■ خبير اقتصادى يحذر: التسويات لن تحل أزمة السيولة لأن المستثمر يدفعها على أقساط ■ الحكومة تحاول تمرير اتفاقيات التسوية مع الشركات المتنازع معها دون إقرارها من البرلمان
جاء د.كمال الجنزورى إلى رئاسة الحكومة، قادمًا من متحف الحكومات، ليكمل مسيرة بدأها منذ 16 عاما، عندما دخل الحكومة لأول مرة، فى عام 1996، فعاد الآن ليحيى مشروعاته القديمة، على أمل أن يصلح ما أفسده فى الماضي، لذلك كان على رأس المشروعات التى عرضها فور توليه الحكومة، إعادة أحياء مشروعات توشكى وشرق التفريعة وترعة السلام، وبيع آلاف الأفدنة المحيطة بها بأبخس الأثمان، ولم تتوقف محاولات الجنزورى لإنقاذ أخطاء الماضى عند هذا الحد، فقرر إعادة تشكيل لجنة فض المنازعات الاستثمارية، التى تم تشكيلها فى عهد حكومة د.عصام شرف فى أبريل الماضي، وتتكون من وزراء الزراعة والإسكان والعدل والمالية، بالإضافة إلى التخطيط والتعاون الدولي، وهى اللجنة التى كان معروضًا عليها 17 حالة نزاع بين الحكومة والمستثمرين، تم تنقية 10 حالات منها، والتوصل إلى تسويات مبدئية فى 7 حالات، حسبما أعلنت د.فايزة أبو النجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، المكلفة بتسوية أوضاع المستثمرين الأجانب، خاصة أن معظم أزماتهم تعود إلى عهد الحكومة الأولى للجنزوري.
وكان الاتحاد العام للغرف التجارية، الذى يعاون أبوالنجا فى ملف تسوية الأزمات بين الحكومة والمستثمرين، قد أعلن فى بيان رسمى له مؤخرًا، أنه سيقوم بالتواصل مباشرة مع المستثمرين العرب والأوروبيين، الراغبين فى اللجوء إلى التحكيم الدولى ضد الحكومة، والتأكيد على احترام الحكومة لكل العقود والالتزامات التى تم إبرامها من قبل، مشيرًا إلى وجود 43 قضية تحكيم دولى مقامة ضد مصر من جانب المستثمرين، ومعظمها قضايا قالت الحكومة إنها تقترب من إنهائها، خاصة المنازعات القائمة مع شركات «الفطيم»، و«المصرية - الكويتية»، وهى تسويات من المنتظر الإعلان عن تفاصيلها فور الانتهاء من إقرارها، بالإضافة إلى التسوية مع شركة «داماك»، التى بدأت الأزمة معها على خلفية الحكم الصادر ضد رئيس مجلس إدارتها حسين سجواني، بالحبس غيابيا لمدة 5 سنوات، وتغريمه 500 مليون جنيه، بتهمة التواطؤ مع وزير الإسكان السابق أحمد المغربي، فى الاستيلاء على أرض خليج جمشة، البالغ مساحتها 300 مليون متر، كما يتم حاليًا تسوية الخلاف حول عقد بيع 620 فدانًا فى القاهرةالجديدة، حصلت عليها شركة الفطيم خلال عهد حكومة نظيف، لإنشاء مشروع كايرو فيستيفال سيتي، وهى التسوية التى قد تنتهى إلى تسديد الشركة لفارق سعر الأرض، مقابل التنازل عن جميع القضايا المرفوعة بين الجانبين، وذلك من خلال لجنة خاصة بتثمين الأراضي، بعد تغيير نشاطها من زراعية إلى سكنية، بعد التأكد من عدم صلاحيتها للزراعة، أو توافر المياه اللازمة للزراعة بها.
لكن التساؤل الذى يطرح نفسه، عند الحديث عن التسويات بين حكومة الجنزورى والمستثمرين، هو «هل يملك رئيس الوزراء التنازل عن جزء من حق الدولة، مقابل إقناع المستثمرين بعدم اللجوء للتحكيم الدولى؟ من الذى قد يهدد مصر بدفع ملايين الدولارات، التى لا تتحملها الموازنة العامة للدولة؟، بالإضافة إلى تساؤل آخر حول إمكانية إعفاء مسئولين فى الحكومات المتعاقبة، بدءا من الجنزورى نفسه فى 1996، إلى أحمد نظيف، من العقوبة عن الأخطاء التى ارتكبوها فى التعاقد مع المستثمرين الأجانب، ووضع مصر فى الأزمة الحالية، خاصة الشركات التى تم بيعها ضمن برنامج الخصخصة، وأصدر القضاء الإدارى حكمه مؤخرًا، بإعادتها إلى ملكية الدولة، على خلفية اتهامات بالفساد فى الصفقات.
يرى عدد من المصرفيين وخبراء القطاع العقاري، أن التسويات التى تعتزم الحكومة الإعلان عنها قريبا، هى خطوة أولى فى الاتجاه الصحيح، لتعيد جزءًا من الثقة المفقودة بين الحكومة والمستثمرين، وهو ما قد يشجع البنوك على العودة إلى تمويل القطاع العقاري، بينما يرى آخرون أن الرقم الذى أعلنت عنه الحكومة أنها ستحصل عليه من فروق الأسعار، فى التسويات الودية المتوقعة، والمقدر ب500 مليون جنيه، يعد استكمالا لمسلسل إهدار حقوق الدولة، خاصة أنه سيتم تقدير فروق الأسعار «وقت ارتكاب الجريمة»، بعد أن كانت الحكومة تطالب بفروق أسعار تقييم للأرض تقدر ب4 مليارات جنيه، كما أنها تسويات تتم دون مشاركة أو رقابة من المجتمع المدنى أو البرلمان، وهو ما يثير حولها شبهات المجاملة أو التسرع فى الوصول لاتفاق تحت مبرر الخوف من التحكيم الدولي، أو تحت زعم تشجيع الاستثمار وإعادة تدوير عجلة الإنتاج.
يقول الخبير الاقتصادى رضا عيسى إن «التسويات المزمع إقرارها، يجب أن يسبقها مرسوم نافذ بقانون، يتم من خلاله تحديد كيفية تقييم فروق أسعار الأراضي»، مشيرًا إلى «وجود حالة من التعتيم وعدم الشفافية فى هذا الأمر حتى الآن، خاصة أن لدينا رصيدًا كافيًا من انعدام الثقة فى الحكومة، وهو ما يثير حالة من التوجس بوجود شبهات فساد فى إتمام هذه التسويات، واتباع نفس السياسات الاقتصادية للحزب الوطني».
ويطالب عيسى بفتح المجال لمناقشة مجتمعية بشأن هذه التسويات، لتحديد كيفية إجراء عملية إعادة التقييم، خاصة ما يتردد عن عودة أموال الفروق للدولة، هو أمر لن يحدث فى يوم وليلة، حسبما يقول عيسى، فالمستثمر سيدفع هذه الفروق على سنوات، مما يعنى أنها لن تساهم بجدية فى حل أزمة السيولة التى تعانى منها البلاد حاليا، وهو ما تتخذه الحكومة مبررًا للانتهاء سريعًا من التسويات، موضحا أن «غياب مجلس الشعب عن إقرار هذه التسويات، يعنى تقنين عملية منح الأراضى للمستثمرين بالأمر المباشر، وهو نوع من معالجة الفساد بالفساد».
ويتساءل عيسى: «لماذا انفرد الجنزورى بتحديد أسس عمليات التقييم مع رجال الأعمال، وهو ما قد يهدد بالطعن مجددا على نتائج هذه التسويات، أو لجوء بعض المستثمرين إلى التحكيم الدولى مرة أخري»، مشددا على أن هذا السلوك من جانب الجنزورى يشير إلى استمرار سياسة تدليل رجال الأعمال، التى اتبعتها حكومات النظام السابق، باستخدام فزاعات الخوف من هروب الاستثمار الأجنبي.
ويتفق يحيى حسين، وكيل أول وزارة الاستثمار، ومدير مركز إعداد القادة مع ما يطرحه عيسى من مخاوف، مؤكدا أن الجنزورى رضخ للفزاعات التى تتحدث عن هروب الاستثمارات، وأن هذه التسويات قد تكون عاملا جاذبا للاستثمار، مضيفا «لكن الحقيقة أن جميع المستثمرين ينتظرون تحقيق الاستقرار، ووضوح الأوضاع السياسية، حتى يأتى الاستثمار الحقيقي».
ومن جانبه، يرى المحامى خالد علي، مدير المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وصاحب دعاوى إعادة عدد من الشركات التى تمت خصخصتها، «أنه كان من الأولى بالجنزورى انتظار عودة البرلمان إلى ممارسة دوره الرقابى والتشريعي، لإقرار هذه التسويات، وإصدار تشريعات تسمح بها، وإقرارها فى جو يضمن مشاركة المجتمع المدنى فى الرقابة عليها».
وفى المقابل، يؤكد ناجى ألبير، عضو جمعية مستثمرى 6 أكتوبر، أن «منازعات الحكومة مع المستثمرين، تقدم أسوأ دعاية سلبية للاستثمار فى العالم، وهو ما يستدعى الإسراع بإتمام هذه التسويات، لأن الموقف المصرى ضعيف فى كل الحالات، فالمستثمرون سيلجأون للتحكيم الدولي، ويحصلون على حقوقهم كاملة، بعد أن يكسبوا هذه الدعاوي، ثم يطالبون الحكومة المصرية بتعويضات عن الخسائر التى تحملوها، من خلال الفارق بين المبلغ الذى قاموا بشراء الأراضى به، و بين ما تم إنفاقه على إقامة مشروعات عليها، وهو ما يهدد بتطفيش الاستثمارات».
ومن جهته، يشيد د.محرم هلال الرئيس التنفيذى للاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، بالآلية التى تم إنشاء لجنة فض منازعات الاستثمار من خلالها، مؤكدا «أن من يعمل فى هذه التسويات ليس له مصلحة شخصية، و لا يستطيع أى فرد أن يقدر رقمًا لفروق الأسعار، إلا بدراسة كل قضية على حدة، فكل منها له وضع خاص، ويجب أن تحترم الحكومة المصرية تعاقداتها مع المستثمر، حتى لا يفقد الثقة فى الاقتصاد المصري».
وتشير د.سميحة القليوبي، خبير القانون التجاري، إلى أن المستثمر يحق له اللجوء إلى التحكيم الدولي، لإنهاء المنازعات التجارية مع الحكومة طبقًا لاتفاقية «الاكسيد»، بدعوى تعسف الطرف الذى تم التعاقد معه، واعتدائه على حقوق المستثمر المنصوص عليها فى القانون، مضيفة أن «المستثمر يكسب هذا التحكيم، إذا ثبت أنه لم يتخل عن التزاماته، ولم يتواطأ فى جريمة ضد الدولة، أما إذا حدثت جريمة من جهته، أو خالف شروط التعاقد، ففى هذه الحالة يصبح العقد باطلا، إذا كان يعلم بهذه المخالفات»، وهو ما يؤكد ضرورة التعامل مع كل قضية على حدة، ودراستها من جانب حكومة الجنزورى.
ويلفت الخبير الاقتصادى د.شريف دولار النظر إلى أن الدخول فى طريق التحكيم الدولي، هو مكلف ماديا، بالإضافة إلى أنه من الناحية العملية والفنية، به احتمالات كبيرة للخسارة، متوقعا أن تتكبد الدولة غرامات مالية فادحة، نتيجة الخسائر التى تعرض لها المستثمرون، بالإضافة إلى ضعف الكوادر القانونية والاقتصادية التى تتولى الدفاع عن الجانب المصري، وهو ما ظهر فى خسارة مصر ل60% من قضايا التحكيم الدولى التى دخلت فيها مع الشركات العالمية، خلال السنوات الماضية، مع نقص الخبرات القانونية والاقتصادية فى إبرام العقود التجارية مع الشركات والهيئات الأجنبية، وتضارب سياسات الاستثمار والقوانين المنظمة له، وهو ما أثار العديد من الأزمات بين الحكومة والمستثمرين.
وكانت الأحكام المتتالية التى أصدرها القضاء الإدارى مؤخرا، بإعادة عدد من شركات القطاع الخاص، التى تمت خصخصتها فى عهد الحكومات السابقة، من الجنزورى إلى نظيف، قد انفجرت فى وجه رئيس الحكومة خلال الأيام القليلة الماضية، خاصة أن حكومته الأولى، كانت العصر الذهبى للخصخصة، حيث شهدت خصخصة 115 شركة من إجمالى 151 شركة تم بيعها على مدار 15 عامًا، ودفعت الأحكام الأخيرة، المزيد من العاملين فى الشركات المباعة الأخرى إلى التظاهر للمطالبة بالعودة إلى ملكية الدولة، لتصبح هذه التظاهرات واحدة من أكبر مصادر إزعاج له، ليضطر إلى تعيين المهندس الكيميائى عادل الموزى فى منصب الوزير المفوض لإدارة قطاع الأعمال العام، خاصة أنه يواجه مجموعة من الأحكام القضائية واجبة النفاذ، باستعادة شركات تمت خصخصتها، ومن بين هذه الشركات «العربية للتجارة الخارجية»، و«النيل لحليج الأقطان»، و«النصر للمراجل البخارية» و«طنطا للكتان والزيوت»، و«غزل شبين الكوم»، و«النوبارية»، و«قها للأغذية المحفوظة»، بالإضافة إلى شركة إيديال، التى تقدم العاملون فيها ببلاغ إلى النائب العام، يحمل رقم 8160 لسنة 2011 عرائض النائب العام، اتهموا فيه الجنزورى بإهدار مبلغ 4 مليارات جنيه فى عملية تقييم أصولها، بعد تقييمها ب316 مليونا فقط، ليقرر النائب العام إحالة البلاغ إلى نيابة شرق القاهرة، للتحقيق فيه.