إن أغلب شباب الثورة يعرفون ذلك جيدا، والأيادي التي حركت، وخططت، ونظمت، راهنت على هذه العاطفة النبيلة، هذا تماما ما أقره وائل غنيم الداعي الأول للخروج يوم 25 يناير، وكما قص علينا في أحد البرامج بعد الثورة، أنه تلقى اتصالا بأن موضوع خالد سعيد موضوع قادر على تحريك الشعب المصري فكانت الفكرة الأولى للحشد الجماهيري، متزامنا مع صفحة كلنا خالد سعيد..
ما الداعي هنا لذكر العاطفة، والتركيز عليها؟ وما علاقة ذلك بأن يفقد شباب الثورة تعاطف المصريين؟
إن ما سأقوله هنا ما هو إلا محاولة للفهم، والتفكير بصوت مسموع، فدعنا نفكر معا يا سيدي، وسأعرض وجهة نظري، وعلى من يخالفها، أو من له تحفظ عليها أن ينور بصيرتي، ويوضح لي ما لم استوعبه، عسى أن نخرج معا من هذا النفق المظلم، ونستطيع يدا بيد أن نصحح مسارنا جميعا..
وبداية، فإن هذه العاطفة التي حركت الشعب، خلف شباب الثورة ضد مبارك وأعوانه وجنوده، وحطمت كل ظلم ووقفت أمام كل متجبر، ولم تهزمها المدرعات والمصفحات والطلقات، هي نفس العاطفة التي سخر منها شباب الثورة وإعلام الثورة، فاخترعوا حزب الكنبة، و"عباسيين المجلس"، والشعب الذي يقبل أن يضرب على قفاه منذ أيام مبارك..هذه العاطفة التي تعالى عليها شباب الثورة وخاصة الذين ظهروا في فضائيات نفخ الكير، هي أول ما فقده الثوريون.
ثم دعني أعدد لك ما فعله شباب وإعلام الثورة فخسروا المصريين، وتعاطفهم، وأصبحوا في نظر الغالبية منهم، مجموعة من الطامعين كغيرهم في نصيب من كعكة مصر..
أولا: البحث عن العداوات
أليس عجبا أن ينصرك الله على عدوك، فتلتفت لتبحث بعدها عمن تعاديهم؟
هذا أول ما فعلتموه أيها الثوريون للأسف.
فقد نصركم الله على جبابرة الحزب الوطني، ونزع من كبيرهم ملك مصر، وأصبحتم يا ايها الشباب القوة الأولى التي تأمر فتطاع فماذا أنتم فاعلون؟
للأسف لقد كانت إجابتهم العملية هي خلق عداوات أكبر!
كيف؟
· قوائم العار
لكل من تعاطف أو ساند النظام السابق، قوائم تهدم حياتهم للأبد.
بالله عليكم، أناس وصمتموهم بالعار، ودمرتم حياتهم وحياة أسرهم وأبناءهم وأحفادهم، ماذا تنتظرون منهم إلا أن يكونوا ضدكم للنهاية، وكل أمنياتهم محوكم من على وجه الأرض كما محوتموهم.. وكان الأولى بكم أن تفتحوا الباب لهم، لتوبة بينهم وبين أنفسهم، أو مراجعة للنفس، فإذا ما تركتموهم لضمائرهم، فالبعض كان سيحمد لكم هذا ويصبح خلفكم، ومن لن يكون معكم لن يكون ضدكم فتكونوا بذلك قد حيدتموه! ولكنه غرور النصر، ووهم القوة سيطر على الجميع ثوريين وإعلام ثوري، أو لنقُل "إعلام ثأري" للدقة.
* الدكتاتورية
هكذا أصبحت صورة شباب الثورة، مجموعة من الدكتاتوريين الجدد.. وأتذكر أنني كتبت في 16 فبراير" -أي بعد تنحي مبارك بخمسة ايام فقط- بموقع بص وطل مقالا بعنوان: "من ديكتاتورية الحاكم إلى ديكتاتورية الثوار"، وحذرت من أنهم لا يقبلون رأيا مخالفا وقلت ما نصه:
"واليوم أخشى ما أخشاه على إخواني من الشباب الذين أشعلوا شرارة هذه الثورة، أن بعضهم أخذ يصنف الناس؛ فهذا خائن، وهذا عميل، وهذا شوّه صورة الثوّار، وهذا قال لنا في منتصف المسيرة نحو إسقاط الرئيس: كفى ما حققناه؛ فبات خائناً لنا.. وفي نفس الوقت الذي أصبح فيه الإعلام ينافق الثوار، بعد أن كان ينافق الحاكم.. فقد بات من كانوا مؤيدين للسلطة بالأمس هم أنفسهم الفرحين بسقوطها أمام هؤلاء الشباب.. وفي اعتقادي أن تملق شباب الثورة لا يقلّ في بشاعته عن نفاق السلطان.. وأظن أننا في حاجة ماسَّة إلى أن نبدأ صفحة جديدة..
مع الشرطة..
ومع الإعلام..
ومع أنفسنا.
أرى أن نتوقف عن إطلاق كلمات التخوين،
وألا يظن أحد منا أنه الأولى بمتابعة شأن مصر؛ لأنه يعرف ما لا يعرفه غيره.."..
ولكن لم يسمع احد وهوجمت من البعض باعتباري غيرت موقفي واصبحت أنا أيضا ضد الثوار"..
هكذا أصبح من يملك الحشد والقوة والغلبة في الميدان يملك أن يقول لأ، ولو لم يتوافق عليها الناس، فإذا سألتهم قالوا، وأين كان الناس ونحن نضرب من الأمن المركزي، نعرف أكثر.
ومن ثم بدأت تظهر مصطلحات حزب الكنبة، وأيتام مبارك وأرامل النظام السابق، والعباسيين، وانطبقت عبارات التخوين في كل مكان، وكأن الشرف للثوريين فقط دون شعب مصر، فماذا كنتم تنتظرون من الناس غير الرفض والكراهية.
* الفظاظة والغلظة:
لقد نبه القرآن الثائر الحق سيدنا رسول الله من هكذا فعل، وقال: "ولو كنت فظا غليظ القول لانفضوا من حولك"... وهذا هو الدرس الذي لم يتعلموه من النبي محمد، فرأينا منهم ومن إعلامهم الفظاظة في اللسان والغلظة في القلب.
فعموا وصموا..
وانفض الشعب من حولهم..
وباتوا من الفلول ومن المجلس العسكري، ومن كل من يخالفهم في رأي، في ريبهم يترددون..
* لا شورى لجاهل!
لقد كان لسان حالهم يقول: أنا على صواب وغيري على خطأ، ولهذا لا يستشيرون أحدا، فالجيل السابق جيل فاشل، خاضع، خانع، خائب، هو جيل العواجيز والعجزة، ولهذا لا مكان بينهم مع شباب الإنترنت، وحماة الكرامة والحرية، بهذا المنطق تعاملوا مع العامة والخاصة من هذا الشعب.
ومن هنا بدوا لا يقدرون عالما أو متعلما، فكانت النتيجة التي لا يريدون أن يعترفوا بها أنهم أصبحوا في نظر الناس أوصياء عليهم، يُجهِّلونهم ويسبُّونهم ولا يحترمون كبيرهم، ثم يريدون بعد ذلك أن يقودوهم!
فكيف بالله عليكم أيها الثائرون تظنون أن الشعب الذي خرج رافضا الوصاية والدكتاتورية، سيعود لمنطق الوصاية والدكتاتورية مرة أخرى.. ثم ها أنتم تلومون الناس الذين لم تشركوهم في صنع قرار، أو تأخذوا رأيهم في دعوة لأمر، إذا تركوكم قائمين دون أن يلتفتوا لما تعتبرونه أنتم مسائل مصيرية.
وكأنكم لم تلتفتوا إلى النبي محمد الذي كان يوحى إليه من ربه، حين قال له رب العزة: "وأمرهم شورى بينهم"..! وقد كان ذلك الدرس كفيلا بأن نتعلم أن الناس لا يلتفون حول من يريد قيادتهم، إلا إذا آمنوا بما هو ذاهب إليه، واتخذوا معه القرار، وإلا تقاعصوا عن السير خلفه، وإن كان نبيا مرسلا...