نعم! نحتاج اليوم أكثر من أى وقت مضى للقراءة. أعتقد أن أكبر انجازحققته ثورة يناير هو اشعال الرغبة فى المعرفة فى نفوس المصريين بعد عقود من الاستكانة... نعم نحتاج أن نقرأ...هل تسألني: لماذا؟ لأن حياتنا تتغير، حيث يتلاشى العالم القديم الذى اعتدنا عليه لعقود طويلة، ويبدأ عهد جديد. مفارق طرق، وسكك، تتخايل أمام أعيننا وتنادينا للدخول إليها، وليس لدينا أدنى فكرة عن سكة السلامة وسكة الندامة.
نحتاج أن نقرأ لنتعلم من الماضى، ونتعامل مع الحاضر، ونخطط للمستقبل.
نحتاج أن نتثقف يا ناس، كما يقول الأديب الراحل يوسف إدريس فى مقاله الشهير، الذى يرجع فيه كل آفاتنا الاجتماعية والأخلاقية إلى انتشار الجهل واحتقار الثقافة.
نحتاج أن نقرأ لأنه لو لم ينقرض الجهل من حياتنا فسوف يأتى السياح ليتفرجوا علينا بدل الآثار، كما لخص وأوجز، وجاب من الآخر، عمنا الكبير نجيب محفوظ!
فى كتاب يعود إلى الستينيات بعنوان “ لماذا نقرأ” صدر عن سلسلة “اقرأ” لدار المعارف، وشارك فى كتابته عدد من كبار المفكرين والأدباء المصريين يقول طه حسين: “ما نعرف شيئا يحقق للإنسان تفكيره وتعبيره ومدنيته كالقراءة”. ويكتب عباس العقاد مستشهدا بكلام الشاعر أن من وعى التاريخ فى صدره فقد أضاف أعمارا إلى عمره، ويرى حلمى مراد أننا نقرأ لأسباب كثيرة أهمها زيادة فهمنا للإنسانية.
وقبل هؤلاء بقرون قال المتنبي: “أعز مكان فى الدنى سرج سابح وخير جليس فى الزمان كتاب”، وبعده بقرون قال أحمد شوقي: “أنا من بدل باكتب الصحابا لم أجد لى وافيا إلا الكتابا”.
وفى كتاب قديم جديد بعنوان “كيف نقرأ ولماذا” صدرت ترجمته العربية حديثا عن المركز القومى للترجمة يجيب الناقد الإنجليزى هارولد بلوم عن السؤال مستعينا بمقولة للمفكر الشهير فرنسيس بيكون ينصح فيها قارئه: “اقرأ لا من أجل المعارضة والنقد، ولا من أجل الإيمان والتسليم، ولا من أجل السعى إلى الجدل والحوار، ولكن لكى تزن الأمور وتمعن النظر فيها”.
ويضيف بلوم إننا نقرأ لتقوية النفس والتعرف على اهتماماتها الحقيقية، كما نقرأ لنطهر عقولنا من اللغو! نقرأ لا لنصلح جيراننا ولكن لنصلح أنفسنا فى المقام الأول. نقرأ مرارا وتكرارا بحثا عن عقل أكثر أصالة وحكمة من عقولنا.
نحتاج للقراءة بالتأكيد، الآن أكثر من أى وقت مضى، فى هذه الظروف الحاسمة من مصير أمتنا ومصائرنا الشخصية. نحتاج أن نعرف ونفهم ونتأمل ونتقوى وننمى عقولنا ونطور حياتنا.
ولكن ماذا نقرأ؟
تكتب فيرجينيا وولف، الأديبة الإنجليزية الشهيرة فى مقدمة كتابها “القارئ العام العادي”: “فيما يتعلق بالقراءة فإن النصيحة الوحيدة التى يمكن توجيهها هب إياك أن تأخذ بنصيحة أحد”!
مع ذلك فكلنا نأخذ بنصائح بعضنا البعض فيما يتعلق بقراءة الكتب أو مشاهدة الأفلام أو الاستماع إلى الموسيقى.
وهارولد بلوم نفسه يخصص معظم كتابه لعرض نماذج من الكتب فى شتى ميادين الإبداع والثقافة كوصفة مبدئية للأجيال الجديدة التى لا تعرف من أين تبدأ القراءة.
فى الملحق المخصص للكتب الذى تبدأه “الفجر” هذا الأسبوع سنحاول أن نجيب عن السؤالين معا: ماذا نقرأ ولماذا؟
لا أعتقد أن الاكتفاء بعرض الجديد فى سوق النشر يمكن أن يلبى حاجتنا العميقة إلى الانتقاء والانتفاع بالقراءة، ولكننا سنحاول أن نساعد بعضنا البعض على الاختيار والتقييم والنقد...واثقين بأن هذا هو السبيل الوحيد أمامنا لمعرفة سكة السلامة والنجاة من سكة الندامة!