‌الحرس الثورى الإيرانى: القصف الصاروخى على إسرائيل سيستمر بشكل متواصل    «محسوب عليهم».. أول رد من محمد شريف على عودته ل الأهلي    بعد 20 ساعة من الكارثة.. هل ما زال هناك أحياء تحت أنقاض عقارات حدائق القبة؟    «كان في محله بيشتغل».. شهادة جار عن رحيل «رمزي الترزي» في حادث انهيار عقارات حدائق القبة    جيش الاحتلال يعتدي ضربا على 6 فلسطينيين بينهم سيدة في الضفة    جاكسون يعتذر بعد طرده أمام فلامنجو في مونديال الأندية    للخلاف على جمع القمامة.. إحالة متهم بإنهاء حياة زميله بالعجوزة للجنايات    هاري كين يقود تشكيل بايرن ميونخ أمام بوكا جونيورز في كأس العالم للأندية    مؤمن سليمان يقود الشرطة للتتويج بالدوري العراقي    ترامب: إيران هي من تعاني حالياً ولا اعلم كيف يمكن وقف القتال    ترامب عبر "تروث": سد النهضة الإثيوبي تم تمويله بغباء من الولايات المتحدة    النائب محمد الفيومي: مشروع قانون الإيجار القديم هو العدالة والرحمة.. وأطمئن المستأجرين بأنه لن يُطرد أحد    روبي تتألق في إطلالة مبهرة قبل صعود حفل افتتاح موازين    ترامب عن سد النهضة: بُني بتمويل غبي من الولايات المتحدة    كروفورد عن نزال القرن: "في 13 سبتمبر سأخرج منتصرا"    خلال ساعات نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة البحيرة 2025.. رابط الاستعلام    بعد قرار المركزي الأخير.. حدود السحب من البنوك وatm وانستاباي ورسوم الاستعلام عن الرصيد    نائب الرئيس الأمريكى: الوقت بدأ ينفد أمام الحلول الدبلوماسية بشأن إيران    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    رغم فوائدها الصحية.. ما هي أبرز الأسباب التي تمنع الولادة الطبيعية؟    رسمياً.. مصروفات المدارس الرسمية والرسمية المتميزة للغات العام الدراسي الجديد 2025    الحكومة الباكستانية تعلن ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام لعام 2026    تفاصيل جديدة في واقعة العثور على جثة طبيب داخل شقته بطنطا    انتشال جثمانى طفلين من مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ    اليوم.. طلاب الثانوية الأزهرية يؤدون امتحان مادة الكيمياء    الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم.. أول أيام الصيف    منظمة حقوقية تكشف أحدث حصيلة لضحايا إيران من ضربات إسرائيل    الوداد المغربي يعلن ضم عمر السومة رسميًا    تقدم ملموس في الوضع المادي والاجتماعي.. توقعات برج العقرب اليوم 21 يونيو    هنا الزاهد وتامر حسني وزينة يواسون المخرجة سارة وفيق في عزاء والدتها (فيديو)    «هروح بالعيال فين؟».. أم «مريم» تروي لحظات الانهيار وفقدان المأوى بعد سقوط عقارات حدائق القبة    بوتين: أتفق مع تقييم أوبك بشأن الطلب المرتفع على النفط    سعر البطاطس والبصل والخضار بالأسواق اليوم السبت 21 يونيو 2025    إيران تمهل "عملاء إسرائيل" حتى الأحد المقبل لتسليم أنفسهم والاستفادة من العفو    بعد زيادته رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 21 يونيو 2025    البيئة: قدم «صون الطبيعة» دعمًا لدول جنوب غرب آسيا ب60 مليون دولار    وفاة رئيس لجنة امتحانات الثانوية بسوهاج في حادث.. وتحرك عاجل من نقابة المعلمين    تكليف مهم من نقيب المحاميين للنقابات الفرعية بشأن رسوم التقاضي    لأول مرة.. بدء أعمال اللجنة العليا لاختيار عمداء المعاهد العليا |150 معهدًا يقدم ترشيحات العمداء وفقًا للضوابط الجديدة    قرار مهم من " التعليم" بشأن إعفاء الطلاب من المصروفات للمتفوقين بمدارس 30 يونيو    القنوات الناقلة مباشر لمباراة بايرن ضد بوكا جونيورز في كأس العالم للأندية.. والمعلق    عمرو أديب: نتائج الأهلي المخيبة للآمال تكشف ضعف اللاعب المصري    شاهد.. قناة السويس تنجح فى التعامل مع عطل سفينة 1 RED ZED.. فيديو وصور    الجمهور يهتف "الحرية لفلسطين" فى ثانى أيام مهرجان كناوة بالمغرب    بالصور- خطوبة مينا أبو الدهب نجم "ولاد الشمس"    تراجع أسعار الذهب في ختام تعاملات اليوم.. وعيار 21 يسجل 4780 جنيها    جيش الاحتلال: اعتراض طائرة مسيرة فى شمال إسرائيل تم إطلاقها من إيران    إنجاز طبي بمستشفى القصاصين.. استئصال ورم بالغدة النكافية بلا مضاعفات    "أعملك إيه حيرتنى".. جمهور استوديو "معكم" يتفاعل مع نجل حسن الأسمر "فيديو"    منها المساعدة في فقدان الوزن.. لماذا يجب اعتماد جوزة الطيب في نظامك الغذائي؟    طلب مناقشة أمام "الشيوخ" بشأن التنمر والعنف المدرسي الأحد    إدراج جامعة سيناء بتصنيف التايمز 2025..    مكافأة تشجيعية للمتميزين وجزاءات للمقصرين في المنشآت الصحية بالدقهلية    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    الصحة: فرق الحوكمة والمراجعة تتابع 392 منشأة صحية وترصد تحسنا بمستوى الخدمة    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصار والمقاطعة دروس وعبر
نشر في الفجر يوم 13 - 09 - 2012

ما أشبه الليلة بالبارحة، فأعداء الله في كل زمان ومكان يحاربون الإسلام وأهله، كما قال الله تعالى: { وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا }(البقرة: من الآية217)، وهم يستخدمون في ذلك من الأساليب ما يتشابهون فيه قديما وحديثا، ومن ذلك أسلوب الحصار والمقاطعة ..
وقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحن كثيرة، وحورب بأساليب شتى، فقريش أغلقت الطريق في وجه الدعوة في مكة، وتعرضت بالإيذاء والتعذيب، والسخرية والاستهزاء للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم حوصر بعد ذلك صلى الله عليه وسلم وصحابته ثلاث سنوات في شِعب أبي طالب، وقد صاحب ذلك الحصار الاقتصادي والاجتماعي جوع وحرمان، ونصب وتعب شديد، ومع ذلك كله فرسول الله صلى الله عليه وسلم ماض في طريق دينه ودعوته، صابر لأمر ربه، ومعه أصحابه رضوان الله عليهم ..
قال ابن القيم في كتابه زاد المعاد " :لما رأت قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد، أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة.. فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم، إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في شِعْب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وبقوا محصورين مضيقاً عليهم جداً، مقطوعاً عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجَهْد، وسُمِعَ أصوات صِبيانِهم بالبكاء من وراء الشِّعب .." .
ويذكر أهل السير أن الحمية والرأفة أخذت نفرا من رجال قريش فتعاهدوا على نقض هذه الصحيفة الظالمة، وسعوا في ذلك حتى نقضت، وهؤلاء النفر هم: هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي، وزهير بن أبي أمية المخزومي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، والمطعم بن عدي ..
لقد صورت هذه المقاطعة قمة الأذى والظلم الذي لقيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طوال سنوات ثلاث، ومع ذلك كان فيها من الخير والدروس الكثير ..
قال الله تعالى: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }(البقرة: من الآية216)، فقد كانت هذه المقاطعة سببا في خدمة الإسلام ودعوته، فقد انتشر الخبر بين قبائل العرب من خلال موسم الحج الذي كان إعلاما بما تفعله قريش من الأذى، وتحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ذلك، وثباتهم على مبادئهم، مما أثار سخط العرب على كفار مكة وتعاطفهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما أن انتهى الحصار حتى أقبل الناس على الإسلام، وذاع أمره، وهكذا ارتد سلاح الحصار الظالم على أصحابه، وكان عاملا قويا من عوامل انتشار الإسلام ودعوته، عكس ما كان يريد ويأمل زعماء الكفر، قال تعالى: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }(لأنفال: من الآية30) ..
الصبر والثبات درس هام من دروس هذا الحصار وهذه المقاطعة، فقد تجرع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم مرارة هذا الحصار الشديد، فكانوا يأكلون ورق الشجر وما يجدونه، حتى قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : " خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا قطعة من جلد بعير يابسة فأخذتها وغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فقويت بها ثلاثا " .. ومع ذلك صبروا وثبتوا، فكانت تربية النبي صلى الله عليه وسلم لهم على الصبر عاملاً مهماً من عوامل الصمود والتحدي أمام الباطل وأهله، فالنصر مع الصبر، والبلاء سُنَّة ماضية، وأهل الإيمان لا بد أن يتعرضوا للفتن تمحيصاً وإعداداً، قال الله تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ }(العنكبوت: 2).، وقال تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } (آل عمران:142)، ومن ثم تجلت التضحيات والمواقف في الثبات على الدين والدعوة والقيم عند الصحابة الكرام طوال حياتهم ..
ومن دروس هذه المقاطعة رد الجميل لأصحابه، ومكافأة المحسنين على إحسانهم، وهذا خُلُق حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ( من أتى إليكم معروفاً فكافئوه )( الطبراني )، فبعد انتهاء هذه المقاطعة، كان النبي صلى الله عليه وسلم مقدراً لأصحاب المواقف الإيجابية مع المسلمين، وكافأهم عليها.
فأما عمه أبو طالب فقد قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيتَ عن عمك، فوالله كان يحوطك ويغضب لك؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) ( البخاري ) . وذكر ابن هشام في سيرته: أن هشام بن عمرو أسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم معركة حنين دون المائة من الإبل .
وأما أبو البختري فقد كان في صف المشركين يوم بدر فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله . وأما المطعم بن عدي فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر من المشركين: ( لو كان المُطعِم بن عدي حياً، ثم كلَّمني في هؤلاء النَّتْن لتركتهم له ) ( البخاري )، ولفظ أبي داود ( لأطلقتهم له ) .
ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح: " بأنَّ ذلك مكافأة له على يدٍ كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي إما ما وقع من المطعم حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، أو كونه من أشدِّ من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب ".
وعلى الرغم من هذه المقاطعة الظالمة والمؤلمة، وما أصاب المسلمين من أثرها من معاناة وآلام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتوقف عن دعوته، فقد كان يخرج يتلقى من يقدم إلى مكة للحج، ويعرض عليهم الإسلام، كما كان يعرض ذلك على من يتصل به من قريش ..
ولما أذن الله بنصر دينه، وإعزاز رسوله، وفتح مكة، ثم حجة الوداع، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤثر أن ينزل في خيف بني كنانة ليتذكر ما كانوا فيه من الضيق والاضطهاد، وليؤكد قضية انتصار الحق واستعلائه، وتمكين الله لأهله الصابرين، فحينما سئل صلى الله عليه وسلم في حجته أين تنزل غدا؟، قال صلى الله عليه وسلم ( .. نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة، المحصب، حيث تقاسمت قريش على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريش على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤوهم .. )( البخاري ). والخيف: هو المكان الذي اجتمعت فيه قريش لعقد مقاطعتهم الظالمة ..
قال ابن حجر : " .. قيل إنما اختار النبي صلى الله عليه و سلم النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه، فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم، وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا، على رغم أنف من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصفح عن الذين أساءوا، ومقابلتهم بالمن والإحسان، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .." .
إن هذا الحصار الظالم الذي فرضه العدو على المسلمين، كان من التحديات التي واجهت المسلمين قديماً وحديثاً، وهو أسلوب يلجأ إليه العدو عندما لا يتمكن من مقابلة الحجة بالحجة، أو المواجهة، وهدفه من ذلك القضاء على المسلمين، أو إنزالهم عند شروطه الظالمة، ولكن هيهات أن يتحقق له ذلك، لأن المسلمين يستمدون قوتهم من الله تعالى، وهم يتمسكون دائماً بالصبر والثبات على الحق، كما ثبت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أمام هذه المقاطعة وغيرها..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.