استخدمت قوات الأمن أثناء تفريقها لبعض التظاهرات القوة المفرطة التي وصلت إلى حد استخدام الأسلحة النارية كالرصاص الحي والخرطوش تجاه مواطنين عزل مما تسبب في مقتل الكثير من المواطنين وإصابة المئات في مظاهرات منذ تنحي مبارك. حدث ذلك على سبيل المثال في أحداث شارع محمد محمود في نوفمبر 2011 والتي نتج عنها وفاة 45 شخصا – طبقًا لتصريحات وزارة الصحة - على يد رجال الشرطة، في اشتباكات استمرت على مدار ستة أيام، واستقبلت مستشفى القصر العيني أكثر من 60 إصابة في العيون في هذه الأحداث، واستمر نفس النهج في أحداث شارع محمد محمود في فبراير 2012 والتي قتل فيها 15 مواطنا على يد رجال الشرطة واندلعت عقب استشهاد 72 مشجعا من مشجعي الأهلي في إستاد بورسعيد، كما شهدت مظاهرات صغيرة نفس نهج العنف المفرط المفضي إلى الموت، ومنها أحداث ميت غمر، حينما اندلعت احتجاجات أمام قسم الشرطة بعد مصرع مواطن من جراء التعذيب فأطلقت الشرطة الرصاص الحي وقتل شخص وأصيب آخر إصابة خطيرة.
وكانت نتيجة التعامل بهذا العنف وحالات القتل على يد رجال الأمن المركزي تفاقم الموقف بسبب اشتعال غضب الأهالي، حيث أنه في بعض الأحيان تحولت التظاهرة إلى اشتباكات عنيفة استمرت أحياناً إلى أكثر من خمسة أيام.
وفي حالات أخرى، لم تتدخل قوات الأمن إطلاقًا لمنع الاشتباكات أو الاضطرابات العامة، مثلما حدث في أحداث قصر الاتحادية في 5 ديسمبر الماضي حيث قتل ملا لا يقل عن 10 شخصا في مواجهات عنيفة أمام القصر الرئاسي بين مؤيدي ومعارضي الرئيس مرسي، استمرت أكثر من 12 ساعة بدون تدخل أمني يذكر، كما سكتت قوات الأمن الموجودة في هذه الأحداث عن حالات احتجاز غير قانوني وتعذيب قام بها مدنيون تحت مرأي ومسمع رجال الشرطة، دون أن تقبض على المعتدين.
وأكدت المبادرة خلال تقريرها على أن القوانين والسياسات تحكم عمل الشرطة الحالي أيضا، ما جعل استمرار الانتهاكات بهذه الصورة ممكنًا هو غياب أي تغيير حقيقي في الهيكل أو القوانين الحاكمة لعمل رجال الشرطة،ففيما يتعلق بهيكل الوزارة، تم تغيير اسم جهاز أمن الدولة إلى جهاز الأمن الوطني وتم نقل بعض الأفراد العاملين فيه في إطار اتسم بعدم الشفافية ولم يستند بالضرورة إلى معايير الإصلاح أو معايير حقوق الإنسان، ولم يصدر تشريع ينظم عمل الجهاز الجديد حتى الآن ويستمر جهاز أمن الدولة في ثوبه الجديد في العمل دون وضوح سلطاته أو المهام التي يقوم بها وفي غياب الرقابة على ممارساته، وكان التغيير الآخر في الهيكل قد جاء في عهد الوزير السابق أحمد جمال الدين، حيث قام باستحداث قطاع لحقوق الإنسان والتواصل المجتمعي بوزارة الداخلية، ولم يعلن عن تكليفه بأي سلطات أو اختصاصات تختلف عمّا كانت تقوم به إدارة العلاقات العامة وحقوق الإنسان في عهد مبارك، ويبدو أن ما قام به الوزير هو مجرد تغيير شكلي لإخراج قسم حقوق الإنسان من تحت إدارة العلاقات العامة.
أما عن القرارات والقوانين الحاكمة لعمل الشرطة والتي تقنن القمع والاستخدام المفرط للقوة، فلم يحدث بها أي تغيير، وكان التغيير الوحيد الذي تم تمريره من البرلمان الذي جرى حله في شهر يونيو الماضي هو تعديل على أجور وحوافز رجال الشرطة وإلغاء المحاكمات العسكرية لأمناء وأفراد الشرطة، كما كان هذا هو التعديل الوحيد الذي وافق عليه وزير الداخلية آنذاك محمد إبراهيم، استجابة لضغوط متصاعدة من داخل الجهاز نفسه، ومع كون هذه التعديلات مطلوبة للحد من الفساد المالي في عمل الشرطة، لكنها أقرت بدون أيٍ من التعديلات التشريعية المطلوبة في نصوص استخدام القوة والسلاح وهيكل الوزارة والرقابة على عمل رجال الشرطة، كما فشلت محاولة يتيمة للوزير منصور عيسوي لتعزيز المراقبة على أعمال الشرطة من خلال قرار بارتداء الضباط والأفراد لشارات تحمل أسماءهم في أثناء تواجدهم بالشارع، إلا أن هذا لم يستمر لأكثر من شهرين واختفت الشارات التي تحمل أسماء رجال الشرطة بعد أن انحسر خطاب التظاهر بالإصلاح وإعادة بناء الثقة لصالح خطاب الحاجة إلى العودة إلى القبضة الأمنية واستعادة "هيبة" الشرطة من أجل إعادة الانضباط إلى الشارع، وهو ما رأينا انعكاساته في تعاملات الشرطة التي صارت أكثر عنفًا من قبل.
كما رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أداء النيابة العامة في التحقيقات الجنائية في حالات كان فيها المتهمون من رجال الشرطة، من خلال تحليل مفصل لملفات التحقيقات في أربع قضايا، هم قضايا قتل السجناء في أثناء الثورة في سجني القطا والاستئناف، بالإضافة إلى قضية قتل اثنين وإصابة ثالث على يد رجال شرطة قسم ميت غمر في سبتمبر 2012 وقضية قتل مواطن وتعذيب آخرين في أحداث رملة بولاق في أغسطس 2012، ووثق التحليل انحياز النيابة العامة لصالح المتهمين، ما أدى إلى حفظ القضية بدون إحالة أحد إلى المحاكمة في حالة ميت غمر، والتباطؤ الشديد في التحقيقات في قضايا قتل السجناء، وتحويل المجني عليهم إلى متهمين في قضية رملة بولاق عندما قررت النيابة العامة إحالة 51 من الأهالي للمحاكمة، ومنهم ضحايا تعذيب، بتهم الاعتداء على موظفين عموميين وتعطيل حركة المرور، دون إحالة أي من رجال الشرطة في وقائع قتل وإطلاق رصاص حي ضد مدنيين عزل.
في هذه القضايا لم توجه النيابة العامة اتهامات لرجال الشرطة المسئولين عن قتل وإصابة مواطنين، بل أحيانًا لم تستدعِ النيابة أيًّا من الضباط المتهمين للسؤال. وتقاعست النيابة عن البحث عن أدلة الإدانة وعن تحريز الأسلحة المستخدمة أو دفاتر تسليح قوات الشرطة أو تكليف الطب الشرعي باستخراج الرصاص المستقر في جثث الضحايا لتحديد نوع الذخيرة المستخدمة.
وفي قضايا السجون، أرسلت النيابة خطابات للمتهمين الرئيسيين في القضيتين تطلب منهم تحريات عن الأحداث، ثم اعتمدت على تحريات رجال الشرطة المتهمين، عن أنفسهم، وتجاهلت شهادات شهود العيان والتقارير الطبية التي أثبتت وقائع قتل عمد على يد رجال الشرطة.
كما رصدت المبادرة المصرية التمييز الذي تمارسه النيابة العامة في حبس المتهمين احتياطيا، فلم تأمر بحبس أي من رجال الشرطة المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين أو في قضايا القتل والتعذيب التي تتابعها المبادرة منذ الثورة، رغم وجود أدلة دامغة ضدهم في ملفات التحقيقات، في حين يتم حبس المتهمين بالتجمهر وقطع الطريق، الذين يقبض عليهم بشكل عشوائي، رغم ضعف الأدلة أو انعدامها أحيانا، وذلك رغم أن قانون الإجراءات الجنائية ينص على أنه يجوز حبس المتهم احتياطيًّا في حالة "خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليه أو الشهود، أو بالعبث بالأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقي الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها، وهي في مجملها ظروف تنطبق على حالات العنف الشرطي ضد مواطنين.
ومع إصرار وزارة الداخلية أيضًا على عدم فصل الضباط المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين عن العمل لحين إنهاء التحقيقات، مارس رجال الشرطة المتهمون ضغوطًا على أسر الشهداء ومصابي الثورة بالتهديد والترويع، مستخدمين مناصبهم وأسلحتهم الميري في ذلك، ما تسبب في تغيير أقوال الكثيرين أمام المحكمة وجعل من السهل الحكم بالبراءة، والأمر ذاته تكرر في قضية أحداث ميت غمر، فبسبب تقاعس النيابة العامة عن توجيه اتهامات للضباط، تعرض أهل المجني عليهم لضغوط متكررة لتغيير أقوالهم.
ولعل الاستثناء الوحيد هو القضية المعروفة إعلاميًّا بقضية "قناص العيون" المتهم فيها ضابط الأمن المركزي، الملازم أول محمود صبحي الشناوي، حيث ظل حتى تاريخ إصدار هذه الورقة محبوسًا احتياطيًّا على ذمة اتهامه بالشروع في قتل وإصابة المتظاهرين واستهداف عيونهم في أثناء أحداث شارع محمد محمود في نوفمبر 2011، وكانت ظروف القضية هي السبب من وراء توجيه الاتهام له وحبسه، حيث التقط له أحد المارة مقطع فيديو وهو يصوب ببندقية خرطوش تجاه المتظاهرين، ويظهر في المقطع وهو يصيب أحد المتظاهرين في عينه، وبعد نشر هذا الفيديو أفصح البعض عن شخصية هذا الضابط واسمه، كما تعرف عليه عدد من المتظاهرين المصابينK فلما تعرضت حياته للخطر خصوصًا بعد التعرف عليه وعلى اسمه، قام بتسليم نفسه لجهة عمله، وبدأت التحقيقات.
ورصدت المبادرة تدفق البراءات في قضايا قتل المتظاهرين حيث كان من أهم المؤشرات على انخراط النيابة العامة والقضاء الجنائي في تحصين رجال الشرطة من العقاب، الأحكام الصادرة فيما يخص قتل المتظاهرين في أحداث ثورة يناير. ففي القضية المتهم فيها الرئيس المخلوع ووزير داخليته والمساعدون الستة للوزير بقتل 225 وإصابة 1368 من المتظاهرين في الشوارع والميادين، مثل أداء النيابة العامة والمحكمة دليلًا واضحًا على عملهما من أجل تحصين المؤسسة الأمنية من الإدانة، فكانت نتيجة القضية أن المحكمة برأت المساعدين ورجال الشرطة من أية مسئولية عن قتل المتظاهرين، قائلة إنه لا يوجد دليل على أن من قاموا بقتل المتظاهرين هم من رجال الشرطة. ثم اكتفت المحكمة بإدانة الرموز السياسية، الرئيس المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، لفشلهما في منع قتل المتظاهرين على أيدي "عناصر مجهولة" – على حد قولها، وحكمت محكمة النقض في 13 يناير 2013 بنقض الحكم وإعادة المحاكمة.
كما تشير قضايا قتل المتظاهرين أمام أقسام الشرطة إلى تعمد النيابة العامة والقضاء ضمان إفلات رجال الشرطة من العقاب، فمن أصل 29 قضية تم الحكم فيها، وكان عدد المتهمين فيها 135، تم تبرئة 115 وإدانة 20 فقط، منهم خمسة بحكم غيابي، و13 حكم عليهم بسنة حبس مع إيقاف التنفيذ، ما يعني أن اثنين فقط من المتهمين يقضيان حاليًا حكما بالسجن خمس سنوات لإدانتهما بقتل المتظاهرين في الزاوية الحمراء ومدينة نصر.
وأوصت المبادرة الشخصية بضرورة إقرار التعديلات التشريعية التي تضمن استقلالية النيابة العامة، ومنها تعيين النائب العام لفترة محددة غير قابلة للتجديد، والفصل بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق، وإحالة سلطة التحقيق لقضاة التحقيق، مع الاحتفاظ للنيابة العامة بسلطة الاتهام فقط، وإنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في جميع حالات الوفيات والإصابات البالغة على يد رجال شرطة، على أن تتكون اللجنة من أعضاء مستقلين غير تابعين لأجهزة الدولة القضائية والتنفيذية والتشريعية، وتقوم بالتحقيق في هذه الحالات للتأكد من مدى قانونية استخدام القوة. وتحصل اللجنة على صلاحيات التحقيق كاملة، وتتعاون مع النيابة العامة في حالة وجود تحقيق جنائي في الواقعة، والسماح لممثلي المجتمع المدني بزيارة أماكن الاحتجاز لرصد مدى احترام حقوق المحتجزين.
كما أوصت بإنشاء لجنة مستقلة للمراقبة على أماكن الاحتجاز تقوم بزيارات معلنة وغير معلنة لأماكن الاحتجاز من أجل معاينة ظروف المحتجزين وتقديم التوصيات للجهات المختصة وذلك بغية الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة. وتمتلك اللجنة الصلاحية للوصول إلى جميع أماكن الاحتجاز ومقابلة أي أشخاص، ولها الحق في إجراء المقابلات في خصوصية ودون وجود شهود. كما تمتلك اللجنة صلاحية الحصول على كافة المعلومات المطلوبة لمباشرة عملها، كسجلات السجون والجداول والبيانات، والسجلات الطبية، والسجلات التأديبية والانضباطية، وتعديل القوانين المنظمة لاستعمال القوة والسلاح من قبل رجل الشرطة لضمان معايير التناسب والضرورة والمشروعية في استخدام القوة، وعدم إتاحة استخدام السلاح الناري إلا في حالات الضرورة القصوى، وعندما تكون هي الوسيلة الوحيدة لمنع خطر وشيك بالموت أو الإصابة البالغة، وتعديل تعريف جريمة التعذيب في قانون العقوبات بما بتطابق مع الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي صدَّقت عليها مصر، ونشر نتائج تقرير لجنة جمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق التي تم إنشاؤها من قبل الرئيس مرسي، وإنشاء هيئة لمتابعة التحقيقات في نتائج عمل اللجنة وتنفيذ توصياتها.