خرجت من مصر مع تحول آخر فى حياتها العظيمة، فبعد ان كانت أميرة على جنوب مصر أصبحت اسيرة لفرعون مصر الجبار، بعد حروب بينهم دفعت ثمنها ان أصبحت بعدها جارية فى قصر الفرعون، ولكن القدر كان يكتب لهذه العظيمة حياة المؤمنات العظيمات حياة الامهات الخالدات، ما أعجب القدر قد يخرج الشىء من نقيضه، قد تكون فى المحنة منحة. ولننتقل الى هذا المشهد بعد ان علم هذا الجبار الذى كان يحكم مصر من عيونه وبصاصيه، بزوجة نبى الله ابراهيم ، أرسل جنوده يحضرونها له، تلاحقت الاحداث فى سرعة فالامر يتعلق بنبى وزوجته المباركة، اراد الجبار ان يمد يده اليها، شلت يداه، ابتعد عنها، طلب منها ان تسامحه ، وان تعفو عنه ففعلت، عادت يداه صحيحة بارءة من الشلل، هنا تركها واهداها تلك الجارية التى كانت يوما اميرة، كانت يوما اميرة وسصتبح غدا زوجة لنبى الله ابراهيم، وستصبح بعدها اما لنبى الله اسماعيل، ما هذا يا هاجر؟! من عظمة الى عظمة، من مجد الى مجد، مع كل محنة فى حياتك منحة عظيمة، مع محنة الاسر والرق منحة الزواج من نبى الله ابراهيم، ومع محنة الاقامة فى الصحراء حيث لا ماء ولا طعام، حيث الهلاك المبين منحة ماء زمزم وبناء بيت الله الحرام، وألاف من الحجيج لا ينقطعون عن المكان والارتواء من زمزمك. هاجر الام العظيمة ام اسماعيل، صاحبة بئر زمزم وماء زمزم لما شرب له، هاجر المصرية التى عاشت فى مصر ترى النيل يشق مصر من جنوبها الى شمالها يفيض النيل بالماء والخير، حملت مياه النيل فى قلبها فكان من ثمراتها ماء زمزم، ماء زمزم الذى تفجر ليهدأ من روع هاجر، ليحنو عليها وعلى وليدها، ليسكب من مائه فى قلبها فترتوى به اموموتها. والمشهد مشهد عجيب مشهد لام تنظر الى طفلها يبكى من العطش يتنازع فى قلبها حبها لله وشفقتها على وليدها، يكاد قلبها ينفطر حزنا على ابنها، تعلم ان الله يراها تنظر الى السماء، تكاد السماء ان تتفطر حزنا على هاجر شفقة ورحمة بها، تهرول هاجر بين الجبلين وهى تعلم ان المكان ليس به الا الله ، لكنها لا تستطيع ان تتحمل بكاء ابنها الذى يكاد ان يموت عطشاً ، تعلم ان الله ارحم الراحمين، يثور فى فى قلبها الاسى، يتأجج فى قلبها الوجد، تهرول بين الصفا والمروة وهى تنظر الى وليدها، اشتركت الدنيا كلها فى حزن هذه الام، تكاد الشمس ان تتوقف لتشارك هاجر فى محنتها، تظللها السماء فى حنو عطف، الكون كله معك يا هاجر ولن يضيعك الله، يثور باطن الارض يشارك قلب هاجر ثورته، يشاركه وجده وحنينه على هذا الرضيع المبارك، يضرب الرضيع الارض بقدمه المباركة فكأنما اعطاها الامر بأن تخرج الماء العذب الريان، لتهدأ أمه التى تارة تعلو الصفا وتارة تعلو المروة ، تنظر الام الى هذا المشهد العجيب، تنظر الى الفرج يخرج من الارض ، تنظر فتشاهد الماء يتفجر من الارض يسيح فى الصحراء، يبتسم الرضيع فرحٌ فى قلبها وفرحٌ فى السماء وفرحٌ فى الارض بهذه الام المباركة بهذا الماء الريان العذب الزلال. يا أم اسماعيل اننى وانا واحد من اهلك من وطنك مصر قد جائنى اليوم كوب من مائك ماء زمزم، حمله الينا معتمر من مصر، فكأنما جاءنى هذا الماء صلة منكِ لنا، تذكرنا بأم من مصر ذهبت الى بلد الله الحرام فحلت به وحلت معها البركة. تفجرت الارض تحت اقدام رضيعها فشربت الدنيا كلها من هذا الماء، سعت بين الصفا والمروة فسعى الناس من بعدها لا ينقطع سعيهم الى ان يشاء الله. تذكرنا بأم من اعظم امهات الدنيا . انها قصة لأم عظيمة تفجر من قلبها الايمان والحب والعطف والحنان، وتفجر من بركاتها بئر زمزم المبارك. انها قصة لأم مصرية مباركة حملت فى قلبها نهر النيل وذهبت به الى هذه الارض المباركة فتفجر من بركاتها وايمانها وأمومتها ماء زمزم .