اعتبرت صحيفة (فاينانشيال تايمز) البريطانية اليوم الخميس أن ثورات الربيع العربي أوجدت لنفسها الفرصة لفرض نظام إقليمي جديد يستند على مبدأ : أن الزعيم العربي الذي تسول له نفسه تهديد أمن وسلامة شعبه ورفع السلاح ضدهم إنما هو يجازف بشرعيته في الحكم. وأوضحت الصحيفة - في سياق مقال افتتاحي أوردته على موقعها الالكتروني - أن الثورات والانتفاضات الشعبية التي اجتاحت المنطقة على مدار العامين :الماضي والجاري لم تكن تتمحور فقط حول إذا ما كان العالم العربي على مقربة من الديمقراطية والحرية التي غابت عنه طيلة عقود طويلة بل كانت في أصل الأمور اختبارا للطغاة العرب إذا ما كانوا سيواصلون قمع وتعذيب وقتل مواطنيهم للحفاظ على السلطة أم سيعمدون إلى خيار آخر. وقالت "لقد كان دائما القمع والتعذيب والقتل هم التكتيكات الأساسية التي يعمد إليها الطغاة العرب للابقاء على السلطة في جعبتهم غير أن الثورات التي قامت في كل من مصر وتونس وليبيا وتحدث في سوريا الآن برهنت على أن جميع حكام تلك الدول قد حكموا على أنفسهم بالموت حينما استخدموا قواتهم ورفعوا السلاح ضد أشقائهم في الوطن". وذكرت الصحيفة أن الاختبارات والتحديات التي فرضتها ثورات الربيع العربي لم تكن واضحة بمكان بقدر ما هى متجلية في أحداث الثورة السورية ، حيث كلما عمد الرئيس السوري بشار الأسد إلى استخدام ذات الأساليب والتكتيكات التي وظفها والده حافظ الأسد للبقاء في السلطة كلما أزاد ذلك من عزلته داخليا وخارحيا وضمن للثائرين ضد حكمه إنجازات على أرض الواقع ليتلقن بعدها درسا قاسيا هو أن الطغيان والاستبدادية يكبدان أيضا ثمنا باهظا. ولفتت إلى أن جميع الثورات ضد الأنظمة الاستبدادية تتسبب في نتائج قد يغفلها الكثيرون وهى انتقال الخوف ؛ فبدلا من شعوب ترتاب حكامها تنعكس الأية لتصبح حكام يرتابون شعوبهم. ورأت صحيفة (فاينانشيال تايمز) البريطانية أن الاختبار الحقيقي لثورات الربيع العربي يكمن في إذا ما ستسطيع تلك الثورات القضاء على استخدام "التخويف والإرهاب" كأداة للحكم أم ستعجز عن تحقيق ذلك ، مؤكدة أن ذلك يعد بالفعل هو الاختبار والتحدي الأبرز لسوريا ما بعد الأسد .. موضحة أن الأمر لن ينتهي بالإطاحة بنظام الأسد بل هى فقط صافرة البداية. وأبرزت الصحيفة في هذا الصدد عدة مخاوف تحدق بثورة الشعب السوري وباتت تتبلور بشكل أكثر وضوحا كلما طال أمد أحداث الثورة على رأسها : طوفان الحرب الأهلية والذي سيغذيه الأعمال الانتقامية المحتملة بين الطوائف المختلفة داخل سوريا بعد رحيل الأسد لاسيما بين أفراد المذهب السني وأبناء الطائفة العلوية. وشددت الصحيفة على ضرورة ألا يصاحب سقوط نظام الأسد استبعاد جميع المسئولين الحكوميين والاستغناء عن دور مؤسسات الدولة مما قد يمهد الطريق أمام فوضى تتشابه في كثير من ملامحها مع الفوضى التي صاحبت سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في أعقاب غزو الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. وخلصت الصحيفة - في ختام تعليقها - إلى أن الحكم الرشيد يبدأ بالالتزام نحو الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون والدولة لمواطنيها .. مشيرة إلى أنه في حال برهن سقوط الأسد ومن قبله الطغاة العرب الآخرين على ذلك الالتزام لاسيما بين أفراد النخبة الحاكمة في الدول العربية بعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية ، سيأخذ الشرق الأوسط صوب مسارات الدول المتقدمة.