رئيس مصلحة الجمارك: «التسهيلات الجمركية» تدفع حركة التجارة وتعزز تنافسية الاقتصاد    شعبة الذهب: 2.17% ارتفاعا فى سعر الذهب عيار 21 بمصر خلال أسبوع    خليل الحية: حماس متمسكة باتفاق غزة وترفض كل أشكال الوصاية والانتداب    ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 70,663 شهيدا و171,139 مصابا    مدرب الأردن: سندافع عن حلم التأهل إلى نهائي كأس العرب 2025 رغم الغيابات    تشكيل منتخب مصر للناشئين مواليد 2009 أمام اليابان وديا    فرق الطوارئ بمرسى مطروح تتعامل مع تجمعات المياه بالمناطق بالمتأثرة بالأمطار.. صور    التعليم: تكثيف نشر كاميرات المراقبة بمجموعة مدارس النيل المصرية الدولية    تأجيل محاكمة سائق قتل شخصا بسبب خلافات بينهما بشبرا الخيمة ليناير المقبل    سعد الصغير ينتقد غياب المطربين عن عزاء أحمد صلاح: مهنتنا مناظر أمام الكاميرات    رئيس الوزراء يُتابع استعدادات المرحلة الثانية للتأمين الصحي الشامل    حزب الغد يتقدم بمقترح لتعديل قوانين الانتخابات الأربعة لرئيس مجلس الشيوخ    نقيب الزراعيين يطالب بتخصيص عام 2026 للزراعة والأمن الغذائى    بدء المؤتمر الصحفي لإعلان نتيجة قبول دفعة جديدة بكلية الشرطة 2026    محافظ أسوان يتابع جهود مكافحة مرض السعار ويوجه بتكثيف حملات حماية المواطنين    وزير التعليم يكلف «جبريل» بإدارة تطوير المناهج.. وأكرم مساعدًا لشؤون المبادرات الرئاسية    موعد مباراة ريال مدريد و ديبورتيفو ألافيس في الدوري الإسباني    كاميرات المراقبة أظهرت برائته.. محمد صبحي يخرج عن صمته في أزمة سائق سيارته    فيلم «اصحى يا نايم» ينافس بقوة في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    بعد فيديو محمد صلاح.. أحمد السقا: أموت وأدخل النار أهون من اللي حصل فيا    جون سينا يعلن اعتزال المصارعة الحرة WWE بعد مسيرة استمرت 23 عامًا .. فيديو    وكيل صحة سوهاج ينفي وجود عدوى فيروسية بالمحافظة    السفير محمود كارم: التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان يأتي في ظرف إقليمي بالغ التعقيد    لماذا زار طلاب جامعة بني سويف شركة النصر للكيماويات الوسيطة؟    موعد مباراة بايرن ميونخ وماينز في الدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    "صحح مفاهيمك".. "أوقاف الفيوم" تنظم ندوة توعوية حول التعصب الرياضي    الإعلام الإسرائيلي يربط حادث إطلاق النار في سيدني بمعاداة السامية    عبلة سلامة تتصدر التريند بحلقة عمرو يوسف وتوجه رسالة للجمهور    الناشرة فاطمة البودي ضيفة برنامج كلام في الثقافة على قناة الوثائقية.. اليوم    ألمانيا.. إحباط هجوم إرهابي على سوق عيد الميلاد واعتقال 5 أشخاص    إعلان نتائج لجان الحصر السكنى بعدد من المحافظات وفقا لقانون الإيجار القديم    الصحة: لا توصيات بإغلاق المدارس.. و3 أسباب وراء الشعور بشدة أعراض الإنفلونزا هذا العام    "الغرف التجارية": الشراكة المصرية القطرية نموذج للتكامل الاقتصادي    وزارة التضامن تقر قيد 5 جمعيات في محافظتي الإسكندرية والقاهرة    فليك: بيدري لاعب مذهل.. ولا أفكر في المنافسين    «متحف الطفل» يستضيف معرضًا فنيًا عن رحلة العائلة المقدسة في مصر    "الفني للمسرح" يحصد أربع جوائز عن عرض "يمين في أول شمال" بمهرجان المنيا الدولي للمسرح    حكم الوضوء بماء المطر وفضيلته.. الإفتاء تجيب    امين الفتوى يجيب أبونا مقاطعنا واحتا مقاطعينه.. ما حكم الشرع؟    أرتيتا: إصابة وايت غير مطمئنة.. وخاطرنا بمشاركة ساليبا    ضم الأبناء والزوجة للبطاقة التموينية إلكترونيًا.. خطوة بسيطة لتوسيع الدعم    وزير الكهرباء: التكنولوجيا الحديثة والتقنيات الجديدة دعامة رئيسية لاستقرار وكفاءة الشبكة الكهربائية    مصطفى مدبولي: صحة المواطن تحظى بأولوية قصوى لدى الحكومة    نظر محاكمة 86 متهما بقضية خلية النزهة اليوم    السيطرة على حريق نشب بسيارة نقل ثقيل أعلى الطريق الدائري ببهتيم القليوبية    جوتيريش يحذر: استهداف قوات حفظ السلام في جنوب كردفان قد يُصنَّف جريمة حرب    الرياضية: جناح النصر لا يحتاج جراحة    استمرار لقاءات رئيس شركة الصرف الصحي للاستماع لشكاوى العاملين ومقترحاتهم    لماذا لم يعلن "يمامة" ترشحه على رئاسة حزب الوفد حتى الآن؟    الداخلية تنفى وجود تجمعات بعدد من المحافظات.. وتؤكد: فبركة إخوانية بصور قديمة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى المنيا    وزيرا خارجية مصر ومالي يبحثان تطورات الأوضاع في منطقة الساحل    الصحة: تقديم 19.2 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية في محافظة القاهرة    اليوم..«الداخلية» تعلن نتيجة دفعة جديدة لكلية الشرطة    الشرطة الأمريكية تفتش جامعة براون بعد مقتل 2 وإصابة 8 في إطلاق نار    إسلام عيسى: على ماهر أفضل من حلمى طولان ولو كان مدربا للمنتخب لتغيرت النتائج    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا..
نشر في الفجر يوم 22 - 09 - 2012

من الصور المشرقة والمضيئة التي تبرز أخص خصائص الأمة المسلمة في جميع الأزمنة والأمكنة ما جاء في الآية الكريمة: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} (الحشر:10). إنها النفوس المؤمنة التي تتوجه إلى ربها في طلب المغفرة، لا لذاتها، ولكن كذلك لسلفها الذين سبقوها بالإيمان؛ وفي طلب براءة قلوبها من الغل والحقد للذين آمنوا، ممن يربطها معهم رباط الإيمان. نقف فيما يلي مع بعض من مدلولات هذه الآية الكريمة.
ذكر المفسرون قولين في المراد من قوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم}:
أشهرهما: أنه عنى بهم المهاجرين، الذين يستغفرون لإخوانهم من الأنصار. فالكلام -بحسب هذا القول- يقصد منه المهاجرون، الذين هاجروا إلى المدينة، ووجدوا الأنصار فيها عوناً وسنداً لهم، فقابل المهاجرون هذا الموقف الكريم والنبيل بالدعاء لإخوانهم الأنصار. ويشهد لهذا القول ما رواه الإمام أحمد في "المسند" عن أنس رضي الله عنه، قال: قال المهاجرون: يا رسول الله! ما رأينا مثل قوم -قدمنا عليهم- أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلاً في كثير، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله! فقال صلى الله عليه وسلم: (لا ما أثنيتم عليهم، ودعوتم الله لهم).
ورُوي أيضاً، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أغلظ لرجل من أهل بدر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك يا عمر! لعله قد شهد مشهداً، اطلع الله فيه إلى أهله، فأشهد ملائكته، إني قد رضيت عن عبادي هؤلاء، فليعملوا ما شاءوا)، وكان عمر رضي الله عنه يقول: وإلى أهل بدر تهالك المتهالكون، وهذا الحي من الأنصار، أحسن الله عليهم الثناء.
القول الثاني: أنه عنى بهم مَن بعدهم من المسلمين. وهذا مروي عن مجاهد. وبحسب هذا القول، يكون المراد من الآية جميع المسلمين الذين جاؤوا بعد المهاجرين والأنصار. وهم يسألون الله أن يطهر نفوسهم من الغل والحسد للمؤمنين السابقين على ما أعطُوه من فضيلة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وما فُضّل به بعضهم من الهجرة، وبعضهم من النصرة، فبين سبحانه للذين جاؤوا من بعدهم، بأن لهم نصيباً من الفضل والأجر؛ وذلك بالدعاء لمن سبقهم بالمغفرة، وانطواء ضمائرهم على محبتهم، وانتفاء البغض لهم.
ويتأيد هذا القول بما روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: أُمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسببتموهم. سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها). رواه البغوي. وما روي عن قتادة، قال: إنما أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمروا بسببهم. وما روي عن ابن زيد، قال: لا تورث قلوبنا غلاً لأحد من أهل دينك.
وتتجلى من خلال هذه الآية طبيعة هذه الأمة المسلمة، وصورتها المشرقة في هذا الوجود. تتجلى الآصرة القوية الوثيقة التي تربط أول هذه الأمة بآخرها، وآخرها بأولها، في تضامن وتكافل وتواد وتعاطف، وشعور بصلة القربى العميقة، التي تتخطى الزمان والمكان والجنس والنسب؛ وتتفرد وحدها في القلوب، تحرك المشاعر خلال القرون الطويلة، فيذكر المؤمن أخاه المؤمن بعد القرون المتطاولة، كما يذكر أخاه الذي يشاركه درب الحياة، في إعزاز وكرامة وحب، ويحسب السلف حساب الخلف، ويحترم الخلف مآثر السلف، ويمضي الجميع في قافلة الإيمان صفاً واحداً على مدار الزمان واختلاف المكان، تحت راية القرآن صعداً إلى الأفق الكريم، متطلعين إلى رب رؤوف رحيم.
وتحمل هذه الآية الكريمة دلالات عدة، نذكر منها:
أولاً: يجب أن نعلم جيداً بأن الدار الآخرة هي المكان الأصلي الذي يُطرح فيه الغل والشر من القلوب، ولو أخرجت هذه المشاعر -التي هي من أسس الامتحان- من القلوب في الدنيا، لانقلب الإنسان إلى ملك من الملائكة. بينما خلق الله تعالى الإنسان في هذه الدنيا بماهية قابلة للخير والشر معاً. ولو فرضنا أن أُخرجت هذه المشاعر من قلب الإنسان في الدنيا، لنبتت ثانية في القلب، كما ينبت الشعر المزال؛ لأنها لصيقة بفطرة الإنسان. ولعل هذا السبب هو الذي جعل صيغة الدعاء في التعبير القرآني معبراً عنها بالفعل {ولا تجعل}، بدلاً من التعبير عنها بالفعل (انزع)، ما يعني أن الواجب الملقى على عاتق الإنسان هو التوجه بالدعاء القولي والفعلي لله تعالى، ومحاولة التخلص من هذه المشاعر التي تعد مثل الأشواك المستقرة في القلب. وبهذه الوسيلة يستطيع المؤمن التطهر من المشاعر السيئة، ويكون أهلاً للجنة، ويقبله الله تعالى في عداد عباده المرضين.
ثانياً: على المسلم أن يدعو الله على الدوام بأن لا يجعل في قلبه حقداً وحسداً على أحد من إخوانه المسلمين، فالمسلم لا يكون حقوداً ولا حسوداً على أحد من الناس، فضلاً عن أن يكون كذلك على أحد من إخوانه المسلمين. وفي حديث طويل رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)، فطلع رجل من الأنصار، وقد تكرر ذلك منه ثلاثة أيام، فأراد عبد الله بن عمرو بن العاص أن يقف على السر وراء ما قاله رسول الله صلى الله وسلم في حق هذا الرجل، فطلب منه أن يبيت عنده لبعض الليالي، فلم ير منه شيئاً ذا بال، فسأله عن السر في ذلك، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. والحديث بتمامه رواه أحمد.
ثالثاً: في الآية الكريمة رسالة موجهة إلينا وإلى من بعدنا، تطلب منا أن نحب سلفنا الصالح، وأن ندعوا بالخير لهم، وننزلهم المنزلة التي يستحقونها، وأن لا ننال من أحد منهم من قريب أو بعيد. وبحسب قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة:71). وقوله سبحانه: {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات:10)، فإن على الذين تربطهم آصرة الإيمان، وتجمعهم رابطة الإسلام، أن يتحابوا بينهم، ويحترموا من سبقهم، ويغضوا الطرف عمن فرط منهم، وألا يحملوا على الإطلاق أي حقد، أو غل، أو عداء تجاههم. كما أن فيها ما يدعونا إلى تقدير أهل العلم، ورجال الفكر الذين تركوا في حياتنا وفي مشاعرنا وأفكارنا وعقيدتنا أثراً لا يمحى، وميراثاً لا يُنسى.
رابعاً: ويُستفاد من هذه الآية، أن كل إنسان يسعد -وكذلك يتألم- بنسبة ترقي وسمو مشاعره، ومقدار السعادة والاطمئنان الذي يحس به الإنسان في الجنة يتناسب مع مقدار ترقي وسمو مشاعره في الدنيا. وتأسيساً على هذا يمكن القول: إن الإنسان لكي ينعم في الدنيا أولاً، وينعم في الجنة تالياً، فإن عليه أن يتخلص من مشاعر الحقد والغل والحسد، وغيرها.
أخيراً: فما أحوج المسلمين اليوم -وكل يوم- إلى أن يستحضروا مضمون هذه الآية الكريمة، ويعملوا بتوجهياتها، ويهتدوا بهديها، {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}. هذه هي قافلة الإيمان، وهذا هو دعاء الإيمان، وإنها لقافلة كريمة، وإنه لدعاء كريم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.