الحزن على الضحايا الأبرياء ليس جديدا علينا... لا يكاد يمر شهر منذ ثورة يناير دون مذبحة يروح ضحيتها العشرات... حزن ممزوج بالحيرة والخوف من المجهول...من موت مجانى مغلف بالعبث تعجز أن تفهم كنهه وسبب وجوده.
الموت فى ميدان القتال أو الثورة شىء وارد، بل واجب، أما أن تتعرض للموت فى مباراة لكرة القدم أو فى مظاهرة سلمية أو أثناء استعدادك لتناول الطعام بعد يوم صيام شاق، دون أن تكون مستعدا للقتل، ودون أن يخبرك أحد عن السبب، فهذا شىء لا يحتمله العقل.
أفهم أن بعض البشر شرس كالضبع الجائع فى مطاردة المال والسلطة، مستعد لارتكاب أى جريمة أو دهس أى شخص أو مبدأ فى الطريق. أفهم أن أغلبهم أحمق كالخروف المطيع فى خدمة الأمير أو المرشد أو القائد العسكري، ينفذ الأوامر كالآلة حتى لو كانت بالقتل...لايخطر بباله سؤال ولا يؤنب ضميره شك...ولكن أليس من حق الضحايا – على الأقل - أن يعرفوا لماذا يموتون؟
يا له من حزن ذلك الذى يسكن الآية الكريمة: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ »(التكوير:8-9).
تأتى الصورة المؤلمة للطفلة البريئة المقتولة وهى تسأل عن سبب موتها ضمن مجموعة من الصور فى وصف أهوال يوم القيامة، حين يتلاشى العالم وكل من فيه، ولا يبقى سوى السؤال الذى يتردد فى الآفاق لكل من مات دون ذنب. لا شىء أقسى من موت كائن برىء لا يعرف سبب موته. والأقسى أن قاتله نفسه لا يملك إجابة!
بركان من الأسئلة غير المجاب عنها انفجر فى مصر. من يرتكب هذه الجرائم ولماذا؟ من يملك أن يجيب إذا كان المسئولون فى الحكم والأجهزة المخابراتية والأمنية هم المسئولين عن هذه الجرائم، إن لم يكن بالفعل فبالصمت أو التقصير عن أداء عملهم فى حماية أرواحنا.
هل رأيت الابتسامات البلهاء على وجه الرئيس؟ وكلمات الوعيد الساذجة على لسان المشير؟ هل حرقت دماءك تبريرات رئيس المخابرات الذى كان على علم بالمؤامرة ولكنه – لطيبة قلبه وتقواه - لم يتوقع أن يقوم مسلم بقتل مسلم فى رمضان...وهل يفعل المسلمون شيئا هذه الأيام سوى قتل بعضهم البعض؟
من يدفع ومن يقبض الثمن ومن يخطط وما الذى يخطط له؟
مثل اليتامى العرايا جردنا مبارك وزمرته من أموالنا وقوتنا وعقولنا وتركنا مثل حملان ضالة فى الغابة نصدق كل ذئب يخدعنا بهيئته المهيبة، إن كانت زيا رسميا أو جلبابا ولحية، نهاجم بعضنا البعض ونتبادل الاتهامات بالخيانة، نتخيل كل أنواع المؤامرات والمخاوف...حتى وصل الحال بالكثيرين منا إلى الترحم على أيامه...صحيح أننا كنا نعيش كالحيوانات فى الحظيرة –هكذا سيرددون لك – ولكن على الأقل كان للحظيرة حارس يحميها ونظام محدد للتغذية والرعاية والذبح!
الآن وبعد المذبحة الأخيرة للجنود المصريين فى رفح، لم يعد أحد محصنا ضد القتل. اكتملت الدائرة الجهنمية لدورة العنف وانفتحت الهاوية على أيام أكثر سوادا فى الأفق. عمليات من الانتقام والانتقام المضاد سوف تجىء، ومادام العقل نائم والعدل غائب والفساد ينمو ومادمنا سنظل أسرى لخرافات الدولة الفاضلة فلن نجنى سوى الدولة الفوضى والمفضوضة التى ترتع فى مؤخرتها كل الأصابع القذرة!
طالما خاصمنا العلم والعالم والحضارة وكرهنا الحرية ورضينا بأكل حقوق الغير ورحنا نسرح كقطيع الخراف التائه خلف دراويش الماضى المتخيل ووهم الزى الرسمى بألوانه المتعددة.
مادمنا رضينا بوأد الثورة والثوار الذين ضحوا بحياتهم من أجلنا، وطالما رضينا بوأد النساء واضطهاد بعضنا البعض، فسوف نعيش على الأرض أهوال يوم القيامة.