شعور قوى يخامرنى بأن اللواء أحمد عبد الله، محافظ بورسعيد المستقيل، هو الإدارى الوحيد الذى راح، من غير ذنب كبير ارتكبه، ضحية المتآمرين الذين خططوا لمجزرة ستاد بورسعيد الرياضى. هذه المجزرة المريعة التى وقعت عقب مباراة كرة القدم بين فريقى ناديى المصرى والأهلى فى الأول من فبراير 2012م، وأزهقت أثناءها أرواح أكثر من سبعين قتيلاً وأصيب المئات من المشجعين واللاعبين والإداريين. إزاء فداحة المصيبة كان لابد للرجل أن يستقيل فاستقال، استقال لأنه ارتكب خطأين، أولهما أنه وثق فيما نقله إليه مدير الأمن من تقارير واطمأن إليه، وثانيهما أنه شغل نفسه كثيراً يوم المباراة، وما كان ينبغى له أن يثق أو أن ينشغل للدرجة التى تعوقه عن حضور المباراة وقد اعتاد حضور مباريات أقل فى درجة السخونة، لكن الرجل اتخم بمشكلات لا حصر لها ولا عد، وهذا أمر طبيعى فى محافظة كبورسعيد لم يعتد أهلها ما اعتراها بعد الثورة من فوضى وسوء مرافق وتدهور فى إمكانات النمو التى كانت تملكها وجعلتها تحتل فى تقارير هيئة الأممالمتحدة للتنمية البشرية المرتبة الأولى على مدى 16 سنة متوالية؛ غير أن أوضاعها تبدلت تماماً وانقلبت من سيىء إلى أسوأ فى عهد من كان قبله وفى عهده؛ ولعلى كنت ومدير عام الفرع الثقافى وعدد من رفاق حرفة الأدب آخر من التقاهم الرجل فى حياته الوظيفية، فقد التقيناه بمكتبه عصر يوم المباراة، وكان باديا الإجهاد، كثير التنهد من كثرة ما لاقاه نهار اليوم، حتى أننا شعرنا بالإشفاق عليه. أقول هذا وأنا على يقين من أن كثيرين من أبناء بورسعيد يعلمون أننى كنت، حتى وقت تقديمه لاستقالته، واحداً من المعارضين له لعدم رضائى عن أسلوبه فى إدارة شئون المحافظة، ومع ذلك كان الود بيننا متصلاً. عارضته لكثرة بذله للوعود المجانية أو غير المتفقة وإمكانات التنفيذ المتاحة، الأمر الذى فاقم من المشكلات التى تعانى منها المحافظة، وكنت أرى أنه لو جدول هذه المشكلات بأسلوب علمى، وعكف عليها وفق نظام إدارى وزمنى محكم لأمكنه حل أغلب هذه المشكلات، لكنه راح يضرب فى كل مشكلة بسهم، فلم يحل أية مشكلة منها، حتى المشكلة التى ظن أنه قد حلها حلاً جذرياً وهى مشكلة منطقة عشوائيات زرزارة ما لبثت أن أطلت له منها رءوس وأذيال وزعانف؛ إلا أن الصدام الرئيسى بينى وبينه انصب على خطته الرامية إلى إعادة تنصيب تمثال دى ليسبس عند مدخل قناة السويس بما تمثله هذه الإعادة من إهانة لتاريخ المدينة وإرثها الوطنى. قاد هو وأجهزته حملة الإعادة، وقدتُ وزملائى من المثقفين الوطنيين حملة الرفض، وتفاصيل الحملتين معروفة للمتابعين، لكن الأمانة تقتضى الإشادة باستجابته الفورية لمطلب مثقفى المحافظة بإعادة علمها ورمزها وشعارها اللصيق بها منذ انتصارها فى حرب 1956م. ذلك الذى عبث به المحافظ الذى سبقه ثم أزاحه. لهذه الاستجابة، وللجهد الذى بذله لحل قضايا مازالت بكل أسف فى طور الحل، فإن أحمد عبد الله يستحق الشكر والتحية.