كشف رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، أنه وزملاءه دفعوا ثمناً باهظاً، خلال معاصرتهم لانقلاب 12 أيلول/سبتمبر في عام 1980، وانقلاب 28 شباط/فبراير في عام 1997. وأوضخ أردوغان، في معرض إجابته الخطية على أسئلة لجنة التحقيق بالتدخلات العسكرية، التي تحقق في التدخلات العسكرية التي شهدتها البلاد، في السنوات الماضية، أن عمل اللجنة هو الأشجع والأصدق حتى الآن، وتوجه بالشكر لها.
وأضاف أردوغان، أن الجهود الصادقة لحزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه، أفضت إلى مواجهة التدخل في الممارسة الديمقراطية في البلاد، ومحاسبة الفاعلين فيها أمام القضاء، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ الخطوات الكفيلة، لتأسيس أرضية يتم بموجبها، محاسبتهم سياسياً وحقوقياً.
ويطلق الأتراك على التدخل العسكري في شؤون الحكومة الائتلافية، الذي حدث في 28 شباط/فبراير عام1997، اسم "انقلاب مابعد الحداثة"، أو "الانقلاب الأبيض"، الذي تسبب في الإطاحة بالحكومة الائتلافية، بين حزب الرفاه بقيادة نجم الدين اربكان، وحزب الطريق القويم بقيادة تانسو تشيللر.
وتوصف أحداث 1997 في تركيا بانها "انقلاب حديث"، لأن الجنرالات طردوا الحكومة بدون تدخل القوات، وبدون أن يضعوا إدارة عسكرية في مكان الادارة المدنية.
وهذه هي أول مرة في تاريخ تركيا، تجري فيها محاكمة منفذي انقلاب عسكري في البلد الذي شهد عددا من الانقلابات.
وكان الجيش التركي قد أطاح ثلاث مرات بحكومات منتخبة، في اعوام 1960 و1971 و1980 باسم الدفاع عن مبادىء الجمهورية التركية، التي ارساها مصطفى كمال اتاتورك. كما أجبر حكومة نجم الدين اربكان المعروف بتوجهاته الإسلامية على الاستقالة في عام 1997.
القضاء يكتب تاريخا ديمقراطيا جديدا
وأكد أردوغان أن الوصول إلى الديمقراطية المتقدمة أمر ممكن، من خلال إزالة الذين يحملون فكر الإنقلاب والوصاية، ولمنع إعادة إحياء ذهنيات التدخل، حيث إنه يجب أن تكون هناك مجادلة ديمقراطية وحقوقية كبيرة.
وامتدح أردوغان عمل اللجنة، الذي سيكون مثل كتابة التاريخ الديمقراطي للبلاد، بأحرف ذهبية، بعد أن تصل إلى ذلك، في ظل دعم شعبي كبير، لحكومة العدالة والتنمية، خلال عشر سنوات، والذي كان له الأثر برعاية الصراع، من أجل الوصول إلى الديمقراطية.
وأشار أردوغان، إلى أن فترة توليه لرئاسة بلدية إسطنبول، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، جعلته يصطدم بواقع وجود عقبات كبيرة، أمام المواطنين لأسباب عديدة، منها ما هو مباشر، ومنها ما هو مرتبط بأشياء أخرى، وأن هناك من كان يتجاوز إرادة الشعب كل يوم، بقوة السلاح أو بالأجهزة البيرقراطية، مستخدمين صلاحيات تتسلط على المؤسسات الديمقراطية، واصفا كل تدخل أو تصرف او محاولة من هذا القبيل، بأنها عداوة للشعب والديمقراطية، وبأنها سيئة لأقصى درجة.
وأضاف أنه يجب أن تتعاون أجهزة السياسة والقضاء، والإعلام وجميع منظمات ومؤسسات المجتمع المدني، في طريق الديمقراطية، بالاستناد إلى إرداة الشعب، مما يفتح الطريق من اجل الوصول إلى الديمقراطية المتقدمة.
التدخل أعاق الحكومة
ولفت أردوغان إلى أن نفس فترة رئاسته لبلدية إسطنبول، عرضته لمواجهة كثير من المعوقات في إتمام مهمته، وإبطائها نتيجة التدخل فيها بشكل دائم، مرجعا سبب ذلك إلى القوى المعارضة للديمقراطية، سواء أكانت عسكرية أم مدنية أم خارجية. إضافة إلى الحكومات، آنذاك، كانت تضع كثيرا من العقبات في اداء أعماله، من خلال خلق صعوبات في التشريع، وتضييق الحدود، وتنفيذ حملات إعلامية تضليلية بحقه، وادعاءات واتهامات، وكل ذلك بهدف منعه من خدمة إسطنبول، مشددا على أنه رغم كل ما سبق، تمكن من خدمة المدينة، مستمدا قوته من دعم قدمته الأمة له.
وأشار إلى أن انقلاب 28 شباط، لم يستهدف الحكومة المنبثقة من الأغلبية البرلمانية والمنتخبة بإرادة الشعب وحسب، بل استهدف السياسة المدنية، واستهدفت شخصه أيضا، حيث كان هذا التدخل ثمرة محاولات لمخططات، هدفت إلى ارتهان مستقبل البلاد، في محاولة قطع طريقه وزملائه، من خلال فرض قوانين تستهدف اعتراض المؤسسات.
وأشاد أردوغان بتجاوز هذه المرحلة، بعد دعم الشعب له، الأمر الذي افرز وصوله إلى المرحلة الحالية، من خلال ثباته وعزمه أمام التدخل، وإيمانه بالشعب، لأنه هو الذي يجادل ضد هذه القوى، التي تتدخل بإرادته، لافتا إلى أن هذا التعاون، هو الذي قضى على التدخل، ومبينا ان التدخل من غير الممكن أن ينجح، بتجاوز الأمة والحقوق والوجدان الجمعي، مهما طال به الأمد.
قوتنا تنبع من الشعب والحق والحقيقة
وشدد أردوغان على أن القوة التي يتمتع بها حزبه، يستمدها من الشعب، وقوته الأكبر تأتي من الحق والحقيقة، ومن رفض جميع مفاهيم الوصاية على إرادة الشعب الوطنية، مؤكدا على انهم يدافعون بقوة عن مبادئ حكم الشعب وقراره فقط.
واتهم أردوغان القوى الفاعلة في مرحلة التدخل، بأنها كانت تسعى لتحقيق شروط الانقلاب العسكري، من خلال آلاعيب قذرة عديدة، تشمل ذهنية تمارس الظلم وتتجاوز حقوق الشعب. لافتا إلى أن هؤلاء تسببوا بخسارة البلاد للكثير، وخلق مشاكل للشعب يصعب حلها، ويعطيه شعوراً بالعجز.
ووصف البرلمان التركي، بأنه ليس مصدرا للمشاكل، بل مرجعاً لحل جميع مشاكل البلاد، من خلال الصراع الذي قامت به الدولة في سبيل استقلالها منذ تاريخ قيامها، فالبرلمان قادر على الاجتماع فوراً عند المشاكل، وهو مرجع لحل جميع الأزمات.
أقدمنا على خطوات شجاعة
وأوضح أردوغان، في معرض رده على تساؤلات اللجنة، أن حكومته أقدمت على خطوات وإصلاحات جرئية لم يسبق لشخص أو حكومة أو حزب سياسي القيام بها، من خلال مواجهة الماضي وإعداد أرضية من أجل مستقبل واثق.
وأفاد أن المعركة التي خاضوها بصبر وحكمة وأمل، ودون التسبب بتوتر أو أزمات أو صدامات، إضافة إلى تجنيب البلد والشعب أي خسائر، زادت من الآمال في تحقيق الديمقراطية، مضيفًا: "أدرنا هذه المعركة من خلال زيادة التلاحم بين الشعب والدولة، والثقة والتنسيق بين مؤسسات الدولة، والتسامح والمصالحة بين فئات المجتمع".
وتمنى أن تكون الأيام والعهود المظلمة في تاريخ تركيا، قد ذهبت بلا رجعة، معربًا عن أمله بأن لا يقترن اسم تركيا مجددًا مع التعذيب وشنق رؤساء الوزراء والوزراء المنتخبين وإعدام الشباب، الذين لم يبلغوا السن القانونية بتزوير أعمارهم.
وقال: "بينما يدفع أبناؤنا وشبابنا ثمن التدخلات العسكرية في الماضي حتى الآن، عشنا نحن بأنفسنا هذه التدخلات، وتعرضنا للظلم شخصيًّا نتيجة استهدافنا".
شهدنا تدخل عام 1997
ولفت رئيس الوزراء التركي إلى أنه، وزملاءه، شهدوا تدخلات عسكرية، ودفعوا ثمنًا باهظًا خلالها، موضحًا أنه تعرض شخصيًّا لانقلاب عام 1980، واضطر كما جميع السياسيين إلى إيقاف نشاطه السياسي.
وأردف قائلًا: "اتخذنا، قبل 12 أيلول/ سبتمبر 1980، موقفًا يدعو إلى الهدوء وضبط النفس، موقفًا بعيدًا عن الصراع، يحث على المصالحة والحوار بين الأطراف المتنازعة. كنا نرى أن النزاعات صنعية ناجمة عن الاستفزازات، وشاهدنا بأنفسنا كيف ألحقت الخلافات بين الشباب أضرارًا كبيرة بهم وبأسرهم وبلادهم".
وأفاد أن القوى المستفيدة من الوضع الراهن حاولت أن تنعش نفسها وتستعيد قوتها مجددًا، من خلال انقلاب 28 شباط/ فبراير 1997، في الوقت الذي بدأت فيه الديمقراطية بالتقدم، ولو بشكل بطيء، والإرادة القومية باستعادة عافيتها، والشعب بالتعبير عن خياراته ومطالبه وطموحاته بصوت أعلى.
ولفت إلى أنه شهد بنفسه، وهو يعمل في معترك السياسة باسطنبول، كيف تم تضييق مساحة الحياة السياسية بعد انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر.
وأكد أردوغان أنه عمل، ضمن الهامش السياسي، الذي قيدته قوانين انقلاب 12أيلول/ سبتمبر، على إبراز رغبات ومطالب وطموحات وإرادة الشعب، موضحًا أن الشعب كلفه القيام بأعباء منصب رئيس بلدية اسطنبول عام 1994.
الجدير بالذكر أن الجيش التركي اعتبر اللاعب الأساسي في إدارة الحياة السياسية بتركيا من وراء الكواليس، ونصب نفسه حاميًّا للمبادئ العلمانية للدولة منذ تأسيس الجمهورية. وشهد تاريخ 28 شباط/ فبراير 1997، تدخلًا عسكريًّا أطاح بالحكومة الائتلافية، التي شكلها آنذاك، حزبا "الرفاه" و"الطريق القويم".