أثارت الجماعات الجهادية فى مصر عدد كبير من التساؤلات ،حول طريقة التفكير والمنهج بين الإختلاط فى الحياة السياسية ، وإتخاذ العنف وحمل السلاح طريقة للتغيير ،عن طريق القتل والتصفية الجسدية ، فكان لنا هذا اللقاء مع "نزار غراب" محامى الجماعات الإسلامية للتوضيح ، والذى كشف لنا مجموعة من الحقائق حول تاريخ الجماعات الإسلامية الجهادية بداية من نشأتها حتى الأن ، والتغيرات التى طرأت على المنهج والتفكير. وهذا نص الحوار:_
س1_ متى بدء ظهور الجماعات الإسلامية فى مصر والتى تؤمن بالتغيير عن طريق حمل السلاح؟. ج_ تاريخياً مصر كانت دولة تنتمى الى الخلافة الإسلامية الكبري ، والتى إنتهت بالتفكك الى دويلات صغيرة، عن طريق الإحتلال ، حيث بدء الإستعمار فى محاولة خلق يد قوية فى بلاد المسلمين عن طريق عدة وسائل بدأت بالإحتلال ثم الإنسحاب وترك حكام يحكمون عنهم بالوكالة ، مضيفاً فالأنظمة التى جاءت نيابة عن الإستعمار كانت تنفذ سياسته فى المنطقة ، والتى كانت تهدف الى تقيد الإسلام، مشيراً وكان من ضمن هذا التقيد هو إبعاد الشريعة الإسلامية عن الحكم بإستخدام عملاء الإستعمار، ووجود نظام حكم يناقض ثوابت الإسلام ، فبعد كل هذا بدأت التيارات الإسلامية فى الصعود بهدف إستعادة الهوية الإسلامية مرة أخري ، حيث بدأت هذه الحركات سلمية ودعوية، ولكنها تم مواجهتها عن طريق حملة إستئصالية قمعية ، على يد الرئيس الرحل جمال عبدالناصر مثلما حدث مع الإخوان ، وإعتمد نظام الحكم على التعذيب الممنهج ، وإنتهاك حقوق الإنسان مع خصومه السياسياً ، ومن هنا نشأت فكرة لابد أن يواجه القمع والإستبداد والتعذيب والقتل بالقوة ، مما أدى الى نشأت الجماعات الجهادية فى مصر.
س2:_ هل هذا مبرر لإستخدام العنف ؟ ج_ من الناحية الإنسانية والمنطق ، بعيدا عن الجانب الشرعى لابد أن تدافع عن نفسك بأى شكلا من الإشكال ، موضحاً نزار أن المناهج السياسية أثبتت فيه التجارب أن الطريقة الصحيح للتعامل مع خصومك السياسين ليس القمع ، إنما حله بالطرق السلمية السياسية الصحيحة، فالتيار الإسلامى الصاعد فى عهد عبدالناصر كان يهدف الى إيجاد مكان له فى الحياة السياسية ، فلم يسمح له بذلك ، وتم الإعتراض عليه عن طريق حملة الإعتقالات الواسعة.
س3:_ لماذا إستخدمت الجماعات الإسلامية السلاح ضد الشعب للتأثير على الحاكم؟ ج_أولاً يجب الحديث عن التنظير قبل التطبيق ، فالتنظير قائم على أن السلطة التى تواجه الحقوق السياسية بالقمع ، والقتل والتعذيب، والمحاكم العسكرية ، لابد أن تواجه بالقوة ، وهذا مبرر من الناحية الإنسانية على حد وصف "نزار". مشيرا الى أنه تم إستخدام القوة ضد ثورة يناير ، وفض الميدان عن طريق عمليات البلطجة التى حدثت وموقعة الجمل، مؤكداً لو إستسلم الناس لما كانت هناك ثورة ، مستنكراً حديث البعض عن عدم الدفاع بحجة أنها ثورة سلمية قائلا"لما يجى أتباع شفيق نخلع ليهم الهدوم ونقلهم سلمية".
وعن التطبيق أوضح نزار أن الفكرة الأساسية كانت قائمة على مواجهة السلطة، أما ما وقع ضد عموم الناس من الإسلاميين فهو خطأ فادح ، وفاحش، فالصراع بالقوة ينحصر مع السلطة فقط ، وأن مايحدث غير ذلك فهو مرفوض تماماً .
وحول مبرر الجماعات الجهادية فى الهجوم على الأماكن السياحية أكد نزار أن هناك فصائل يقودها قيادات ذات خبرة سياسية وعسكرية يرفضون مثل هذه الأفعال، وأن هناك فصائل أخرى تخطط وتهدد لضرب السياحة ، بهدف الضغط على نظام الحكم ، مؤكدا أن هذا خطأ فادح.
س4:_ ما الدافع وراء الدفاع عن الجماعات الإسلامية ؟ ، وهل هو من منطلق أنصر أخاك ظالما أو مظلوماً؟ ج: على المستوى الشخصى كنت قريباً من بعض التيارات الجهادية ، ومؤمن بحق إستخدام القوة فى التغيير بناء على مبدأ حق الدفاع عن النفس ومواجهة الإعتداء ،بالإعتداء، مشيرا الى أنه رجل قانون ولم يخالفه ورغم ذلك تم إعتقاله وحبسه لمدة عام بدون وجه حق، مستطرداً لقد قال لى الضابط " أنت مسجون عشان خاطر قدرتك على الإقناع" ، مضيفا أنه قد دافع عن "تنظيم الجهاد ، وإطلاق سراح الزمر بعد قضاء فترة العقوبة ، وأن ذلك جاء من باب الدفاع عن الحق. س4:_ ماهو فكر عبود الزمر؟ ج: الزمر خرج برؤيته العسكرية من أجل التغيير بناء على التجربة السابقة له من قمع وإضطهاد من قبل نظام عبدالناصر ، فهو أراد أن يستخدم القوة فى التغيير لأنه يعلم بأن السادات لن يسمح له بمتنفس سياسي ، بل سيلاحق ، وهذا ماحدث بالفعل عندما قال السادات فى خطابه"الولد الى هربان مش هرحمه"، وأياً كان فالمحكمة قد قالت فى الإدانة "الزمر" والذى كان محكوماً عليه بالإعدام أنها ستخفف عنه لنبل غايته ، مضيفاً أنه بعد إنقضاء المدة كان ولابد أن يتم إطلاق سراحه وهو مالم يحدث ، مما جعلنى أدافع عنه لنيل حريته. أما ما يخص رحلته فى الدفاع عن الجماعات الجهادية أكد نزار لقد دافعت عن محمد الظواهرى فى قضية العائدون من البانية أمام المحاكم العسكرية ، وكان الهدف هو دفع الظلم الذى وقع على الجماعات الجهادية. س5:_ ماذا لو حدث وصار "مرسي" على نفس نهج "مبارك" فى التعامل مع الجماعات الإسلامية؟. ج: الحكم الشرعى يقول أنه من جاء معتدى من المسلمين فمن حقك رد الإعتداء وأن تقاتله ، موضحاً ليس من المعقول كونه إخوانى أن أتركه يعتدى على وينتهك حقوقى.
س6:_ كواليس إغتيال السادات؟ ج كان هناك تنظيم يسعى لإقامة دولة إسلامية دون إراقة الدماء ، وهو تنظيم الجهاد ، وعلى الفور وضع عبود الزمر خطة لتقليل عملية إراقة الدماء ، لكن إكتشاف السادات لهذا التنظيم دفعه الى التكشير عن أنيابه ، وبدء فى عملية الملاحقات فى سبتمبر 81 ، على ضوء تجارب عبدالناصر، مشيرا الى أنه كان من المعروف أن اى تنظيم يتم كشفه يتعامل معه السادات بالقتل والتعذيب ، ضارباً مثلا بتجربة شخصية عندما ظهر فى عام 2005 وطالب بمعالجة قضية الزمر بطريقة سياسية وليس أمنية قام جهاز أمن الدولة بإعتقال شقيقه ، ومساومته "أخوك يخرج أو يلبس قضية" ، موضحاً أن المحاكمات التى أقامها السادات أدت الى إتخاذ قرار بالإغتيال ، مشيرا الى أنه من ضمن أسباب قرار الإغتيال هو قيام أجهزة الأمن بالتعدى على منزل العائلة بالمنيا ،وإعتقال محمد الإسلامبولى شقيق خالد الإسلامبولى ،وإنتهاك حرمة البيت ، مؤكداً أن هذا الفعل أثار غضب خالد ، وأصبح أكثر ميولاً لرد هذا الإعتداء، بالإضاف الى عدم تطبيق الشريعة ،وسب الشيخ المحلاوى مع كامب ديفيد ، مشيرا الى أنها لم تكن السبب الوحيد .
وفيما يخص حوار السادات مع القوى الإسلامية وإقرار المادة الثانية من الدستور قال نزار :" السادات كان لديه فقر سياسي دفعه الى محاولة التحاور مع القوة الإسلامية ، وأن المادة الثانية قد وضعها للتضليل فقط ، مشيرا الى أنه كان لديه مشروع إستعماري فكري ثقافى يتفق مع المشروع الأمريكي الإسرائيلى ، ولم يكن لديه إنتماء لأمته العربية والإسلامية،وأنه قد وضع حجر الأساس لتنفيذ المشروع الأمريكي فى المنطقة من حيث التبعية ، وأن ماحدث مع إسرائيل هو مجرد محاولة الحلحلة من سيناء ، ثم الإنتقال الى مرحلة التفاهم ، موضحا وهو ماحدث بالفعل.
س7:_ هل كان لمبارك تدخل فى إغتيال السادات بشكلاً أو بأخر ، وما مدى إستفادة المخلوع من العملية ، وماهى الخدمة التى قدمتها الجماعة له ؟ ج: عملية إغتيال السادات كانت بقرار محض من قيادات تنظيم الجهاد ، ولا دخل لمبارك بها ، مضيفاً أنه من الطبيعى أن يستفيد مبارك من عملية الإغتيال ، وأن يتبؤ رئاسة الجمهورية على إعتبار كونه نائب الرئيس ، مؤكداً أنه لم يكن مقصوداً . س8:_ لماذا لم يتم إغتيال مبارك الى جانب السادات؟. ج: فى العمليات العسكرية دائماً ما يحكمها الإعتبارات الخاصة بالتسليح والمتفجرات ، ونوع الرصاص المستخدم ، فالخطة كانت تهدف الى نسف المنصة بالكامل دون إستثناء أحد ، مشيرا نقلا عن القيادات بالتنظيم أن الهدف كان نسف المنصة ، وأن المتفجرات لم تنفجر بسبب عطل فنى ، موضحاً بعد فشل التفجير كان التركيز على شخص السادات بإعتياره الهدف المتبقى . س9:_ لماذا شن مبارك هذه الهجمة الشرسة على الجماعات الإسلامية فى بداية حكمه ؟. ج: مبارك أعتلى كرسي الحكم لكى يتمم ما أسسه السادات من ناحية التبعية للغرب ، فكان على رأس تلك التبعية هو ضرب الجماعات الإسلامية وقمعها فعقلية مبارك وأجهزته كانت تفتقد للمعالجة السياسية ، وكانت تتعامل من الناحية الأمنية فقط ، وعن جهاز أمن الدولة قال نزار أنه أداة التفتيش الرئيسة من جانب نظام المخلوع ، والذى إتسع نشاطه وأصبح به تخصصات لمراقبة الجماعات ، والجمعيات الخيرية، والأحزاب، والصحافة، والقضاة، وعن تجربته مع الجهاز أكد غراب على أنه تم إعتقاله سنة 89بسبب نشاطه بالجامعة ، وهو ما تسبب فى أزمة بين القضاة ، وزارة الداحلية أدى الى إطلاق سراحه بسبب كون والده مستشارا بعد أن تعرض للتعذيب،والمرة الثانية كانت فى عام 94 عندما تم سجنه لمدة عام .
س10:_ ماهى التحاولات التى طرأت على الجماعات الإسلامية بعد سجن مبارك لهم فى بداية حكمه وتراجع أعمال العنف؟. ج: الجماعات كانت لديها خطة لإستئصال نظام مبارك بالقوة، ولكن بعض الأحداث بينت أنها لم تكن تملك القدرة على تنفيذ مخططها لذلك أوقفت العمليات العسكرية، ممادفع بعضهم الى إنتهاج الدعوة سبيلاً أو خوض غمار السياسة، وعن تأسيس الأحزاب بعد الثورة أكد غراب على أن الرؤية الشرعية تختلف تبعاً للمتغيرات ، وأن تأسيس الأحزاب يؤكد على أن هؤلاء لديهم مرونة سياسية،وتبنى مواقف مختلفة،فبعد زوال نظام مبارك أصبح الجو ملائما للعمل السياسي، وكافة أوجه النشاط، مشيرا الى أن سفك الدماء ليس الهدف. س11:_ مارأيك فى تضارب تصريحات الجماعة قبل وبعد الثورة حول شرعية الأحزاب السياسية؟
ج:فى ظل نظام مبارك القمعى كانت الجماعات ترى أن المشاركة فى الحياة السياسية هى إعانة للنظام القائم على الظلم ، فكانت الرؤية أنه من هذا الباب لا يجوز، ولكن بعد زوال هذه السلطة أصبح الجو مناسبا، ومن يفوز يفوز عن طريق الإنتخابات النزيهة.
س12: مامدى تأثير الحملات الإعلامية على الجماعات ، وأحزبها السياسية فى الإنتخابات القادمة؟ ج:الحملات الإعلامية من الممكن أن يكون له جانب من الحقيقة وليس كل الحقيقة ، فالشارع هو الذى يدرك الحقيقة ، وخير دليل على ذلك ماحدث فى إنتخابات برلمان الثورة ، وإختيار السلفيين.
وعن ملف سيناء كشف غراب النقاب عن أن العملية مازالت تدار بنفس عقلية النظام القديم من حيث المعلومات التى تحصل عليها القوات المسلحة، ، مشيرا الى أنه خطأ ، وأن النظام يتجاهل خصائص المجتمع القبلى المسلح، مؤكدا أنه قد التقى بعدد من جهادي سيناء وقد أكدوا له أنهم ليس لديهم اية علاقة بمقتل ال16 جندى على الحدود، مستنكرين ما حدث .
س13:_ هل تعامل مرسي مع الجماعات الجهادية فى سيناء سيؤثر على العلاقة بينهم ؟
ج: بالتأكيد سيؤثر على إدارة الحياة السياسية ، ولقد نصحنا الرئاسة والأجهزة الأمنية بضرورة تغير التعامل مع هذا الملف مطالبا بوقف إنتهاكات الدولة ضد جهادي سيناء، مشيرا الى أن إنتهاك حرمة المنازل بسيناء قد يدفع الجهادين الى تفكير أكثر تعقيداً ، مؤكدا أن الفكر لا يواجه الا بالفكر.
س14:_ هل يلقى مرسي ما لقيه السادات فى حال تهميش الجماعات أو إستخدام نفس اسلوب مبارك؟
ج: الإسلام يرفض الظلم ، ومواجهة الظلم أمرا يوجبه الإسلام، فإذا تحول مرسي الى ظالم وطاغية فلا شك بأنه سيواجه من الشعب قبل الجماعات الجهادية .