مشكلتي مع زوجي فهو يكذب علي في أتفه الأمور وأبسطها، مع أنه في كل مرة يقول: أنا أعتذر وهذه آخر مرة، ولكن للأسف أجده يكرر الكذب. لا أعرف ما هو السبب الذي يجعله يقوم بذلك. وعندما أقول له: لماذا تفعل ذلك؟ يقول: لا أعرف.. شيء خارج إرادتي. فهل هذا منطق أن الكذب يكون خارج إرادة الإنسان. أرشدوني ماذا أفعل؟ الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه.. وبعد:
أختي الكريمة.. أشكر لك حرصك على زوجك، وحرصك على أن تظل الصراحة والوضوح ديدنكما معا، ولتعلمي يا أختاه أن الأمر لا يصل إلى حد الكارثة كما شعرت ذلك من رسالتك، فلكل مشكلة حل كما يقولون، فاطمئني.
أما عن سؤالك عن الكذب، وهل يكون خارج إرادة الإنسان، فأقول وبالله التوفيق:
إن الكذب صفة مذمومة، وخلق بغيض، وشيمة ليست من شيم المؤمنين، ولقد حذرنا الإسلام من الكذب، وبغَّضه إلينا النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، فقال: "عليكم بالصِّدق؛ فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البر، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق ويتحرَّى الصِّدقَ حتى يُكتب عند الله صديقاً، وإيَّاكم والكذب؛ فإنَّ الكذبَ يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النار، وما يزال الرَّجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذَّاباً " رواه مسلم.
و هناك الكثير من الأحاديث التي بينت لنا أن الكذب ليس من صفات المؤمنين ولكنه من صفات المنافقين، وليس المجال هنا لاستقصاء تلك الأحاديث وجمعها.
ولقد امتدح الله تعالى نبيه إدريس عليه السلام فقال تعالى: " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا " [مريم:56].
ومن المعلوم -أختي الكريمة- أن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء مثل هذا السلوك، ولعل من أهمها: -
- تقدير الذات المنخفض.
- هناك أسباب تتعلق بالتنشئة الاجتماعية، فقد ينشأ الكذب كسلوك مكتسب متعلم , حيث إن هناك بعض الآباء والأمهات من يكذب أمام الأطفال، وبالتالي فهذا يؤدي إلى التعود على الكذب.
- كذلك من الأسباب التي تؤدي إلى الكذب، أسباب تتعلق بالفهم الخاطئ لشرع الله تبارك وتعالى، حيث هناك من يبرر لنفسه أن الكذب حلال على الزوجة في كل المواقف، وفي جميع الأوقات، ويستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً وينمي خيراً"، قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها " رواه مسلم.
- و ربما يلجأ الرجل إلى الكذب على زوجته نتيجة إلحاحها عليه لمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن حياته، و كثرة سؤاله، و التضييق عليه، وملاحقته بكثرة الاستفسارات.
وإذا أردت أختي الكريمة معالجة الأمر، فعليك أولا بالوقوف على الأسباب الحقيقة التي تقف وراء تعود زوجك على ذلك السلوك، فكما تعلمين أن معرفة أسباب المشكلة هي الخطوة الأساسية والأولى لحلها، وأقترح عليك ما يأتي لعلاج ذلك السلوك عند زوجك:-
- غضي الطرف عن زلاته، لاسيما وأنها كما ذكرت في رسالتك "في أتفه الأمور وأبسطها".
- اقبلي عذره، واعتذاره، واتركي له دائما بابا للرجوع، لعله يقف مع نفسه في يوم من الأيام، ويشعر بحرج موقفه أمامك.
- عليك بالحوار الدائم معه عن حياتكما الزوجية، وما الأمور التي تؤدي إلى استمرار المودة بينكما؟ وما الأشياء التي يمكن أن تكدر صفوها؟.
- انصحي زوجك بلطف، واستخدمي معه أسلوب الترغيب والترهيب بأن تحببي إليه الصدق، وتذكريه بجزاء الصادقين عند الله تعالى، و خوفيه بالله تبارك وتعالى، وحذريه من عقوبته.
- عليك بأن تشعري زوجك بأنك تثقين في كلامه ثقة كاملة، و أنك تحبينه على كل الأحوال، بيد أنك تحبذين له أن يكون صادقا معك.
- لا تثقلي على زوجك بكثرة الأسئلة عن غيابه، وأين كنت؟ ومع من خرجت؟ فإن أكثر ما يكرهه الرجل من زوجته أن يشعر بأنه محل شك منها، وأنه في موضع مراقبة أو تحقيق.
- اكتبي أكثر من حديث عن فضل الصدق، وذم الكذب، و علقيها داخل المنزل وفي أكثر من موضع، وخاصة في تلك الأماكن التي يقع نظره عليها. ويا حبذا لو عملتما مسابقة في حفظها.
- اقرئي معه موقف الثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك، و معرفة أن الصدق هو سبب توبة الله عليهما، وسبب نجاتهما من آفة النفاق في الدنيا، ومن عذاب الله تعالى في الآخرة.
- انصحيه بأن يذهب إلى طبيب نفسي، ليعرف أسباب ذلك السلوك، و ليساعده في التخلص منه.
- لا تجعلي الأمر يؤثر على نفسيتك، ويجرك ذلك إلى العصبية، ويخرجك عن طاعتك لزوجك والمحافظة على علاقتكما.
- لا تنسي الدعاء لزوجك في صلاتك، أن يجعله الله صادقا في قوله وفعله، وأن يطهر لسانه من آفة الكذب، وأن يشرح صدره لقول الصدق دائما.