في الوقت الذي أدلى فيه رئيس محكمة استئناف القاهرة بتصريحات إعلامية مفادها أن السماح بسفر المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي غير المشروع لمنظمات المجتمع المدني جاء مطابقا لصحيح حكم القانون.. تصاعدت حالة من الغضب في أوساط القضاة بسبب هذا الإجراء، معتبرين إياه تدخلا في شئونهم على نحو يلحق أشد الضرر بالعدالة في قضية أثارت الكثير من الجدل والتوترات في العلاقات المصرية – الأمريكية منذ الإعلان مطلع شهر فبراير الماضي عن إحالة المتهمين فيها إلى محكمة الجنايات. وقال مصدر قضائي بارز إن جموع القضاة غير راضين عن الأسلوب الذي جرى به التعامل مع القضية من جانب رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار عبد المعز إبراهيم، وتدخله في عمل هيئة محكمة جنايات القاهرة التي أحيلت لها القضية، ثم تنحت لاحقا بسبب هذا التدخل "غير المقبول" والذي تضمن اتصال المستشار إبراهيم هاتفيا بالمستشار محمد محمود شكري، رئيس محكمة جنايات القاهرة التي تنظر القضية، ومطالبته بإلغاء قرار قضاة التحقيق بحظر سفر المتهمين، وأن يتم تمكين المتهمين من السفر خارج البلاد. وأشار المصدر إلى أن المتهمين لم يقدموا للمحاكمة محبوسين، وإنما قدموا إليها وهم طلقاء مخل سبيلهم، ومن ثم فإن منعهم من مغادرة البلاد لحين انتهاء المحكمة هو أمر متعارف عليه ومقبول.. مشددا على أن تنحي المستشار شكري وهيئة المحكمة عن نظر القضية جاء كوسيلة احتجاجية تعبر عن عدم قبولهم بأي تدخل في شئون العدالة من أي جهة أي كانت. وكشف المصدر النقاب عن وجود تحركات واسعة النطاق في أوساط عدد من القضاة للتقدم باحتجاج رسمي على هذا التدخل من جانب رئيس محكمة استئناف القاهرة في القضية بإيعاز من جهات رسمية في الدولة. وقال المصدر: "ما كان على رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار عبد المعز إبراهيم، وهو قاضي مصر الأول باعتبار أنه الأقدم على الإطلاق بين جموع القضاة، والذي سيخرج للمعاش في ختام العام القضائي الذي ينتهي في 30 يونيو المقبل لبلوغه سن التقاعد الرسمي للقضاة ( 70 عاما)، أن يقدم على تلك الخطوة أو أن يستجيب لأي ضغوط"، مشددا على أن المستشار إبراهيم أول من يعلم علم اليقين أن العدالة لها شئونها الخاصة، وأن قضاة مصر لا يقبلون على أنفسهم هذا الوضع مطلقا، على حد قول المصدر. واستنكر المصدر، التصريحات الإعلامية التي أدلى بها عبد المعز إبراهيم، والتي برر خلالها موقفه، مشددا على أن ما ساقه لا يبرر على الإطلاق إسناده لدائرة محكمة أمر إلغاء حظر سفر المتهمين الأمريكيين، خاصة في ظل التصريحات المتتالية التي أدلت بها هيلاري كلينتون، وزير الخارجية الأمريكية، خلال الثلاثة أيام الماضية، والتي كان مفادها أنه تم التوصل إلى حل مع الحكومة المصرية لإنهاء قضية التمويل الأجنبي، على نحو كان يستوجب الرد بقوة على هذه التصريحات بأن قضاء مصر وقضاته لا يقبلون أي تدخل من جانبهم. وأشار المصدر إلى أن السماح للمتهمين الأمريكيين بالسفر يعد مؤشرا على تمكينهم من الهرب من القضية، وانهم لن يعودوا إلى القاهرة للمثول أمام المحكمة حال تحديد دائرة وموعدا جديدا لبدء المحاكمة، مدللا على حديثه بعدم حضور أي من المتهمين للجلسة التي عقدت يوم الأحد الماضي، واقتصار حضور المتهمين على 14 متهما جميعهم من المتهمين المصريين في القضية. على صعيد ذي صلة، تقدم عدد من نواب مجلس الشعب يتقدمهم النائب مصطفى بكري ببيانات عاجلة ضد رئيس الوزراء كمال الجنزوري ووزير العدل المستشار عادل عبد الحميد، لمعرفة الأسباب التي دفعت محكمة جنايات القاهرة للتنحي عن القضية، حيث أشار بكري إلى تعرض المحكمة لضغوط استهدفت التدخل في شئون القضاء، الأمر الذي يستوجب مثول وزير العدل أمام البرلمان لاستضياح الحقائق. ووصف بكري السماح بسفر المتهمين الأمريكيين في القضية، بأنه يمثل اعتداء على العدالة وحق القضاء في محاكمة المتورطين ويشجع هذه المنظمات وغيرها على اختراق الأمن القومي المصري. وكان رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار عبد المعز إبراهيم قد كشف النقاب عن أنه هو من طلب من المستشار محمد شكرى التنحى عن قضية التمويل الاجنبى. وقال إبراهيم فى تصريحات إعلامية إنه علم بأن المستشار محمد شكرى لديه ابن كان يعمل وكيلا للنيابة قدم استقالته ويعمل حاليا محاميا فى مكتب للاستشارات القانونية له علاقة بالسفارة الأمريكية مما دفعه لمطالبة المستشار شكرى بالتنحى عن نظر القضية. واضاف عبد المعز أنه تم اسناد قضية التمويل الاجنبى لقضاة تحقيق منتدبين من رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق، واحال القضاة ملف القضية إلى محكمة استئناف القاهرة، موضحا ان القضية تختص بها دائرة جنايات قصر النيل إلا انه تم اسنادها للدائرة التى تعمل فى شهر فبراير (دائرة عين شمس ) برئاسة المستشار محمد شكرى. وتابع عبد المعز : "لكن المستشار شكرى لم يفصل فى القضية على وجه السرعة، واجلها إلى 26 ابريل المقبل، ما سيؤدى إلى عدم الفصل فى القضية خلال العام الحالى لأن السنة القضائية تنتهى فى 30 يونيو". واشار إلى ان المتهمين قدموا طلبات إلى المحكمة لاخلاء سبيلهم، وتمت احالتها إلى محكمة الجنايات للنظر فيها والتى رأت ان الوقعة المسندة للمتهمين جنحة وفقا للمادة رقم 98 ج والمادة 98 د من قانون العقوبات وليست جناية لأن التهمة المنسوبة اليهم تتعلق بانضمامهم إلى جمعيات تعمل بدون ترخيص تصل عقوبتها إلى الغرامة. واضاف رئيس محكمة استئناف القاهرة ان دائرة المحكمة رأت السماح للمتهمين بالسفر بضمان مالى 2 مليون جنيه لكل منهم، مؤكدا انه تم تسديد تلك الكفالات التزاما بأحكام القانون وانه سيتم تحديد موعد الجلسة يوم السبت المقبل. وكان المستشاران سامح أبو زيد وأشرف العشماوي، قاضيا التحقيق المنتدبان من وزير العدل، قد باشرا أعمال التحقيق في القضية، التي ينتمي فيها المتهمون إلى الجنسيات الأمريكية والألمانية والصربية والنرويجية والفلسطينية والأردنية، بالإضافة إلى متهمين مصريين، حيث أسندت إليهم اتهامات تتعلق بتأسيس وإدارة فروع لمنظمات دولية بدون ترخيص من الحكومة المصرية، وتسلم وقبول تمويل أجنبي من الخارج بغرض إدارة فروع هذه المنظمات الدولية بما يخل بسيادة الدولة المصرية. وأظهرت التحقيقات مسئولية المتهمين عن تأسيس وإدارة 5 منظمات أجنبية، منها 4 منظمات أمريكية وواحدة ألمانية، حيث تبين من التحقيقات حصول تلك المنظمات على أموال من الخارج بالمخالفة للقانون على النحو التالي: المعهد الجمهوري 22 مليون دولار أمريكي، والمعهد الديمقراطي 18 مليون دولار أمريكي، ومنظمة فريدوم هاوس 4 ملايين و400 ألف دولار أمريكي، والمركز الدولي الأمريكي للصحفيين 3 ملايين دولار، و مؤسسة كونراد الألمانية مليون و600 ألف يورو.