لم يشغل اهتمام الصحافة الإسرائيلية بالانتخابات الأمريكية وتكريسها صفحات مطولة للمنافسة بين باراك أوباما وميت رومني, حيث ان الصحافيين هناك يبدون تخوفهم الشديد على مستقبلهم ومستقبل صحافتهم .فالأخطار التي تواجهها صحافة اسرائيل متنوعة بعضها خاص والآخر مشترك مع الصحافة العالمية . ومؤخراً شهدت كل وسائل الإعلام الإسرائيلية إضرابات أو وقفات احتجاجية بسبب إجراءات ترمي إلى إقالة ما لا يقل عن ألفي عامل ومستخدم في هذا القطاع لأسباب مالية .
مطلع الشهر الفائت توقفت صحيفة معاريف عن إصدار طبعتها الورقية واكتفت بالإبقاء على عدد الجمعة فحسب وعلى النسخة الإلكترونية من الصحيفة . ويتظاهر مستخدمو الصحيفة بشكل شبه يومي أمام بيوت مالكي الصحيفة ومكاتب كبار الوزراء والكنيست، مطالبين بضمان حقوقهم واستمرار الصحيفة، كما أن صحيفة هآرتس توقفت عن الصدور مطلع الشهر الحالي ليوم واحد، وكف موقعها الإلكتروني عن التحديث بعد قرار من لجنة العاملين في الصحيفة احتجاجاً على إقالة مئة من زملائهم كوجبة أولى . وهناك احتجاجات أقل حدة في صحيفة يديعوت أحرنوت التي تعاني هي الأخرى من مشكلات مالية جراء تراجع مبيعاتها وحصتها الإعلانية . والأمر نفسه قائم أيضاً في القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي الذي يواجه مشكلات مادية كبيرة دفعته إلى إقالة الكثير من مستخدميه ويعيش منذ شهور تحت خطر الإغلاق . ومقابل هذه الأزمة التي تعيشها الصحف ووسائل الإعلام المستقلة في الكيان، تنتعش بشكل كبير وسائل الإعلام الأشد يمينية . فقد أنشأ الملياردير اليهودي الأمريكي شلدون أدلسون صحيفة إسرائيل اليوم المجانية لخدمة ونصرة صديقه بنيامين نتنياهو، ولأغراض أخرى ربما في الولاياتالمتحدة نفسها وهو المتبرع الأكبر لحملة رومني بنحو 70 مليون دولار حتى الآن . وبسبب أن هذه الصحيفة تطبع وتوزع مجاناً وهي على مستوى صحفي معقول فإنها سرعان ما احتلت المرتبة الأولى في التوزيع مطيحة بيديعوت أحرنوت عن الصدارة من ناحية وملحقة أكبر الضرر ببقية الصحف وخصوصاً معاريف، كما أن علاقات رئيس الحكومة مع عدد من كبار أصحاب رؤوس الأموال اليهود في إسرائيل والخارج، وخصوصاً مع الملياردير رون لاودر المستثمر الأكبر في القناة العاشرة، قادت إلى تعميق أزمة هذه القناة .
هناك من يرى أن صحافة اسرائيل، وبمعزل عن التغييرات الموضوعية في عالم الصحافة وأثر الإعلام الإلكتروني في بقية وسائل الإعلام، تشهد نوعاً من السيطرة المعادية، فقد كان الإعلام الإسرائيلي في العقود الأخيرة أقرب إلى الليبرالية في كل ما يتعلق بكل القضايا باستثناء القضية الفلسطينية . وهذا ما حدا بأوساط أكثر يمينية لاعتباره، وخصوصاً هآرتس على مر العقود معقلاً لليساريين، مع التذكير بأن اليمين واليسار في الكيان مفهومان نسبيان، حيث إن كليهما بالمطلق يشكلان قطبي الحركة الصهيونية اليمينية كلية والأشد عنصرية . ومع تنامي وسائل الإعلام الإلكترونية وتزايد وزن اليمين اجتماعياً واقتصادياً وفكرياً في الكيان صارت محاولات الهيمنة على وسائل الإعلام غاية على درجة عالية من الأهمية . وفي البدء كان الاستيلاء على ما تبقى من الإعلام الرسمي ممثلاً بسلطة الإذاعة والتلفزيون والتي شهدت عمليات تطهير واسعة من اليساريين والليبراليين .