوا يلقون المولوتوف من فوق أسطح العمارات، ولما نفوا ذلك، قال لهم إن الدكتور محمد البلتاجى موجود، وهو من قال له أن يجعل شباب الجماعة يهبطون من فوق أسطح العمارات حتى لا تقوم الشرطة العسكرية باعتقالهم. على أية حال فإن اتهام الإخوان أو غيرهم بموقعة الجمل لن يفيد أحدا الآن.. فهناك من يحاكم.. بل إن هناك من وردت أسماؤهم فى تقرير تقصى الحقائق أمثال أحمد عز وجمال مبارك وزكريا عزمى.. بأنهم خططوا لموقعة الجمل، لكن لم يشملهم قرار الاتهام.. ومن بين سطور ما قاله المناوى يمكن أن نعرف أنهم كانوا متورطين بالفعل. لقد حاول عبد اللطيف المناوى أن يبرئ نفسه فخانها.. كان يمكن أن يكون صادقا ولو لمرة واحدة.. لكن يبدو أن هذا صعب على المناوى، الذى اجتهد فى البحث عن حبكة درامية لموقعة الجمل.. رغم أن تحقيقات القضية كلها كانت بين يديه وهو يعد الكتاب.. لكنه يبدو أنه كان صاحب غرض.. والغرض مرض كما يقولون.